الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

العراق.. حكومة السوداني تحديات وتوازنات حرجة في التعيينات


النهار الاخبارية - وكالات 

لا يزال الوقت مبكرا للحكم بيقين على جدية حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مواجهة عدد من الملفات المستعصية التي تصدت لها حكومات سابقة في الأسابيع الأولى من توليها السلطة قبل ان تصطدم بممانعة القوى المتنفذة.

ووضعت تلك الملفات الحكومات مثل حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بين خياري الصدام مع القوى المتنفذة في الأسابيع الأولى من حكمه، أو التراجع والاستسلام لإرادتها في ما تبقى من فترة حكمه التي امتدت لنحو عامين ونصف.

وبسبب أن حكومة السوداني في حقيقتها هي حكومة تمثل "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى شيعية متعددة، ويمثل أجنحة سياسية لفصائل مسلحة حليفة لإيران، فان السوداني لن يكون بعيدا عن تأثير قوة ونفوذ قادة الفصائل المسلحة عبر تعيين عدد من قياداتهم في مراكز قرار مؤسسات الدولة العراقية.

ومن تلك القيادات وزير العمل أحمد الأسدي قائد كتائب "جند الإمام"، ونعيم العبودي وزير التعليم العالي وهو قيادي في حركة "عصائب أهل الحق"، وكلا الفصيلان ممثلان في الإطار التنسيقي ومن حلفاء إيران أيضا.

وتشير تعيينات السوداني واختياره عددا من وزراء المكون الشيعي إلى حضور واضح في حكومته للفصائل المسلحة ضمن تشكيلات "الحشد الشعبي" وبالذات تلك الحليفة لإيران.

وأثارت التعيينات الجديدة وحملة الإقالات والإعفاءات المزيد من اهتمام الأوساط السياسية المحلية وحظيت بتأييد واضح من الأمم المتحدة ومن أطراف دولية مهتمة بالملف العراقي.

وتعتقد تلك الأطراف أن هذه الإجراءات تندرج في سياق الإصلاحات الجذرية ومكافحة الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة ويحول دون تمتع العراقيين بثرواتهم التي باتت نهبا للكيانات السياسية التي تحكم البلاد منذ نحو عشرين عاما.

واستند السوداني في ذلك إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا (121) لعام 2022، الذي نص على أن حكومة تصريف الأمور اليومية، أي الحكومة السابقة ليست لديها الصلاحية في إصدار أوامر التعيين وإعطاء الموافقات والاتفاقات، وبقية الصلاحيات التي هي صلاحيات حصرية لحكومة دائمة.

وجاء في المنهاج الوزاري (برنامج الحكومة) الذي تقدم به السوداني إلى مجلس النواب العمل على إعادة النظر بالقرارات التي اتخذتها حكومة الكاظمي ومراجعتها.

واتخذت حكومة السوداني في الجلسة الاعتيادية الثانية التي عقدت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري قرارا قضى بإلغاء "جميع الأوامر الديوانية والموافقات الصادرة من الحكومة السابقة (حكومة الكاظمي) بشأن تعيين وتكليف رؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم ومن يتقاضى رواتبهم بدءا من 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021".

وتولت لجنة يرأسها مدير مكتب رئيس الوزراء إحسان العوادي إعادة النظر في الأوامر الديوانية والموافقات الملغاة وشاغليها، وتقديم التوصيات الملائمة خلال مدة 21 يوم عمل، حداً أقصى إلى رئيس مجلس الوزراء للبت فيها، حسب بيان صادر عن مجلس الوزراء.

ويؤكد السوداني أن حكومته لن تعتمد سياسة الإقصاء لموظفين أو مسؤولين مدنيين أو أمنيين أو عسكريين، لكنه ملتزم بقرارات القضاء العراقي ومواد دستور الجمهورية.

وكأي رئيس حكومة جديد عمل السوداني على تعيين المقربين منه سواء لصلات حزبية أو عشائرية أو وفق اقتسام السلطة بين الكيانات السياسية.

