النهارالاخباريه قسم التحليل - احمد صلاح عثمان - لندن
أثار الحديث عن اعتراف إسرائيلي محتمل بـ«أرض الصومال» (صوماليا لاند) موجة واسعة من الرفض الإقليمي والدولي، خاصة من الدول العربية وتركيا والصومال نفسها. غير أن خطورة الخطوة لا تكمن فقط في مساسها بوحدة دولة أفريقية ذات سيادة، بل في الدلالات الجيوسياسية والأمنية العميقة التي تحملها، وفي الاشتباه باستخدامها كأداة ضمن مشاريع إعادة هندسة القضية الفلسطينية ديموغرافيًا وسياسيًا.
هذا التقرير يحاول تفكيك خلفيات هذا التحرك الإسرائيلي، وأبعاده الحقيقية، ومدى ارتباطه بملف تهجير الفلسطينيين، وانعكاساته على الأمن الإقليمي والدولي.
أولًا: خلفية القرار الإسرائيلي
رغم عدم صدور إعلان دبلوماسي إسرائيلي رسمي مكتمل الأركان حتى الآن، فإن تسريبات وتقارير إعلامية متطابقة أشارت إلى:وجود اتصالات إسرائيلية مع سلطات أرض الصومال بحث صيغ تعاون أمني وبحري تداول أفكار تتعلق بـ الاعتراف مقابل الدعم السياسي والاقتصادي وقد قوبلت هذه التحركات برفض صريح من الحكومة الصوماليةمصر والسعودية وتركياأطراف دولية فاعلة تخشى المساس بمبدأ وحدة الدول.
ثانيًا: الأهداف الإسرائيلية الحقيقية
السيطرة غير المباشرة على الممرات البحرية
يمثل القرن الأفريقي، وتحديدًا السواحل المطلة على:
خليج عدن مضيق باب المندب أحد أكثر المواقع حساسية في العالم من حيث:
•أمن الطاقة
•التجارة الدولية
•الصراع على النفوذ بين القوى الكبرى
وتسعى إسرائيل منذ سنوات إلى:
•توسيع نطاق أمنها القومي خارج حدودها المباشرة
•إيجاد موطئ قدم استخباراتي وعسكري قرب باب المندب
•موازنة النفوذ الإيراني والصيني في البحر الأحمر
تفكيك مبدأ سيادة الدول
الاعتراف بكيانات انفصالية غير معترف بها دوليًا:
•يشكل سابقة خطيرة في النظام الدولي
•يفتح الباب أمام تفكك الدول الهشة
•يهدد الاستقرار في أفريقيا والشرق الأوسط
وهو ما يفسر:
•الرفض الصيني القاطع
•التخوف من إعادة رسم موازين القوى في البحر الأحمر
ثالثًا: ملف توطين الفلسطينيين… بين الواقع والتهويل
هل المشروع قابل للتنفيذ؟
من الناحية العملية:
•لا تمتلك أرض الصومال القدرة الاقتصادية أو الأمنية لاستيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين
•يواجه المشروع رفضًا صوماليًا رسميًا وشعبيًا
•يصطدم برفض عربي وإقليمي واسع
•يرفضه الفلسطينيون باعتباره شكلًا من أشكال التهجير القسري
وعليه، فإن التوطين الشامل يبدو غير واقعي في المدى المنظور.
2. لماذا يُطرح إذن؟
الخطورة لا تكمن في التنفيذ، بل في الفكرة ذاتها.
إسرائيل تستخدم هذا الطرح من أجل:
•تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى أزمة لاجئين
•تفريغ مفهوم الدولة الفلسطينية من محتواه
•تسويق الفلسطينيين كـ«عبء إنساني» قابل لإعادة التوزيع جغرافيًا
وهذا ما التقطته الخارجية الصومالية بوضوح حين أكدت:
لن نقبل أبداً بجعل الشعب الفلسطيني بلا دولة
رابعًا: هل يشكّل ذلك تهديدًا للهوية الفلسطينية؟
الهوية الفلسطينية:
•متجذرة تاريخيًا وثقافيًا
•عصيّة على المحو
لكن الخطر الحقيقي يتمثل في:
•محو البعد السياسي للهوية
•ضرب حق العودة
•تكريس فكرة «الوطن البديل» بأشكال جديدة
بمعنى آخر:
المشروع لا يستهدف هوية الفلسطيني كإنسان
بل يستهدفه كشعب صاحب حق سياسي على أرضه
خامسًا: البعد الدولي – الموقف الصيني نموذجًا
ترى الصين في هذا المسار:
•تهديدًا مباشرًا لمصالحها البحرية
•سابقة يمكن أن تُستخدم ضدها في ملفات انفصالية
•عامل زعزعة للاستقرار في أحد أهم شرايين التجارة العالمية
لذلك، فإن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه:
•سيصطدم بجدار دولي صلب
•ولن يبقى في إطار صراع عربي–إسرائيلي فقط
خاتمة
إن الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»، سواء اكتمل أم بقي في إطار المناورات السياسية، لا يمكن فصله عن:
•الصراع على النفوذ في البحر الأحمر
•محاولات إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة
•السعي المستمر لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها السيادي
لكن في المقابل، فإن:
•الرفض الإقليمي
•الموقف الصومالي الصريح
•الوعي الدولي المتزايد
يجعل من تحويل هذه السيناريوهات إلى واقع مهمة شديدة التعقيد، إن لم تكن مستحيلة.