الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

المسجد الأقصى في قلب العاصفة..

النهار الاخبارية - وكالات 

تواصل إسرائيل الاعتداء على المسجد الأقصى والمصلين فيه بصورة غير مسبوقة، فهل تسعى حكومة نتنياهو إلى إشعال الموقف مع الفلسطينيين بهدف الهروب من مأزق الانقلاب القضائي؟

كانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي قد اشتبكت مع فلسطينيين في المسجد الأقصى بالقدس المحتلة للمرة الثانية الأربعاء 5 أبريل/نيسان، بعد ساعات من اقتحامها لحرم المسجد واعتقال وإبعاد أكثر من 350 من المصلين والمعتكفين.

تأتي هذه الاعتداءات في وقت تعيش فيه إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية وياريف ليفين وزير العدل تمريرها.

وعلى الرغم من أن تلك الاعتداءات على الأقصى والمصلين، وهي غير مسبوقة في حدتها وعنفها وتكرارها، قد أثارت ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي وحول العالم عموماً، ودعت الولايات المتحدة نفسها لتخفيف التوترات، إلا أنه لا توجد أي مؤشرات على أن حكومة إسرائيل الحالية ورئيسها نتنياهو يريدان تهدئة الأمور من الأساس.

اعتداءات متكررة على الأقصى
قال موظفو إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، وهي مؤسسة إسلامية تعمل تحت الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، إن شرطة الاحتلال اقتحمت حرم المسجد للمرة الثانية في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء وحاولت إخراج المصلين باستخدام القنابل الصوتية والرصاص المطاطي.

وزعم بيان لشرطة الاحتلال أن عشرات الشبان الفلسطينيين أحضروا الحجارة والألعاب النارية إلى المسجد وحاولوا الاحتماء بداخله، إلا أن إدارة أوقاف القدس قالت إن الشرطة دخلت المسجد قبل انتهاء الصلاة، وهو ما أدى إلى اشتعال الموقف. وقال شهود لرويترز إن المصلين رشقوا الشرطة بما وقعت عليه أيديهم. وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن ستة أشخاص أصيبوا.

وفي وقت سابق من الأربعاء، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المسجد في محاولة لإبعاد من قالت إنهم محرضون ملثمون تحصنوا بالداخل بعد فشل محاولات لإقناعهم بالخروج. وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن 12 فلسطينياً أصيبوا بالرصاص المطاطي في الاشتباك الذي وقع قبل فجر الأربعاء نتيجة الرصاص المطاطي والضرب. بينما قالت شرطة الاحتلال إن ضابطين أصيبا.

ردود فعل غاضبة على اقتحام الأقصى
أثار الاقتحام الوحشي للمسجد الأقصى من جانب شرطة الاحتلال ردود فعل غاضبة داخل فلسطين وخارجها، حيث وصفت فصائل فلسطينية اقتحام المسجد فجراً واعتداء شرطة الاحتلال على المصلين، بأنه "عدوان همجي ونقلة خطيرة في استباحته".

وقال رئيس حركة "حماس" في الخارج خالد مشعل، في تصريحات نشرها الموقع الرسمي للحركة، إن "ما يجري في المسجد الأقصى المبارك نقلة خطيرة في العدوان عليه واستباحته". كما طالب مشعل بـ"التحرك والتفاعل والتحشيد والنصرة والعمل الاختصاصي والميداني والشعبي، كلٌ في نطاق مجاله ومسؤوليته لنصرة المسجد الأقصى".

وحمّل عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي"، محمد الهندي، إسرائيل "كامل المسؤولية عن جريمة استباحة المسجد الأقصى المبارك والاعتداء الهمجي". وأضاف في بيان: "رسالتنا للعدو وحُماته وحلفائه، أن شعب فلسطين لا يمكن أن ينكسر وأن الأقصى دونه المُهج والأرواح".

