الجمعة 12 أيلول 2025

أميركا ليست أداة بيد إسرائيل

قدّم أستاذ العلوم السياسية في جامعة موري ستايت، إحسان الخطيب، قراءة معمقة خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية. فهو يرى أن هناك "تخبطاً في الإشارات التي يرسلها البيت الأبيض"، لكن العلاقة الأميركية–القطرية تبقى راسخة، إذ تعتبر واشنطن الدوحة حليفاً استراتيجياً لا غنى عنه، ليس فقط بسبب قاعدة العديد، بل أيضاً بحكم دورها في ملفات الوساطة الإقليمية.
ويضيف الخطيب أن أميركا "لا تعمل عند إسرائيل، ولا إسرائيل تعمل عند أميركا"، فلكل طرف مصالحه الخاصة. ورغم وجود تنسيق وثيق بينهما، إلا أن واشنطن وتل أبيب لا تجلسان على "صف واحد"، وهو ما يفسر اختلاف الرؤى بين ترامب ونتنياهو.
الإدارة الأميركية –بحسب الخطيب– ليست راضية عن توسيع إسرائيل للحرب، لكن اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن يقيّد قدرة ترامب على ممارسة ضغوط جدية. وهو ما يجعل الموقف الأميركي أقرب إلى إدارة الأزمات لا حلها.
إسرائيل الجديدة.. مشروع حرب لا يتوقف
الخطيب يشير إلى أن "إسرائيل اليوم مختلفة"، فالحكومة الحالية في تل أبيب، برأيه، تحمل مشروع حرب طويل الأمد لا يعبأ بتوسيع رقعة المواجهة، سواء باستهداف قطر أو تركيا أو غيرهما. وهو ما يضع أميركا في موقف محرج، إذ تبدو مضطرة للدفاع عن حليف متمرد لا يتردد في تحديها.
ويرى الخطيب أن مشروع الحكومة الإسرائيلية يتجاوز "حماس" أو غزة، إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية توسعية تقوم على الطرد والتغيير الديمغرافي. لكنه يشدد على أن هذا الطموح "غير واقعي" في ظل وجود قوى كبرى وفاعلة في المنطقة مثل مصر والسعودية وتركيا.
اللوبي اليهودي ومأزق ترامب
التحليل الذي قدمه الخطيب يبرز معضلة ترامب: فهو غير راضٍ عن سياسات نتنياهو، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل بسبب نفوذ اللوبي اليهودي في أميركا وقوة التيار الداعم لإسرائيل داخل الكونغرس والإعلام.
هذا المأزق يجعل أي محاولة من ترامب لتأطير العلاقة مع نتنياهو مغامرة سياسية مكلفة، خصوصاً في عام انتخابي. وبالتالي، يكتفي البيت الأبيض بإرسال رسائل "استياء" دون أن يذهب أبعد في فرض قيود أو عقوبات.
صراع المشاريع: إيران وإسرائيل
في نهاية الحوار، لفت الخطيب إلى أن مأزق المنطقة لا يقتصر على الخلاف الأميركي–الإسرائيلي، بل يتمثل في وجود مشروعين إمبراطوريين متنافسين: إيران وإسرائيل. فكلاهما يسعى إلى الهيمنة على المنطقة استناداً إلى مبررات تاريخية وأيديولوجية.
لكن الفرق –كما يوضح– أن إسرائيل لا تستطيع الاستمرار من دون الدعم الأميركي غير المحدود، في حين أن إيران دولة كبيرة قادرة على الاعتماد على مواردها الذاتية. وهنا يكمن الخطر: دولتان لا تتصرفان كدول طبيعية، بل كقوى غير عقلانية تدفع المنطقة نحو مزيد من التوترات.
رغم كل ذلك، تبقى قطر لاعباً أساسياً في هذه المعادلة. فهي من جهة تستضيف أكبر قاعدة أميركية في المنطقة، ومن جهة أخرى تجد نفسها تحت تهديد مباشر من إسرائيل.
التناقض الأميركي–الإسرائيلي في التعامل مع الدوحة يعكس حدود النفوذ الأميركي، ويطرح تساؤلاً بشأن قدرة واشنطن على حماية حلفائها إذا ما قررت تل أبيب المضي قدماً في مشروعها التوسعي.
تحالف على المحك
الهجوم على الدوحة لم يكشف فقط عن فجوة في الرؤى بين واشنطن وتل أبيب، بل أيضاً عن مأزق استراتيجي أعمق: الولايات المتحدة تريد الحفاظ على استقرار نسبي يضمن مصالحها النفطية والأمنية في الخليج، بينما تسعى إسرائيل إلى إعادة تشكيل الإقليم وفق أجندة صدامية.
وبين هذين المسارين، تجد قطر نفسها ساحة اختبار لهذا التحالف. فإذا كان ترامب قد وصف الهجوم بأنه "غير حكيم"، فإن نتنياهو يعتبره ورقة ضغط لا غنى عنها.
أما الحقيقة، فهي أن الشرق الأوسط يدفع ثمن مشاريع إمبراطورية متضاربة، وأن واشنطن، مهما حاولت الموازنة، قد تجد نفسها عاجزة عن منع حليفها الإسرائيلي من جرّها إلى معارك لم تخترها.