النهار الاخباريه – وكالات
تكاد لا تمر فترة منذ حكم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من دون مشاكل داخلية تتسبب فيها سياساته، وتتحول هذه المشاكل، في أغلب الأحيان، بسبب رفض ماكرون للتنازل إلى أزمات كبيرة، كما حصل خلال فترة المظاهرات الفرنسية العنيفة التي سميت حينها باحتجاجات القمصان الصفراء عام 2018، وصولا إلى الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي والسياسي اللذين تسبب بهما قانونه لـ«مكافحة الإسلام الانفصالي» عام 2021، وسياساته التي استهدفت المسلمين، وكان قبلها قد أثار الجدل بدفاعه عن قرار إعادة نشر صور «مسيئة للنبي محمد».
تحتسب في رصيد الرئيس الفرنسي أيضا سلسلة طويلة من الأزمات السياسية في الخارج، والتي كان آخرها تهديده بريطانيا بإجراءات انتقامية مؤخرا، وقبلها مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا على خلفية تحالف عسكري جديد بينها وإلغاء كانبرا لصفقة غواصات نووية مع باريس، والتي تزامنت مع خلاف جديد (ضمن سلسلة خلافات لا تنتهي) مع الجزائر على خلفية تصريحاته الطائشة حول ضرورة تغيير تاريخ ذلك البلد العربي الذي رزح تحت أطول مدة احتلال فرنسي، وهناك خلافه المستجد في مالي على خلفية تدخل فرنسا العسكري في عدة دول في شمال ووسط أفريقيا، وخلافه مع رئيس البرازيل حول قضايا شخصية.
مستندا إلى وزن فرنسا كقوة دولية وأوروبية، يحاول ماكرون التفتيش عن موقع لفرنسا في خرائط التجارة، وخصوصا العسكرية منها، ويتقصد، في اتساق مع سياساته الداخلية والخارجية، تجاهل مسائل حقوق الإنسان أو البيئة، وهو ما أدى لانتقادات منظمات حقوق الإنسان لهذه السياسات، التي اعتبرت دعما لبلدان دكتاتورية، وساهم ذلك بالتأكيد في دفع شركات فرنسية إلى البحث أيضا عن الربح والتغاضي عن القوانين الأخلاقية أو تجاوز العقوبات الدولية، كما حصل مع شركة لافارج في تعاملها مع تنظيم «الدولة» وقد ظهرت وثائق لاحقا على أن السلطات الفرنسية كانت على علم بتلك العلاقة، وكذلك شركة «نيكسا تيكنولوجي» بتقديم معدات مراقبة وتجسس لمصر، وهو ما تسبب في اتهامها بـ«التواطؤ في أعمال تعذيب واختفاء قسري».
ينشط ماكرون مؤخرا في مجالات الوساطة الدبلوماسية، بين إيران والغرب، وبين السعودية ولبنان، وبين السعودية والعالم، ولا بأس، في هذه الأثناء، من استغلال هذه الوساطات في دعم الصفقات العسكرية، فقد تمكن في زيارته الأخيرة إلى المنطقة، من عقد صفقة جديدة مع الإمارات، ساعدته، ربما، على نسيان خسارة بلاده التي خسرت في الشهور الأخيرة ثلاث صفقات عسكرية مهمة، في رومانيا وسويسرا وأستراليا.
وتمهيا لزيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، قام ماكرون بنقلة محسوبة فاستخدم النفوذ الفرنسي لدى إيران فرفعت الغطاء عن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، الذي أشعل فتيل أزمة بين بيروت والرياض، فتقدم باستقالته، وهو ما دفع العلاقات خطوة إلى الأمام بين الرياض وبيروت، وبذلك تمكن ماكرون من صيد عصفورين بحجر واحد، فقد ساهم، من ناحية، في بدء عملية إعادة السعودية إلى الساحة الغربية، كما فك بعضا من آثار الطلاق البائن بين الرياض وبيروت.
النتيجة التي يمكن استخلاصها من هذه الوقائع أن ماكرون، مثل الشركات الفرنسية المذكورة آنفا، لا يهمه، في النهاية، سوى عقد الصفقات، ولا يهم، إذا كان مستفيدا، من الذي سيتضرر.