النهار الاخباريه وكالات
بين ركام غزة تتبلور ملامح مرحلة جديدة في الشرق الأوسط، حيث تتحول الحرب من حدث عسكري إلى محطة سياسية مفصلية يعاد عندها رسم التوازنات والخرائط.
فى هذا التقرير نقدم قراءة معمقة لمستقبل المنطقة "ما بعد غزة"
أن ما بعد غزة لن يشبه ما قبلها، وأن الشرق الأوسط يقف اليوم على أعتاب إعادة هندسة كبرى في موازين القوى والشرعيات والاصطفافات. بالتأكيد أن الحرب على غزة لم تعد مجرد مواجهة بين إسرائيل وحركة حماس، بل تحولت إلى اختبار شامل للنظامين الإقليمي والدولي.
إسرائيل لم تعد تقاتل حماس وحدها، بل تواجه مأزقا أخلاقيا وسياسيا أمام العالم أن صور الدمار والضحايا المدنيين باتت "تنسف الرواية الإسرائيلية القديمة عن الدفاع عن النفس".
صحيح أن الحرب الأخيرة أعادت تعريف الصراع في فلسطين، إذ لم تعد القضية محصورة في الاحتلال، بل في شرعية القوة والردع، مؤكدا أن "المجتمع الدولي وجد نفسه أمام سؤال جديد: من يحمي المدنيين؟ ومن يضع حدا لمنظومة الإفلات من العقاب؟".
غزة كشفت هشاشة المنظومة الإسرائيلية داخليا أيضا، فالمجتمع الإسرائيلي "أصيب بانقسام عميق بين تيار يريد الحسم العسكري وتيار يخشى العزلة الدولية"، معتبرا أن هذا الانقسام سيشكل نقطة تحول في مستقبل السياسة الإسرائيلية، وربما في العلاقة بين المؤسستين العسكرية والسياسية.
هناك فرصه حقيقه للقيادة الفلسطينية أمام لحظة نادرة قد تعيد فيها تموضعها "يجب على السلطة الفلسطينية أن تستعيد زمام المبادرة، لا أن تنتظر نتائج الميدان".
أن مرحلة ما بعد غزة ستكون امتحانا لمدى قدرة الفلسطينيين على تقديم رؤية موحدة، "إما أن نكون طرفا فاعلا في إعادة الإعمار والترتيبات المقبلة، أو نقصى مجددا لصالح قوى إقليمية أخرى".
بالتاكيد الانقسام الفلسطيني الداخلي أصبح عقبة كبرى أمام أي مشروع سياسي مستقبلي لكن للاسف "من دون مصالحة وطنية حقيقية ستظل غزة ورقة تفاوض بيد الآخرين، لا بيد أهلها".
من جهة ثانيه واشنطن تواجه "أصعب امتحان منذ نهاية الحرب الباردة"، إذ تجد نفسها عالقة بين التزاماتها التاريخية تجاه إسرائيل وضغوطها الأخلاقية والدبلوماسية أمام الرأي العام العالمي.
أن إدارة ترامب الثانية "تدرك أن استمرار الحرب بهذا الشكل يقوض صورتها كوسيط، ويضعف أدواتها في المنطقة"الولايات المتحدة لم تعد تملك ترف إدارة الأزمات من بعيد، بل صارت جزءا منها".
مما لاشك فيه ان مواقف البيت الأبيض الأخيرة تظهر رغبة في استعادة زمام المبادرة السياسية، عبر محاولة فرض معادلة ما بعد الحرب التي تجمع بين وقف إطلاق النار وترتيبات أمنية تضمن عدم عودة حماس إلى الحكم في غزة، وفي الوقت نفسه تفتح الباب أمام إعادة إعمار دولية بإشراف أميركي عربي مشترك.
بالتاكيد أن الموقف الأميركي اليوم لا ينفصل عن الحسابات الانتخابية الداخلية أيضا، حيث تسعى الإدارة إلى تجنب خسارة دعم القواعد المعتدلة داخل الحزب الجمهوري والشارع الأميركي، الذي بات أكثر انقساما حول السياسة الخارجية في الشرق الأوسط.
ان التحول الدبلوماسي الهادئ" في واشنطن يجعل مؤسسات القرار الأميركي تبدا بالفعل بمراجعة الأدوات التي استخدمتها في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين.
لان البيت الأبيض يرى في الأزمة الحالية فرصة لترميم صورته كقائد دولي بعد فترة من التراجع، مؤكدة أن التحرك الأميركي لإعادة ترتيب البيت الإقليمي ليس حبا في السلام، بل دفاعا عن مصالحه الاستراتيجية.
أن ما يجري في المنطقة لا يمكن فصله عن تحركات عربية نشطة لإعادة التموضع، فهناك، كما تقول، "رغبة عربية متزايدة في تقليل الاعتماد على واشنطن دون القطيعة معها، عبر بناء شراكات متوازنة مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا".
أن ما جرى في غزة ليس مجرد حملة إسرائيلية محدودة، بل عملية إعادة صياغة كاملة لمفهوم الردع في المنطقة.
بالتاكيد الحرب أظهرت محدودية القوة الإسرائيلية في حسم النزاعات غير المتماثلة على الرغم من انه كلما حاولت تل أبيب أن تثبته عسكريا خسرته سياسيا".
أن الجيش الإسرائيلي دخل الحرب بأهداف استراتيجية كبرى، لكنه يخرج منها "بأسئلة أكثر من الإجابات"، وأن "المعادلة الإقليمية بعد غزة ستقوم على إدراك أن التفوق التكنولوجي لا يساوي النصر السياسي".
إسرائيل، بعد هذه الحرب، ستعيد النظر في عقيدتها الأمنية التقليدية القائمة على "الضربة الاستباقية والحسم السريع"، لأن الواقع الميداني أظهر استحالة تحقيق نصر نظيف في حروب المدن والأنفاق.
الجيش الإسرائيلي اكتشف أن تفوقه التكنولوجي لا يغني عن وجود استراتيجية خروج واقعية"، وأن هذه الهزة ستنعكس على ميزان الردع مع حزب الله وسوريا وربما إيران لاحقا.
أن ما تشهدُ المنطقة من سباق تسلح غير معلن من بعض الدول العربية ستسعى لتطوير قدراتها الدفاعية الذاتية في مواجهة مشهد إقليمي أكثر اضطرابا.