السبت 23 تشرين الثاني 2024

ماذا دار في اللحظات الأخيرة من المفاوضات بين طالبان وخليل زاد؟.. لهذا السبب انهارت قوات أشرف غني


النهار الاخباريه  وكالات 

على مدار شهر وأكثر صوبت وسائل الإعلام العالمية كاميراتها صوب أفغانستان التي أصبحت الحدث الأهم والأكبر عقب الانسحاب الأمريكي منها وعودة حركة طالبان إلى الحكم مرة أخرى بعد 20 عاماً من الحرب.
هذا الحدث الكبير سلّط الضوء على شخصيات في الظل لعبت أدوراً قوية من أجل التوصل لاتفاق أفضى بخروج قوات التحالف الدولي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، ومن هؤلاء السياسي الأمريكي المخضرم زلماي خليل زاد الذي قاد المفاوضات الأمريكية لنحو 4 سنوات مع قيادات الحركة الأفغانية في الدوحة.
من هو زلماي زاد؟

هو مواطنٌ أفغاني، وُلِدَ في مزار شريف ونشأ في كابول. ذهب إلى الولايات المتحدة حين كان طالباً في المدرسة الثانوية في تبادلٍ للطلاب مع أفغانستان، ودرس في جامعة شيكاغو، ثم بعد ذلك ارتقى إلى المراتب العليا في مؤسسة السياسة الخارجية للحزب الجمهوري. 

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أرسل الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الابن، خليل زاد مبعوثاً للولايات المتحدة في أفغانستان، وبعد ذلك صار سفيراً في كابول. 

أمضى خليل زاد السنوات الثلاث الماضية في رحلاتٍ مستمرة بين واشنطن وكابول والدوحة، وغيرها من العواصم العالمية، واستدعى معرفته بالثقافة الأفغانية وعلاقاته طويلة الأمد لجمع الأفغان وطالبان معاً حول طاولة المفاوضات لإجراء محادثاتٍ تهدف إلى التوصُّل إلى تسويةٍ سياسية لإنهاء الحرب. 
تحدَّثَت معه مجلة Foreign Policy الأمريكية، يوم الثلاثاء الماضي 14 سبتمبر/أيلول، في مكتبه بوزارة الخارجية الأمريكية. 
ماذا دار في الأيام الأخيرة؟
عند حديثه عن الفترة الأخيرة للحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس الأفغاني الأخير أشرف غني، قبل عودة طالبان إلى السلطة، قال خليل زاد إنه كان في الدوحة، ورأى زعيم طالبان، الملا عبد الغني برادر ورفاقه، وقد ضغط عليهم بشدة كي لا يؤدِّي الهجوم على كابول إلى صراعٍ قد يدمِّر المدينة والملايين من الناس هناك (حوالي 5 ملايين)، إذ إن ذلك يتعارض مع الاتفاقية مع طالبان. والعنصر المهم، حسبما قال خليل زاد أن الاتفاقية تنص على إجراء مفاوضاتٍ بين طالبان وأفغان آخرين، بمن فيهم الحكومة بقيادة غني، لتشكيل حكومة إسلامية جديدة. 
وبحسب ما قال خليل زاد، وافق برادر على ذلك. كان لدى طالبان بعض القوات في كابول التي دخلت بالفعل، وقال له برادر إن طالبان ستسحب هذه القوات وتبقى على أبواب كابول، وسيأتي وفدٌ من كابول، يتضمَّن الرئيس السابق حامد كرزاي، والوزير محمد آصف رحيمي، وآخرين. 
وقال خليل زاد إن الحكومة الجديدة يجب أن تكون شاملة، ولكن ليس بنسبة 50% إلى 50%، كما اقترح خليل زاد بنفسه من قبل. وأفاد بأن طالبان أرادوا أن يستبدلوا الرئيس أشرف غني ويضعوا أحد قادتهم بدلاً منه، وكان غني يرفض ذلك. 