وأقصى السوداني كبار مسؤولي مكتب سلفه واستبدلهم بتعيين إحسان العوادي مديرا لمكتبه وربيع نادر مديرا للمكتب الإعلامي وعلي شمران مديرا لقسم المراسم في رئاسة الوزراء وعبد الكريم السوداني سكرتيرا عسكريا وعلي الأميري سكرتيرا شخصيا لرئيس الوزراء.

كما شملت الإقالات استبدال رئيس جهاز الأمن الوطني حميد الشطري الذي أناط مسؤوليته مؤقتا إلى وزير الداخلية الجديد عبد الأمير الشمري، وعزل مشرق عباس من منصب المستشار السياسي لرئيس الوزراء وتعيين الإعلامي في قناة "العهد" المملوكة لحركة "عصائب أهل الحق" ربيع نادر مديرا لمكتبه الإعلامي.

كما أقال السوداني أمين العاصمة بغداد عمار موسى، وقائد الفرقة الخاصة لحماية المنطقة الخضراء الفريق الركن حامد مهدي الزهيري، وكذلك إعفاء الوكيلين في وزارة الخارجية صفية السهيل، وعمر البرزنجي وعدد آخر من كبار موظفي الدولة.

ولم تشمل قرارات الاستبدال إقصاء مسؤولين من "التيار الصدري" الذي استقال نوابه من البرلمان ولم يشارك في الحكومة من مواقع المسؤولية في المناصب السيادية، إلا في حالات نادرة مثل محافظ ميسان، لكنها شملت مقربين من التيار مثل رائد جوحي رئيس جهاز المخابرات الذي يتولى الآن السوداني شخصيا رئاسة الجهاز بشكل مؤقت.

و"للتيار الصدري" نفوذ واسع في معظم مؤسسات الدولة عبر نحو 300 درجة وظيفية ضمن تصنيف "الدرجات الخاصة" التي تشمل وزراء ووكلاء وزراء وسفراء ورؤساء مؤسسات سيادية وأجهزة أمنية وهيئات مستقلة ومحافظون وغير ذلك.

ويُعد منصب مدير عام أمانة مجلس الوزراء من بين أهم المناصب في السلطة التنفيذية، وهو منصب سيادي يشغله القيادي في "التيار الصدري" حميد العزي الذي لا يزال يتمتع بصلاحيات واسعة.

ولا يُعتقد أن السوداني سيعمل على استبدال العزي في المرحلة الراهنة تجنبا لاستفزاز "التيار الصدري"، لكن ذلك لا يمنع من إقدامه على اتخاذ سلسلة من الإجراءات الجديدة وتعيين المزيد من المسؤولين من غير المحسوبين على التيار أو المقربين منه.

سيكون من شأن مثل تلك الإجراءات والقرارات الإبقاء على أعضاء وقيادات "التيار الصدري" في مواقع المسؤولية في الدرجات الوظيفية الخاصة مع تعيين مسؤولين جدد بصلاحيات أوسع تسهم بتحجيم تدريجي لنفوذ وسلطات المسؤولين الصدريين لتجنب إقالتهم أو استبدالهم.

وسيواجه السوداني تحدي ممارسة السلطة وفق ما يحفظ سيادة الدولة واستقلال قرار مؤسساتها الأمنية والعسكرية والحد من السلاح المنفلت خارج سلطة الدولة، بما فيه سلاح الأجنحة العسكرية "للتيار الصدري" التي هي الأخرى لا تتلقى أوامرها من القائد العام للقوات المسلحة.

سيكون على السوداني الموازنة بين التفاهمات أو الاتفاقيات غير المعلنة مع رؤساء الكتل السياسية العربية السنية والكردية أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة، وتنفيذ سياسات الإطار التنسيقي التي ظل السوداني يشكل جزءا أصيلا من صناعتها خلال العقدين الماضيين ولاعبا فاعلا في بيئة القوى المقربة من إيران أو الحليفة لها.

كما سيكون عليه الموازنة بين الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي وإبعاد العراق عن الفوضى والاقتتال الداخلي مع الأجنحة العسكرية "للتيار الصدري" من جهة، ومن جهة أخرى عدم استفزاز التيار بقرارات من شأنها أن تدفع رئيسه مقتدى الصدر تجاه اللجوء إلى خيار الشارع واستخدام القوة مرة أخرى لفرض أمر واقع.