النهار الاخباريه وكالات
وساطة عربية في أزمة أوكرانيا".. كان هذا العرض الذي قدمته مجموعة الاتصال العربية بشأن أوكرانيا خلال لقاءين منفصلين مع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا في موسكو ووارسو، فإلى أي مدى يمكن أن ينجح اقتراح الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا؟
ضم وفد مجموعة الاتصال العربية وزراء خارجية الجزائر (رئيساً) ومصر والأردن والعراق والسودان، وهي الدول الأعضاء بمجموعة الاتصال العربية بشأن أوكرانيا التي شكلتها الجامعة العربية في اجتماع لمجلس الجامعة، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
وقال وزير خارجية مصر سامح شكري في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف في موسكو والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أمس إن الوفد العربي عرض التوسط في محادثات وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والعمل على عدد من إجراءات بناء الثقة.
وأضاف أن الوفد تحدث أيضاً مع لافروف حول ضرورة ضمان خروج آمن للمواطنين العرب من مناطق الصراع وتخفيف تداعيات الصراع على الدول الخارجية المتأثرة بالأزمة.
الدول العربية تأثرت بشدة من الأزمة الأوكرانية
وتأثرت الدول العربية بشدة بالأزمة الأوكرانية، جراء ارتفاع أسعار الحبوب، حيث تعد الدول العربية من أكبر الدول استيراداً لها، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والذي يعد مشكلة بالنسبة للدول العربية غير النفطية، رغم أنه نعمة للدول العربية النفطية.
وكان لافتاً أن سامح شكري وزير الخارجية المصري والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط شاركا في المؤتمر الصحفي المشترك مع لافروف في موسكو، بينما مثل العرب في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا، وزير خارجية الجزائر رمطان لعمامرة رئيس مجموعة الاتصال العربية والذي ستستضيف بلاده القمة العربية القادمة.
وقال وزير الخارجية شكري إن الضغط العربي من أجل السلام جاء نتيجة ضغوط الحرب على أسواق الغذاء والطاقة العالمية. وقال: "تنبع جهودنا من وعينا بخطورة الأزمة في أوكرانيا وانعكاساتها السلبية على مختلف المستويات الاقتصادية، مثل الطاقة العالمية والأمن الغذائي العالمي".
وقال: "روسيا وأوكرانيا من أكبر أصدقائنا، ونود أن يظل الأمر على هذا النحو. يقوم البلدان معاً بتزويد الجزء الأكبر من القمح المستورد لدينا وهما من الأسواق الرئيسية للسياحة الوافدة".
وتضررت مصر بشكل خاصة من الأزمة الأوكرانية، في ظل أنها أكبر مستورد للقمح في العالم.
كما أن مصر تعتمد على السائحين الروس والأوكرانيين في الحصول على العملة الصعبة، وأدت تداعيات الأزمة الأوكرانية، إلى هروب مستثمري الأموال الساخنة من القاهرة، مما أدى إلى تراجع الجنيه، وسط سعي القاهرة للحصول على قرض من صندوق النقد.
وتسهل روسيا على مواطنيها السفر إلى مصر وغيرها من الدول التي تصفها بـ"الصديقة".. وسترفع البلاد جميع القيود المفروضة على الرحلات الجوية إلى 52 "دولة صديقة" بما في ذلك مصر اعتباراً من يوم السبت، حسبما أفادت وكالة الأنباء الرسمية تاس نقلاً عن رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين. وأدرجت في القائمة أيضاً الجزائر والبحرين والأردن والعراق والكويت ولبنان.
وأوضح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الآثار السلبية للحرب الأوكرانية على اقتصادات الدول العربية، بما في ذلك تعطيل واردات القمح وارتفاع أسعار الطاقة، لكنه قال إن قلق الوفد يتجاوز مصالح الدول العربية.
وأضاف: "لكننا لا ننظر إلى الأمر من منظور عربي فقط بل نرى ضرورة الدفاع عن السلام والاستقرار في العالم".
وعقب اللقاء مع الوزير الروسي توجه الوزراء العرب الأعضاء في مجموعة الاتصال العربية بشأن أزمة أوكرانيا إلى بولند، حيث عقدوا محادثات مع وزير خارجية أوكرانيا ركزت على الجهود المبذولة للتوصل لحل سلمي للأزمة.
وأكدت المجموعة خلال اللقاء ضرورة وقف إطلاق النار وإنهاء الأزمة على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية.
وعبر الوفد العربي عن القلق من امتداد أمد الأزمة وتبعاتها الإنسانية والسياسية والأمنية والاقتصادية.
وبحث الوفد العربي كذلك مع وزير الخارجية الأوكراني الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار والتوصل لاتفاق لحل الأزمة واستعادة السلم والأمن.