الأمين العام لـ"حركة المجاهدين"، أسعد أبو شريعة قال إن ما يحصل "جريمة بحق أقصى المسلمين، يستوجب على الأنظمة العربية التراجع عن مواقفها المتخاذلة تجاه القدس والأقصى"، وتابع: "شعبنا بكل مكوناته وأطيافه سيبقى المدافع عن الأقصى والمقدسات، وله طرقه في تدفيع المحتل الغاصب الثمن باهظاً إزاء جرائمه بحق القدس والأقصى".

وقال نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ما تقوم به إسرائيل من اقتحام للمسجد الاقصى المبارك والاعتداء على المصلين يشكل صفعة للجهود الأمريكية التي حاولت خلال الفترة الماضية إيجاد حالة من الهدوء والاستقرار في شهر رمضان المبارك".

كما قررت جامعة الدول العربية عقد اجتماع طارئ بناء على دعوة من الأردن، على مستوى المندوبين الدائمين؛ لبحث الاقتحام الإسرائيلي للمسجد الأقصى. وجاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية، أشارت فيه إلى أن دعوتها للاجتماع جاءت بالتنسيق مع فلسطين ومصر.

وأصدرت الأمم المتحدة بياناً يستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى ويدعو إلى التهدئة، بينما يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة لمناقشة الاعتداءات، بناء على طلب الإمارات والصين.

أما في واشنطن، فقد عبر جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، عن قلقه بشأن العنف في المسجد، وقال إنه يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين تهدئة التوترات.

هل يسعى نتنياهو إلى تفجير الموقف؟
أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بياناً يقول إن "إسرائيل تعمل على تهدئة الوضع"، زاعماً أن التوترات ناجمة عن تحصن "متطرفين" داخل المسجد وبحوزتهم أسلحة وحجارة وألعاب نارية.

وأضاف البيان: "إسرائيل ملتزمة بالحفاظ على حرية العبادة وحرية (ممارسة شعائر) جميع الأديان والوضع الراهن في حرم المسجد الأقصى ولن تسمح للمتطرفين الذين يمارسون العنف بتغيير ذلك".

ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الفطنة كي يدرك أن الهدف الذي يسعى إليه نتنياهو لا علاقة له بالتهدئة بأي حال من الأحوال، ويذكر موقف نتنياهو الآن بموقفه قبل عامين، عندما اختار طريق التصعيد في القدس المحتلة سعياً للتشبث بمنصبه فأشعل حريق حرب غزة عام 2021.

وكانت الأحداث الدامية وقتها قد بدأت أيضاً في القدس الشرقية المحتلة، من خلال سعي حكومة نتنياهو لإخلاء عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، سعياً من نتنياهو لإرضاء المستوطنين المتطرفين، وعلى رأسهم حركة "لاهافا"، ثم إغلاق باب العامود دون سبب، وصولاً إلى الاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، التي تشكل "جريمة حرب" بموجب بنود القانون الدولي، وصولاً إلى إطلاق الفصائل الفلسطينية صواريخ من غزة رداً على تلك الاعتداءات، وشن إسرائيل ضربات جوية ومدفعية مكثفة على القطاع، لينتهي الأمر بحرب شاملة استمرت 11 يوماً.

وفي هذا السياق، أدت الاعتداءات الإسرائيلية خلال شهر رمضان وعشية عيد الفصح اليهودي إلى تبادل إطلاق نار عبر الحدود في قطاع غزة وأثارت مخاوف من تفاقم العنف. إذ تم إطلاق تسعة صواريخ على الأقل من غزة على إسرائيل بعد الاعتداء على المصلين في الأقصى.

وشن طيران الاحتلال غارات جوية استهدفت ما قالت تل أبيب إنها مواقع لصنع أسلحة تابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع الساحلي المحاصر. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات على جانبي حدود غزة. ولم تعلن حماس مسؤوليتها عن الهجمات الصاروخية لكنها قالت إنها جاءت رداً على الغارة على الأقصى.

