الأحد 24 تشرين الثاني 2024

موسم سقوط الإسلاميين في الجزائر


عندما أراد إخوان الجزائر الإيحاء للرأي العام بأنهم أحزاب منفتحة، وأن الصورة النمطية للّحية والقميص صارت من الماضي، توجهوا إلى إنتاج خطاب من الغرف الخاصة، فقد تحدث رئيس حركة مجتمع السلم عن "البوس" (التقبيل)، أما رئيس حركة البناء الوطني فقد أراد تحويل مفعول "الفياغرا" من جنسي إلى مفعول سياسي، لكن العقاب الشعبي نزل قاسياً، فأسقطهم من أي نزال سياسي يتم في ظروف عادية.
ويظهر أن الإسلاميين على اختلاف مشاربهم حبيسو ركام العشرية الدموية (1990 – 2000) عندما أفتى بعضهم بحرمة الديمقراطية والتداول على السلطة، وبالجهاد في سبيل الله في أوطانهم وشعوبهم، ولذلك يريدون التخلص من تلك العقدة بالذهاب إلى النقيض تماما، رغم ما للخطوة من مجازفة جسدت قدرة فائقة على التلون والتماهي مع كل الوضعيات، لكنها كشفت حقيقتهم للرأي العام.
ويبدو أن اللغط المثار حول التزوير الانتخابي مجددا، وحول قوة سياسية إخوانية فاعلة هي الثالثة في المشهد، وحتى الأولى لو تم التحالف بين "حمس" والبناء، لا يعدو أن يكون إلا مجرد قرع على طبل أجوف، فالبيانات التي كشف عنها المجلس الدستوري تشير إلى أن الكتلتين الإسلاميتين لم تحصلا إلا على نحو 300 ألف صوت من مجموع أكثر من 24 مليون ناخب جزائري، وأن المقعد النيابي الإخواني في البرلمان الجديد لا يمثل إلا حوالي ثلاثة آلاف جزائري.
الإسلاميون الأسرى بالماضي الدموي وبانكسار شوكتهم بعد 2011 يريدون على ما يبدو المرور إلى قوالب جديدة، لكن المفعول كان عكسيا، فحكاية رقص عبدالرزاق مقري على وقع الدبكة الفلسطينية، وحديثه عن "البوس"، وبحث غريمه عبدالقادر بن قرينة عن وظيفة جديدة للفياغرا، لم تحقق الغرض إن لم تكن قد انقلبت عليهم.
وظل هؤلاء محافظين على خطابهم السياسي والدعوي المحافظ إلى غاية الانتخابات التشريعية الأخيرة، أين أراد مقري الإيحاء لأنصاره وللرأي العام بأن "حمس" والحمسيين ليسوا حزب اللحية والقميص كما يعتقد البعض، وسرد واقعة تقدم إحدى الصحافيات إلى مؤسس الحركة الراحل محفوظ نحناح مطلع تسعينات القرن الماضي من أجل مصافحته بغية إحراجه أمام الحضور وأعين وسائل الإعلام، غير أن أحد المرافقين، حسب مقري، اعترض طريقها وقال لها "الشيخ لا يصافح، لكن نحن نبوس (نقبل)"، فغير الفخ المحرج موقعه من رئيس الحركة إلى الصحافية.
ورغم تجربة الإخوان ومعهم القيادة وفرضية سبرهم لأغوار المشهد الجزائري، يبدو أنهم لا يزالون بعيدين عن إدراك شخصية وذهنية الناخب الجزائري، وعن معرفة الأسباب الحقيقية لعزوف الجزائريين عن صناديق الاقتراع.
ويبدو أن مقري الذي أراد أن يقول لأنصاره وللناخبين بأن "حمس" حزب منفتح وغير متقوقع في قالب ثابت، غاب عنه أن أحد أسباب العزوف هو ظاهرة التحول والتلون السياسي، فالناخب الجزائري يريد المرشح أو الحزب كما هو، ولا يريده خارج قالبه، ولذلك تحول تصريحه إلى سخرية على شبكات التواصل الاجتماعي، وربما سببا لمعاقبة الجزائريين لأكبر الأحزاب الإخوانية بمنحه 206 آلاف صوت فقط.
وقد سبق لنجمين كبيرين في كرة القدم أن ترشحا في انتخابات سابقة وهما لخضر بلومي وعبدالحكيم سرار، غير أنهما لم ينالا ثقة الناخبين، والتفسير الأقرب أن الجمهور في محافظتي معسكر وسطيف أراد أن يقول للرجلين نريدكما نجمين في كرة القدم وليس نائبين في البرلمان، وأن حبنا لكما في المستطيل الأخضر وليس في أروقة السياسة.
سقوط الإسلاميين لم يكن في الـ300 ألف صوت فقط لأكبر كتلتين نيابيتين، بل كان نكسة حقيقية لأذرع إخوانية أخرى، حيث لم يحصل حزب عبدالله جاب الله (جبهة العدالة والتنمية) إلا على حوالي سبعة آلاف صوت، بينما كانت النهضة والإصلاح وجبهة الجزائر الجديدة ممثلة ببضعة آلاف فقط.
وإذ اعترف جاب الله أن قواعد الحزب عزفت عن الانتخاب أصلا، وبرر سلوكها بظروف المقاطعة والوضع السياسي بشكل عام، لكنه تفادى الاعتراف بأن القواعد كانت أكثر إدراكا ووعيا بملابسات الاستحقاق أكثر من القيادة، أو أن تلك القواعد وحتى الشارع الجزائري لم يعودا يطيقان رؤية نخب سياسية لم تتغير منذ تأسيس أحزابها مطلع تسعينات القرن الماضي، أو نوابا إسلاميين استأثروا بمقاعد البرلمان لفترات انتخابية متتالية.
أما زعيم الفصيل الإخواني الثاني بن قرينة فلم يجد من المفردات والمصطلحات للدلالة على تنشيط الفعل السياسي إلا "الفياغرا" ليجردها من مهمتها الأصلية ويستعين بها لتهييج المشهد السياسي، وهو الذي كان قد كشف لأنصاره وللجزائريين عن زوجته دليلة وعن قدّها "النحيف" للدلالة على تقليد سياسي جديد في حزبه، أسوة بكبار قادة الأحزاب في العالم، لكن لا زوجته ولا ابنه المراهق البراء الذي رشحه للانتخابات أقنعا الناخب الجزائري بانفتاح حركة البناء، فحلت خامسة وبوعاء انتخابي يتألف من حوالي 100 ألف صوت.
المشروع الإخواني الذي يعلق أسباب فشله على شماعة المؤامرة وتحالف القوى المعادية لا يريد أن ينتبه إلى إفلاسه السياسي والخطابي، ولا حتى فهم الثوابت والتحولات داخل المجتمع، فهو يتلون فيما يريده الناس أن يثبت، ويثبت عندما يريدون منه التحول، ففقد بريقه وشعبيته وتعرت حقيقته.
صابر بليدي-