وأكد الوفد دعمه لمسار المفاوضات المباشرة بين الجانبين الروسي والأوكراني، واستعداده لإسناد هذا المسار بهدف التوصل إلى وقف العمليات العسكرية، تمهيداً لحل سياسي مستدام للأزمة على الأسس التي تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وتحفظ سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية والمصالح المشروعة للطرفين.
وأكد الوفد العربي أنه يضطلع بهذا الجهد في ضوء علاقات العالم العربي المتميزة مع روسيا وأوكرانيا، وحرصاً على الأمن والسلام.
وقد استمع الوفد من وزير خارجية أوكرانيا إلى استعراض لنتائج المحادثات الجارية لتحقيق اتفاق أوكراني-روسي والموقف الأوكراني خلالها، حسب بيان صدر من الجامعة العربية.
وأكد الوزراء العرب أهمية استمرار التنسيق للحفاظ على سلامة الجاليات العربية الموجودة حالياً في أوكرانيا، وتسهيل عبور من يرغب منهم بالمغادرة إلى الدول المجاورة.
وكان الوفد العربي قد اجتمع بوزير الخارجية البولندي فور وصوله إلى وارسو، حيث شكره الوفد على تسهيل مهمته لقاء الوزير الأوكراني في بلاده، وكذلك على الإجراءات البولندية لتسهيل عبور المواطنين العرب الذين يغادرون أوكرانيا عبر بولندا.
كما بحث الوفد مع الوزير البولندي جهود حل الأزمة الأوكرانية وانعكاساتها، والعلاقات العربية البولندية.
وأكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة رئيس الوفد العربي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الأوكراني، أن اللقاءات مع الجانبين الروسي والأوكراني مكَّنت مجموعة الاتصال العربية، من الإلمام بشكل دقيق بتطور الأوضاع والاطلاع بوضوح على مواقف وآراء طرفي النزاع، كما رسخت قناعة أنه لا بديل عن الحل السياسي للأزمة.
وعزا الوزير الأوكراني عائلة الطالب الجزائري المرحوم محمد عبد المنعم طالبي الذي توفي في الحرب الأوكرانية.
دول عظمى تهرب من الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
والوساطة العربية في أزمة أوكرانيا التي اقترحها الوفد العربي مهمة صعبة تتهرب منها دول كبرى مثل الصين، والتي سبقت أن تجاهلت طلباً واضحاً من أوروبا للتوسط في الأزمة.
وقد يكون عرض الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا من باب إظهار الاهتمام الدبلوماسي بالأزمة، أكثر منه عرضاً محدد التفاصيل.
وتوسطت إسرائيل وتركيا في الأزمة، بينما لا يمكن اعتبار محادثات بيلاروسيا بين روسيا وأوكرانيا، وساطة بالمعنى التقليدي في ظل نظر الغرب لـ"مينسك" على أنها حليف وثيق لموسكو حتى لو لم تشارك بشكل مباشر في الحرب.
ما الفارق بين الوساطة العربية والتركية؟
في الوقت الحالي المسار الوحيد النشط للوساطة هو تركيا التي استضافت عدة اجتماعات شملت لقاءً بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا.
ورغم أن تركيا تشترك مع العديد من الدول العربية مثل مصر في أنها من أكثر الدول تأثراً بالأزمة في ظل صلاتها الاقتصادية الوثيقة مع روسيا وأوكرانيا، إلا أن تركيا أقرب للبلدين، فهي تتشارك معهما في حوض البحر الأسود، وهي تاريخياً وجغرافيا على صلة بمنطقة القرم وشرق أوروبا عامة، التي كانت من مناطق نفوذ الدولة العثمانية.
كما أن طبيعة العلاقة بين تركيا والبلدين مختلفة، فالدول العربية وثقت علاقتها بروسيا في السنوات الماضية، لأسباب تبدو أيدويلوجية، حيث إن كثيراً من صناع القرار العرب معجبون بنمط حكم بوتين الاستبدادي، ويرونه أفضل لهم بعد تزايد مطالبات الغرب في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن في الوقت ذاته مصالح الدول العربية مع الغرب أهم بكثير من مصالحها مع روسيا، (باستثناء الجزائر) وقد يكون ذلك سبباً لانصياع الدول الغربية في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما علاقة تركيا بروسيا فمختلفة، فالبلدان غريمان تاريخيان، وهناك اختلاف أيديولوجي بين نظام بوتين الاستبدادي المعادي للإسلام السياسي، وبين حكومة حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية المنتخبة ديمقراطياً.
