الأحد 24 تشرين الثاني 2024

نافذة فرص أمام الحوار الإيراني الخليجي


على مدى أشهر، تواصلت المفاوضات بشأن شروط النسخة الثانية من خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني. ومع ذلك، فشلت هذه المحادثات حتى الآن في تحقيق أي تقدم. وتأتي المفاوضات مع إيران كجزء من انسحاب أوسع من المنطقة تقوم به واشنطن على المستويين العسكري والسياسي.
وتتماشى المحادثات مع إيران مع التحول الأوسع للرئيس الأمريكي "جو بايدن" بعيدا عن الشرق الأوسط، حيث تعطي واشنطن الأولوية لتوظيف مواردها لتلبية الاحتياجات المحلية وللتوتر المتزايد مع الصين. ولا يعني هذا أن واشنطن تنسحب من الشرق الأوسط برمته، لكن من الواضح جدا أنها تهدف إلى تقليص العداء والعودة إلى الحوار مع إيران.
وتعد أحد العوامل الرئيسية التي تمنع إحياء اتفاق 2015 بسرعة هو رغبة الإيرانيين في التأكد من أن خليفة "بايدن" لن ينسحب من الاتفاقية. وأبدى الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ معارضتهم الصريحة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وإذا تم انتخاب أحدهم في عام 2024، فمن المرجح أن ينسحب من الاتفاق الجديد، كما فعل "ترامب" مع الاتفاق الأصلي في مايو/أيار 2018.
ولأن هذه المشكلة ليس لها حل واضح، فلن يتمكن فريق "بايدن" من معالجة المخاوف الإيرانية. في غضون ذلك، أوضحت الولايات المتحدة وفرنسا لطهران أنه لا يمكن الاستمرار في التفاوض إلى ما لانهاية، ما يعني أن واشنطن وباريس قد تنسحبان قريبا من المحادثات كليا وتقبلان انهيار الاتفاق كحقيقة.
المنظور الخليجي
وبالنسبة لدول الخليج، لا يوجد إجماع واضح حول ما إذا كان من الجيد أو السيئ إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. وتوجد آراء متباينة داخل مجلس التعاون الخليجي حول ما سيعنيه إحياء الاتفاق بالنسبة للمنطقة.
وينسجم هذا الاختلاف مع تاريخ مجلس التعاون الخليجي. ولطالما كانت هناك خلافات في السياسة الخارجية للدول الأعضاء، لا سيما فيما يتعلق بإيران.
وخلال الأعوام الـ4 الماضية، كانت السعودية والإمارات والبحرين تأمل في أن تؤدي سياسة "أقصى ضغط" التي تبنتها إدارة "ترامب" إلى انهيار إيران وما يعرف بـ"محور المقاومة". لذلك، ذهبت إلى حد رفض أي عرض للحوار قد يؤدي إلى انفراجة مع طهران. ووصل الأمر إلى حد تهديد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بـ "نقل المعركة إلى داخل إيران".
لكن مع رحيل "ترامب" وقدوم "بايدن"، اختفى الدعم الأمريكي غير المشروط لدول مجلس التعاون الخليجي الثلاثة ضد إيران، وتغيرت الأوضاع في المنطقة.
نتيجة لذلك، أدركت العواصم الخليجية الثلاث أهمية تغيير لهجتها تجاه طهران، لدرجة أن "بن سلمان" أعرب عن أمله في تحسين العلاقات مع إيران. لكن الحرب الدائرة في اليمن والهجمات الصاروخية على السعودية أثارت شكوكا في إمكانية توصل الجانبين إلى اتفاق أمني.
وترى الكويت وعُمان وقطر أن إيران تمثل تحديا جيوسياسيا صعبا لكن ليس بالضرورة تهديدا داخل بلدانهم. وعلى العكس من ذلك، تواصل البحرين والسعودية وأبوظبي النظر إلى سياسة طهران الخارجية على أنها تهديد خطير للأمن الداخلي لدول مجلس التعاون الخليجي.
إيران النووية ليست أكبر المخاوف
وفي حين أن فكرة حصول إيران على سلاح نووي على المدى الطويل هي مصدر قلق كبير لكثير من العرب في منطقة الخليج، إلا أنها ليست أكبر مخاوفهم فيما يتعلق بإيران. وتتعلق مخاوفهم الرئيسية بشأن إيران بقدرة طهران على دعم الفصائل المسلحة التي أصبحت جهات فاعلة قوية في أجزاء غير مستقرة من العالم العربي، بما في ذلك "حزب الله" في لبنان، و"الحشد الشعبي" في العراق، و"الحوثيين" في اليمن.
