الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

"حدود" القوة والدبلوماسية في تحولات الشرق الأوسط


النهار الاخباريه وكالات 

المناخ الجيوسياسي في الشرق الأوسط مصاب بنوع من "الاحتباس الحراري"، وليس أشد حرارة من الأحداث سوى التوقعات المتضاربة، فالشظايا التي تطايرت في بلدان "الربيع العربي" تمسك بها وتوظفها قوى إقليمية ودولية، وحيث نجحت تجربة "الانتقال الديمقراطي" للسلطة، كما في تونس ثم السودان، تمر التجربة اليوم بانتكاسة.

تونس ضيعت الطريق بالجدل والانقسامات والفردانية وجموح راشد الغنوشي، والرئيس قيس سعيد أدخلها في نفق يقود في النهاية إلى مخرج إما نحو تعزيز الديمقراطية، كما يقول رئيس الجمهورية وأنصاره، وإما إلى ديكتاتورية جديدة أو حكم فردي في رأي أحزاب وشخصيات، وحتى الاتحاد العام للشغل الذي كان مؤيداً لقرارات سعيد في البداية.

والسودان يمر في امتحان "التساكن" بين العسكر والمدنيين بعد الثورة الشعبية التي انضم إليها الجيش ضد حكم عمر البشير والإخوان المسلمين، والمشهد العام محيّر، فعلى السطح تراجع أميركي في الشرق الأوسط وتقدم روسي وتحرك صيني وتوسع إيراني وتمدد تركي وخروج إسرائيلي إلى علاقات مع بلدان عربية بعيدة من دون أي تقدم على صعيد التسوية المطلوبة للصراع العربي- الإسرائيلي، وفي العمق ما يوحي أن كل ما نراه هو تحركات موقتة في انتظار تطورات دراماتيكية تقلب المشهد بعد الوصول إلى "حدود" القوة المستخدمة، كما إلى محدودية الدبلوماسية، ذلك أن واشنطن تتراجع في الشرق الأوسط وإن لم تنسحب بالكامل، من أجل المواجهة مع الصين في الشرق الأقصى، من دون أن تهمل المواجهة مع روسيا في أوروبا عبر "الناتو"، وهي في التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ رتبت تحالف "أوكوس" الثلاثي بين مع بريطانيا وأستراليا بعد تحالف "كواد" الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا إلى جانب تفاهم "العيون الخمس".

لكن الولايات المتحدة الأميركية تعرف أن الشرق الأوسط هو "كعب آخيل" الأميركي، وأبسط الأسئلة الدائرة فيها حالياً هي كيف تواجه أميركا الصين وروسيا في الشرق الأقصى وتترك لهما الشرق الأوسط؟ وماذا تفعل مع القوى الإقليمية التي تتحرك في المنطقة؟ هل تعتمد عليها لترتيب نظام أمني؟

الرهان على تركيا وإسرائيل لا يكفي، والاتكال على أن يدبر العرب بأنفسهم حل قضاياهم لا يكفي، والعودة لرهان الرئيس باراك أوباما على صفقة مع إيران وتوازن قوى سني- شيعي هي وصفة للفشل، أولاً لأن طهران ترى أنها أخذت ما تريده في أربع دول عربية، وليست في حاجة إلى أخذها من أميركا، وثانياً لأن العودة للاتفاق النووي موضع أخذ ورد على مستوى استراتيجي في مناخ متغير، فما جرى في إيران كما يقول البروفسور في العلاقات الدولية محمد آياتواللهي تبار في "فورين أفيرز"، هو اكتمال التحولات: إنهاء أي تباين بين "مؤسسات الدولة الموازية" التي يديرها المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة وبين "الحكومة المنتخبة" بعد وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة، واقتراب الحرس الثوري من السيطرة على كل شيء تحت عباءة المرشد.

ونتيجة ذلك في رأيه أن "نافذة الفرصة" المفتوحة على "صفقة كبيرة" بين أميركا وإيران "أُغلقت"، وفي إيران من يخشى من أن العودة للاتفاق النووي "تطلق يد أميركا في إضعاف النفوذ الإقليمي الإيراني"، وخصوم إيران مشغولون بالخوف من أن يعطي الاتفاق "طهران مزيداً من المصادر المالية لتقوية وكلائها وبرنامجها النووي".

اللعبة ليست ثنائية بين إدارة الرئيس جو بايدن وجمهورية الملالي، فكل القوى الإقليمية والدولية صاحبة أدوار ومصالح في اللعبة الأكبر، وما حدث أيام أوباما يصعب أن يكرره بايدن ولو أراد، لأن الظروف والحسابات تبدلت، فالشرق الأوسط الذي كان منطقة قوة لأميركا صار منطقة ضعف لها، وليس أكبر من ثمن البقاء العسكري فيه سوى ثمن الانسحاب منه.