ولكن روسيا وتركيا طورتا علاقة غريبة منذ الحرب السورية، تقوم على ما يمكن تسميته، "تنسيق أو تفاهم الغرماء"، بهدف تأمين مصالحهما، في مواجهة ما تعتبرانه تجاهلاً غربياً لهما، وأدى هذا التنسيق إلى تسويات للأزمات التي يتصارع فيها حلفاء البلدين في القوقاز وليبيا وسوريا، مع علاقة اقتصادية وثيقة.
كما أن روسيا شريك مهم لتركيا في مجال تصدير النفط والغاز والمفاعلات النووية، وسوق لمنتجاتها، وساحة مفضلة للسياح الروس.
ولكن تركيا على عكس الدول العربية ترى في أوكرانيا شريكاً مهماً، لكن الدول العربية تنظر لكييف من منظور إرضاء الغرب، إضافة لأهميتها في مجال زراعة الحبوب.
ولكن بالنسبة لتركيا أوكرانيا مهمة في حد ذاتها، فتركيا تعتبر استقلال أوكرانيا وقوتها مهماً لتوازن القوى في أوروبا الشرقية والبحر الأسود، في مواجهة القوة الروسية.
كما أن أوكرانيا شريك استراتيجي شديد الأهمية لأنقرة في مجال الصناعات العسكرية، حيث ترى تركيا في كييف شريكاً لا غنى عنه في مجال محركات الطائرات والدبابات، والأقمار الصناعية، وهي المجالات التي تنقص الصناعات العسكرية التركية، بينما تعتبر أوكرانيا تركيا شريكاً ومزوداً مهماً في مجالات أخرى بالصناعات العسكرية، خاصة في مجال الطائرات المسيرة، حيث لعبت طائرات بيرقدار التركية دوراً مهماً في المقاومة الأوكرانية للغزو الروسي.
كما أن أنقرة شريك مفيد لكييف في مجال صناعات صواريخ الكروز والسفن الحربية وهي المجالات التي تعاني فيها أوكرانيا نقصاً شديداً.
وبالتالي قرب تركيا من البلدين تاريخياً وجغرافياً، وحاجتها الاقتصادية للنفط الروسي والشراكة مع موسكو في المجالات الاقتصادية، والفنية وآخرها المفاعلات النووية، وحاجتها لدور أوكرانيا في الوقت ذاته في موازنة القوة الروسية في المنطقة
والقدرات التكنولوجية الأوكرانية في المجال العسكري، تجعلها واحدة من أكثر بلدان العالم رغبة في إنهاء الأزمة.
فرص نجاح الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا
في المقابل، قد تنظر أوكرانيا تحديداً بقدر من الشك لمواقف بعض الدول العربية المترددة في إدانة الغزو الروسي، علماً بأن هذا التردد ليس نابعاً فقط من مصالح اقتصادية تربط الدول العربية بروسيا بل بتعاطف أيديولوجي مع نموذج بوتين الاستبدادي وميوله العسكرية.
ولكن الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا، يمكن أن تكتسب بعض الزخم من كونها تنطلق من منظمة دولية مرموقة كالجامعة العربية، كما أن الوفد العربي يضم دولاً لديها تاريخ في العمل الدبلوماسي والوساطة مثل مصر والجزائر التي ترأس وزير خارجيتها رمطان لعمامرة الوفد، وهو دبلوماسي مرموق معروف عنه جهوده في الوساطة في عدد من الأزمات خاصة في إفريقيا حينما كان رئيساً لمجلس السلم والأمن الإفريقي.
ولكن بعد المسافة الجغرافية وما يترتب على ذلك من نقص في فهم تفاصيل الصراع، يمثل عائقاً أمام الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا، ولكن زيارة الوفد، وعرضه الوساطة حتى لو لم يؤد إلى إطلاق وساطة حقيقية فإنه يمثل مخرجاً جيداً للدول العربية المتهمة من الغرب بالتعاطف الخفي مع روسيا.
كما أن هذه المبادرة وإن كانت قد تأخرت فإنها يمكن إلى جانب إعطائها صيتاً دبلوماسياً إيجابياً للجامعة العربية فإنها يمكن أن تساعد أيضاً على دفع الدولتين المتصارعتين لمراعاة مصالح الدول العربية وفي مقدمتها مشكلات تصدير القمح في ظل الحرب ووضع الجاليات العربية في أوكرانيا (رغم أن أغلبهم قد خرج من البلاد على الأرجح).
قد يكون عرض الوساطة العربية في أزمة أوكرانيا، في حد ذاته عملاً إيجابياً يعطي انطباعاً بدور ذي طابع دولي للدبلوماسية العربية، ولكن قد يكون هذا العرض جاء متأخراً قليلاً، ولكن يظل أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي على الإطلاق.