قسم التلحيل – احمد صلاح عثمان - لندن
تبدو أوروبا اليوم وكأنها تقف على حافة مرحلة أمنية أكثر تعقيداً مما واجهته خلال العقدين الماضيين.
فبين تداعيات حرب غزة، وتصاعد الخطاب المتطرف في معاداة السامية، وتنامي الهجرة غير النظامية عبر البوابة الشمالية الإفريقية، تتشكل بيئة خصبة لظهور موجة جديدة من الهجمات الفردية التي ينفذها فاعلون متطرفون يعملون خارج أي هيكل تنظيمي واضح.
ورغم نجاح وحدات حماية الحدود الأوروبية في إحباط عدد كبير من محاولات التسلل والعمليات المحتملة، إلا أن طبيعة التهديد نفسها تتغير، ما يجعل الخطر قائماً ومفتوحاً على احتمالات متعددة.
في هذا السياق، تبرز فرضية أمنية متنامية تشير إلى أن "الجيل الثالث أو الرابع" من الذئاب المنفردة بات أكثر قدرة على التكيّف مع الرقابة الأمنية، وأكثر انسجاماً مع نمط اللامركزية الذي يميّز الصراعات الحديثة.
هؤلاء الأفراد لا يتحركون وفق أوامر مركزية، ولا يرتبطون تنظيمياً ببنية هرمية، بل يتغذون على أيديولوجيا عابرة للحدود، وعلى سرديات صراع تتداخل فيها مشاهد غزة مع خطاب الكراهية، ومع روايات تتعلق بالهيمنة الجيوسياسية والصراع الروسي–الغربي هذا الخليط يخلق حالة من "التطرف الشبكي" الذي لا يحتاج إلى تنظيم بل إلى فكرة وصورة وشرارة تشهد أوروبا في السنوات الأخيرة ارتفاعاً في مستويات التوتر الاجتماعي والسياسي، مدفوعاً بعوامل متداخلة :
احتجاجات مرتبطة بحرب غزة صاعد خطاب معاداة السامية وخطابات الكراهية المضادة استقطاب سياسي حاد حول قضايا الهوية والهجرة تأثيرات الحرب الروسية–الأوكرانية على الأمن القاري هذه البيئة تُعدّ أرضاً خصبة لظهور فاعلين متطرفين يتصرفون بدوافع شخصية–أيديولوجية، بعيداً عن أي تنظيم مركزي.
رغم أن الغالبية الساحقة من المهاجرين غير النظاميين ضحايا ظروف اقتصادية أو نزاعات، إلا أن:
البوابة الشمالية الإفريقية أصبحت مساراً تستخدمه مجموعات إجرامية وشبكات تهريب.
بعض الفاعلين المتطرفين قد يستغلون هذا المسار للدخول إلى أوروبا دون بصمة أمنية واضحة.
وحدات حماية الحدود الأوروبية أحبطت بالفعل عدداً من المحاولات، لكن التهديد لا يُلغى بالكامل لأن:
الذئاب المنفردة لا تحتاج إلى شبكة لوجستية كبيرة يكفي فرد واحد يحمل دافعاً أيديولوجياً وقدرة على تنفيذ هجوم منخفض التكلفة.
الجيل الجديد من الذئاب المنفردة يتميز بـ:
لامركزية كاملة: لا أوامر، لا قيادة لا تمويل منظم.
تطرف رقمي: يت radicalize عبر الإنترنت، غرف مغلقة، محتوى بصري مكثف.
دوافع مركبة: خليط من الغضب، الشعور بالمظلومية، والرغبة في "الانتقام الرمزي".
تكتيكات بدائية: أسلحة بسيطة، عبوات بدائية، أهداف مدنية مفتوحة.
قابلية عالية للتكرار: لأن العملية لا تحتاج إلى تخطيط معقد.
بعض الفاعلين المتطرفين يتبنون سرديات تتقاطع مع:
فكرة "إضعاف أوروبا". استغلال الانقسام الداخلي الأوروبي. تصوير القارة كـ"ساحة صراع" بين قوى كبرى هذه السرديات لا تعني ارتباطاً مباشراً بجهات دولية، لكنها تُستخدم كوقود نفسي–أيديولوجي لدى بعض الأفراد.
وحدات حماية الحدود الأوروبية وأجهزة الأمن الداخلي: أحبطت عمليات تسلل كشفت خلايا صغيرة. منعت هجمات قبل وقوعها. لكن التحدي الحقيقي يكمن في: التهديد الفردي غير المرتبط بشبكة. التحول السريع من التطرف إلى التنفيذ. صعوبة رصد النوايا الفردية قبل أن تتحول إلى فعل.
ما تواجهه أوروبا اليوم ليس موجة إرهاب تقليدية، بل نمطاً جديداً من العنف المؤدلج، منخفض التكلفة، عالي التأثير، ينفذه أفراد يتحركون خارج الرادار الأمني، ويتغذون على خليط من الأزمات الدولية، والصراعات الإقليمية، وخطابات الكراهية العابرة للحدود. ورغم الجهود الأمنية الكبيرة، فإن طبيعة التهديد نفسها تتغير، ما يجعل المرحلة المقبلة مفتوحة على احتمالات تتطلب فهماً أعمق، واستراتيجيات أكثر مرونة، ورصداً دقيقاً للتحولات النفسية–الأيديولوجية لدى الفاعلين المحتملين.