وبالنسبة لبعض الدول الخليجية، كانت النقطة الرئيسية لمعارضة خطة العمل الشاملة المشتركة هي الخوف من أن يعمل الاتفاق على "إضفاء الشرعية" على إيران داخل النظام الدولي، بينما تواصل طهران دعم وكلائها في الشرق الأوسط.
وبغض النظر عن نتيجة المفاوضات الأمريكية الإيرانية، يجب أن يحاول أعضاء مجلس التعاون الخليجي وإيران إدارة توتراتهم بدلا من مفاقمتها وسط فترة تتبنى فيها دول الشرق الأوسط المزيد من الحوار والبراجماتية والتنازلات في ما بينها.
ويبدو أن هناك إدراكا متزايدا من جانب الرياض أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة لدعم المملكة في كل مواجهاتها مع طهران. ولا يتعلق هذا الأمر بإدارة "بايدن" فقط، فقد رفض "ترامب" القيام بأي رد على هجمات سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت "أرامكو".
وفي حين أن الانتصار الأخير لـ"إبراهيم رئيسي" في انتخابات الرئاسية الإيرانية قد يعرقل إحياء الاتفاق النووي، فإن صعود رئيس محافظ في طهران يمكن أن يؤدي إلى دفع الحوار بين مجلس التعاون الخليجي وإيران حول القضايا الإقليمية.
ويتوافق "رئيسي" بشكل كبير مع المرشد الأعلى "علي خامنئي" والحرس الثوري والدولة العميقة داخل إيران التي تشكل سياستها الخارجية بعيدا عن نظر الجمهور وصندوق الاقتراع. وخلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية، سعى الحرس الثوري إلى تقويض الرئيس "حسن روحاني" وفريقه، في حين من المحتمل أن تكون علاقات الرئيس المقبل مع الحرس الثوري والمؤسسات الامنية أفضل بكثير.
ويعني هذا أن السعودية ودول الخليج الأخرى سيكون أمامها إدارة إيرانية قادرة على الوفاء بالالتزامات التي يتم التوصل إليها في المحادثات السعودية الإيرانية، بما في ذلك تلك التي بدأت في بغداد في أبريل/نيسان. لذلك، هناك سبب وجيه للتفاؤل الحذر بشأن نجاح الرياض وطهران في البناء على أي حوار بناء في المستقبل.
فرص الدبلوماسية
ومع النسخة الجديدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة" أو بدونها، ستكون هناك فرصة للحوار مع إيران بشأن القضايا غير النووية التي لم تتطرق إليها اتفاقية عام 2015، بما في ذلك الصواريخ الباليستية ورعاية الميليشيات في العالم العربي.
والسؤال الرئيسي الآن هو ما الذي سينتج عن جولات الحوار الإيراني السعودي المستمرة في بغداد؟ وكما قالت "دينا إسفندياري" من مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا، فإن القلق الحقيقي هو أن السعوديين قد يعتقدون أن إيران لديها سيطرة على الحوثيين أكثر من الواقع الفعلي.
ومع عدم رغبة الحوثيين في إنهاء الحرب في اليمن دون تحقيق النصر، قد تكون هناك خيبة أمل إذا وافقت السعودية وإيران على شروط إنهاء الحرب في اليمن، لكن عجزت طهران على إجبار الحوثيين على الموافقة عليها.
ومع ذلك، فإن جلسات الحوار لها فائدة في حد ذاتها. وأدى عدم وجود أي حوار مباشر في أعقاب الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في يناير/كانون الثاني 2016 إلى زيادة مخاطر اندلاع صراع أكبر في المنطقة. وبالرغم أن الدبلوماسية لها حدودها إلا أنه يمكنها تحقيق الكثير عندما تتاح لها فرصة الازدهار.
ويجب على إدارة "بايدن" أن تشجع الأطراف الإقليمية، خاصة إيران والسعودية، على مواصلة محادثاتهم الثنائية، بغض النظر عن نتائج مفاوضات فيينا. ويمكن أن يؤدي أي تفاهم بين طهران والرياض مهما كان محدودا إلى خلق فرص جديدة للثقة يمكن البناء عليها.
ومن المفيد البدء بإجراءات بناء الثقة التي تساعد في تخفيف التوترات الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بالحد من تدفق الأسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وفي كافة الأحوال بالنظر إلى حجم العداء والخلاف بين السعودية وإيران، فإن المشاكل الخطيرة بينهما ستستمر في المستقبل المنظور. لكن إذا أمكن بناء قدر من الثقة بين الرياض وطهران، فيمكن للجارتين إيجاد طرق فعالة لإدارة واحتواء التواترات بما يصب في مصلحة البلدين والشرق الأوسط بشكل عام.
المصدر | خالد الجابر/منتدى الخليج الدولي