الأحد 24 تشرين الثاني 2024

ماذا يعني انسحاب الصدر من الانتخابات العراقية؟


من خلال إعلانه الانسحاب من الانتخابات البرلمانية المقبلة في العراق، يضع رجل الدين الشيعي "مقتدى الصدر" نفسه كتهديد محتمل لاستقرار الحكومة المقبلة ويخاطر بجمع المزيد من الأصوات لحلفاء الميليشيات المدعومة من إيران.
وأعلن "الصدر" في خطاب متلفز في 15 يوليو/تموز انسحابه من الانتخابات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول، مبررا ذلك برغبته في "اإنقاذ العراق الذي أحرقه الفاسدون". ومنذ ذلك الحين، لم يعلن عدد كبير من أتباعه مقاطعة الانتخابات.

وفاز تحالف "سائرون" بزعامة "الصدر" بــ54 مقعدا في الانتخابات البرلمانية السابقة، وهو أكبر عدد مقاعد حظي به أي تحالف في الانتخابات. وبالنظر إلى حجم كتلة "الصدر"، فمن المرجح أن يترشح العديد من أعضائها، لكن دون تأييد صريح من رجل الدين الشيعي.
وعلى عكس العديد من الهيئات التشريعية ذات الطابع المطاطي أو المجالس التشريعية الرمزية لدى جيرانه الإقليميين، يتمتع البرلمان العراقي بسلطة حقيقية ويؤثر إلى حد كبير على من يصبح رئيسا للوزراء، وهو أقوى منصب سياسي في البلاد.
ومن المرجح أن يحاول "الصدر" الحفاظ على رأسماله السياسي وسط الغضب المتزايد ضد الحكومة وخاصة في أعقاب حريق مستشفى كبير مؤخرا في الناصرية. وأدى حريق 12 يوليو/تموز الدامي إلى تركيز الغضب الشعبي على الحكومة العراقية والتهديد بتقويض النفوذ السياسي والشعبي للمسؤولين الحاليين بسبب الإهمال الذي أدى إلى وقوع المأساة.
وبالنظر إلى أن الحريق وقع في ظل وزارة الصحة التي يسيطر عليها "الصدر" فإن ذلك يهدد شرعية "الصدر" السياسية. وجدير بالذكر أن تحالف "الصدر" يدافع عن قضايا مكافحة الفساد، ما يجعل حريق المستشفى يضر بنفوذه بشدة.
وأدى حريق مستشفى الناصرية إلى مقتل ما لا يقل عن 92 شخصا، معظمهم من المرضى والطواقم الطبية في وحدة عزل "كوفيد-19"، ما أثار احتجاجات واسعة. وأدت المأساة الأخيرة إلى تفاقم الإحباط العراقي بشأن الحكم غير الفعال، بالنظر إلى أنها أعقبت حريقا مميتا مماثلا في أحد مستشفيات بغداد في أبريل/نيسان، والذي من المحتمل أيضا أن يكون بسبب إهمال مماثل يخص ضعف البنية التحتية.
ومن المرجح أن يستخدم "الصدر" نفوذه السياسي لدفع الحكومة المستقبلية إلى ما يتماشى مع أجندته الخاصة. وسيؤدي الانسحاب من دور سياسي أكثر وضوحا إلى جعل "الصدر" يلعب دورا شبيها بالمعارضة في الدورة البرلمانية المقبلة، ومن المرجح أن يطالب بإجراءات تحظى بشعبية لدى قاعدته ولكن يصعب على الحكومة تحقيقها في كثير من الأحيان، مثل الإجراءات الاقتصادية الشعبوية أو الإصلاحات الجذرية للوزارات الحكومية.
وقد يساعد ذلك في إعادة تأهيل صورة "الصدر" السياسية، لكنه سيشكل صداعا هائلا للحكومة المقبلة، بالنظر إلى قدرة "الصدر" على تحويل الإحباطات الشعبية إلى احتجاجات كبيرة.
وقاد "الصدر" احتجاجات كبيرة في بغداد في عام 2016، ومن المرجح أن يحتفظ بالنفوذ السياسي للقيام بذلك مرة أخرى. وفي الأعوام الفاصلة، دعا "الصدر" مرارا وتكرارا إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية، لكنه كان أكثر صمتا منذ أن أصبح تحالفه الأكبر في البرلمان في عام 2018، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن انتقاد الحكومة كان يعني انتقاد حلفائه.
وقبل الانتخابات السابقة، أصدر "الصدر" إنذارات وتحذيرات مماثلة بأنه سينسحب أو يتراجع عن العمل السياسي، ما يؤكد أن الانسحاب من السياسة هو تكتيك متكرر استخدمه للحفاظ على رأسماله السياسي. ومع ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها "الصدر" بذلك بينما يسيطر على الكتلة الأكبر في البرلمان.
وبدون دعمه العلني، قد يعاني أعضاء تحالف "الصدر" في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول، ما يفتح مساحة أكبر للسياسيين الشيعة المدعومين من إيران لكسب مقاعد ونفوذ سياسي. 
ومن الجدير بالذكر أن ثاني أكبر كتلة في البرلمان هي كتلة "فتح"، المتحالفة بشكل وثيق مع الميليشيات المدعومة من إيران ويقودها حليف مقرب من الحكومة في طهران وزعيم سابق للميليشيا.
وحظيت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بحرية في حركتها بشكل واسع في الأعوام الماضية، منذ أن تم تمكينها من قبل الحكومة الفيدرالية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جانب القوات الفيدرالية. كما يُعتقد أنها وراء حملات الاغتيالات والمضايقات والتخويف المستمرة التي تستهدف الناشطين الإصلاحيين في البلاد.
وإذا خسر حلفاء "الصدر" بعض المقاعد في الانتخابات المقبلة، فقد يفتح ذلك أيضا مساحة أكبر لمرشحين مستقلين لا يتماشون صراحة مع أي تحالفات قائمة، ما يخلق بعض عدم القدرة على التنبؤ بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. وفي حين أن هؤلاء المستقلين قد يشكلون تحالفاتهم الخاصة، إلا أنهم قد يقعون أيضا تحت سيطرة السياسيين المدعومين من إيران.