وقبل قليل من الاعتداء الثاني على الأقصى، أُطلق صاروخان آخران من غزة، وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي إن أحدهما لم يصب شيئاً والآخر وقع في مكان مفتوح. وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاجاري: "لا نريد التصعيد لكننا مستعدون لأي سيناريو".

هل يسعى نتنياهو للخروج من أزمة "الانقلاب القضائي"؟
لا يمكن استبعاد الموقف الداخلي المتأزم للغاية الذي يواجهه الائتلاف الحكومي الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية من معادلة التصعيد في المسجد الأقصى حالياً. صحيح أن إسرائيل تسعى إلى تغيير الوضع الراهن في المسجد منذ فترة طويلة، إلا أن ائتلاف نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ربما يرى الآن فرصة سانحة لتحقيق ذلك بغض النظر عن التداعيات.

وبموجب ترتيبات "الوضع الراهن" القائم منذ فترة طويلة في المنطقة، والذي يزعم نتنياهو أن إسرائيل تلتزم به، يمكن لغير المسلمين زيارة الحرم لكن يُسمح فقط للمسلمين بالصلاة فيه، لكنْ زوار يهود يقيمون بشكل متزايد صلاتهم علناً في الحرم في تحد للقواعد؛ بل يسعون الأن إلى ذبح القرابين أيضاً.

وتتم هذه الاعتداءات الصارخة من جانب المتطرفين اليهود في حراسة شرطة الاحتلال، وقد وصفت إدارة أوقاف القدس تصرفات الشرطة بأنها "تعد صارخ على هوية ووظيفة المسجد كمكان عبادة خاص بالمسلمين وحدهم".

لكن مع استمرار معاناة إسرائيل من التوتر الداخلي المستمر منذ أسابيع بسبب خطط نتنياهو المثيرة للخلاف بشدة لتقييد سلطات المحكمة العليا، يمثل تفجير الموقف مع الفلسطينيين الآن فرصة مواتية لحكومة نتنياهو للتغطية على الانقسامات الداخلية.

وفي هذا السياق، دعا إيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني المسؤول عن الشرطة إلى "رد قاس من إسرائيل" وقال إنه طلب عقد اجتماع لمجلس الوزراء الأمني. وقال في تغريدة "صواريخ حماس تتطلب أكثر من تفجير التلال الرملية والمواقع الفارغة. حان الوقت لاقتلاع الرؤوس في غزة. يجب ألا نحيد عن معادلة تتطلب رداً جاداً على كل صاروخ".

وبالتالي يمكن القول إن جميع الجهود التي قادتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الحلفاء الإقليميين مصر والأردن بهدف تهدئة الأوضاع في فلسطين قد أصبحت في مهب الريح على الأرجح.

إذ أصدرت الأردن ومصر، اللتان عقدتا اجتماعين في العقبة وشرم والشيخ في إطار الجهود الأمريكية للتهدئة، بيانين منفصلين أدانتا فيه بشدة الاقتحام. فيما قالت السعودية، التي تأمل إسرائيل في إقامة علاقات معها، إن "الاقتحام السافر" للمسجد الأقصى يقوض جهود السلام.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان: "إن هذه الاعتداءات والاقتحامات تندرج في إطار قرار إسرائيلي رسمي لتكريس التقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك ريثما يتم تقسيمه مكانياً، وضمن عمليات أسرلة وتهويد القدس وفرض السيطرة عليها وتفريغها من المواطنين الفلسطينيين".

الخلاصة هنا هي أن جميع المؤشرات ترجح سعي حكومة نتنياهو إلى تفجير الموقف مع الفلسطينيين من خلال استمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى والمصلين فيه من جانب المستوطنين في حماية شرطة الاحتلال ومن جانب الشرطة نفسها، لكن إذا كان إشعال الحريق ممكناً، فمن يضمن الطريقة التي قد ينطفئ بها؟