قال خليل زاد أيضاً إن نسبة 50% إلى 50% لم تكن واقعيةً، ولكن يجب أن تكون الحكومة شاملة، ومن الممكن أن تشتمل على شخصياتٍ من الحكومة، ومن الجماعات العرقية المختلفة وما إلى ذلك. فقال خليل زاد إنه يريد إعلان ذلك، وقد أعلنته طالبان بالفعل، ووافق غني فيما بعد على ذلك. 
وفي غضون ساعتين إلى ثلاث ساعات من الإعلان ومن موافقة غني، بحسب ما أورد خليل زاد في المقابلة، بدأت التقارير تظهر وتفيد بأن غني قد اختفى، وأنه غادر القصر والبلاد برمتها. لذلك التقى خليل زاد ببرادر، وشرح له أن مهمته الآن هي سحب بقية القوات الأمريكية، وأننا نعتقد أنه يجب أن يظل بعيداً عن كابول. 
وذكر خليل زاد أن برادر قال له: "هل ستتحمَّل مسؤولية أمن كابول؟"، فتساءل خليل زاد قائلاً: "هل يمكنك شرح سبب إثارة هذه القضية؟"، فردَّ عليه برادر بأن هناك مشكلةً كبيرةً تتعلَّق بالنظام والأمن في كابول. لكن من سيتحمَّل المسؤولية عمَّا سيحدث في كابول؟ كان الاتفاق هو عدم ذهاب طالبان إلى كابول لمدة أسبوعين. 
ذكر خليل زاد أيضاً أنه إذا تحرَّكَت طالبان نحو المنطقة التي تواجد فيها الأمريكيون والمناطق المحيطة بها، فإن الأمريكيين كانوا ليدركوا ذلك كتهديدٍ عليهم وكانوا ليتصرَّفوا بناءً على ذلك. لكن خليل زاد لم يحذِّر طالبان بأنهم إذا تحرَّكوا فسوف يخاطرون بهجومٍ من قِبَلِ الولايات المتحدة. 
كان ذلك هو اليوم الأخير من الانسحاب، لذا كان من الممكن أن تنشأ الكثير من المشكلات، حسبما ذكر خليل زاد. 
لكن، لماذا فعل الرئيس غني ذلك؟ ولماذا تصرَّفَت القوات بالطريقة التي تصرَّفَت بها؟ يجيب خليل زاد على ذلك بقوله إن الأمريكيين قد استثمروا الكثير في هذه القوات. كانت الأرقام، بحسب خليل زاد، مثيرة للإعجاب على الورق، والقدرات كانت موجودةً بالفعل؛ حيث الأسلحة والقوات الجوية التي اعتقد خليل زاد وغيره من المسؤولين أنها قادرةٌ على أيِّ شيء. لكن كانت هناك قوى تعمل لصالح مختلف الوكالات الأخرى التي كانت جميعها موجودةً. 
هل تُرِكوا يقاتلون من أجل حكومةٍ لا يريدون الدفاع عنها؟ 
رداً على هذا السؤال، قال خليل زاد إن الأمريكيين لم يقوموا بعملٍ كافٍ حتى يخبروا بما حدث بشكلٍ قاطع. ولكن هذا ما بدا عليه الأمر. كانت هناك بعض التقييمات السريعة حول سبب غياب القوات أمام طالبان، حيث يقول الناس إن العديد من القادة قد تغيَّروا. ويرى خليل زاد أن الناس لم يعتقدوا أن الحكومة تستحق القتال من أجلها، متسائلاً: "هل يمكن أن تتغيَّر مكانة الحكومة لدى الجنود بسبب الفساد المستشري؟"، وتقديره في ذلك أن الأمر كان ليحتاج الكثير من الوقت. 
قال خليل زاد أيضاً إن الكثير من الأفغان يشتكون من أن الأمريكيين ضغطوا أكثر من اللازم، وغيرهم يرون أنهم لم يضغطوا بقوةٍ كافية 

وفي المقابلة، صرَّح خليل زاد بأن الأمريكيين لم يكونوا يرون كلَّ هذا قادماً. قد يكون بعض الناس توقَّعوا ذلك كأفرادٍ لا أكثر؛ أن كلَّ شيءٍ قد ينهار بسرعةٍ نسبياً في ظلِّ غياب القوات الأمريكية، لكن الكثير من المسؤولين لم يتوقَّعوا مثل هذه السرعة، إذ اعتقد أغلبهم أن الأمر قد يستغرق سنوات. 
أجرى خليل زاد الكثير من المحادثات مع أشرف غني، لكن الأخير كان يرى أن طالبان لن تكون قادرةً على الانتصار عسكرياً. وفي تصوُّر خليل زاد، كان غني يؤمن بذلك بحماسٍ شديد، إلى أن حاصرت طالبان كابول. ربما فكَّر غني أن الأمر ربما بدا مختلفاً إذا كان قد عرض التنحي من أجل السلام وتقاسم السلطة قبل عامٍ أو ستة أشهر، من موقع قوةٍ أفضل نسبياً. لكنه كان يقول إن الدستور لا يسمح بقبول ما يتطلَّبه سلامٌ كهذا، حيث صياغة دستورٍ جديد، وحكومة تقاسم سلطة. 
التفاوض مع طالبان 
قال خليل زاد إن الأمريكيين كان بإمكانهم فعل شيئين أو ربما أكثر. كان من الممكن الانسحاب دون اتفاق. لكنهم، بحسب خليل زاد، اعتقدوا أنه سيكون من الجيِّد الانسحاب بطريقةٍ منظمة. وثانياً، أنه سيكون هناك التزام، على سبيل المثال فيما يخص مكافحة الإرهاب. 
وبسبب هذا الانسحاب المنظم، وافقت طالبان على عدم مهاجمة القوات الأمريكية طوال 14 شهراً. وثانياً، تعهَّدت طالبان بمكافحة الإرهاب، وأخذوا من الأمريكيين وقتاً طويلاً لحملهم على الموافقة على ذكر القاعدة في هذا السياق. والأمر الثالث، بحسب خليل زاد، أنه كان من المهم إعطاء أفغانستان فرصةً للسلام، إذ كان من الممكن خلال 14 شهراً من الانسحاب أن يتوفَّر الوقت للأفغان لأول مرة للجلوس معاً والتفاوض على شيءٍ ما والتوصُّل إلى حكومةٍ جديدة ووقفٍ لإطلاق النار. 

وقال خليل زاد إنه لمدة ثماني سنوات، قبل المفاوضات مع طالبان، أراد الأمريكيون من طالبان والحكومة الجلوس والتفاوض مع بعضهما البعض. لكن طالبان 
قالت إن هذه الحكومة غير شرعية، وهي دمية في يد الأمريكيين ولن يجلسوا معها. وحين كان خليل زاد سفيراً، كان لدى الأمريكيين، بحسب قوله، أجندةٌ طموحة للغاية، حيث لم تكن هناك محادثاتٌ مع طالبان دون موافقتهم على الدستور، ودون قطعهم الصلة مع الإرهابيين ونبذ العنف. وكانت تلك هي الشروط الثلاثة قبل التفاوض، والتي كان على طالبان تلبيتها. 
وخلال المقابلة، أعرب خليل زاد عن احترامه لأولئك الذين يقولون إنه ما كان يجب أن يجري تفاوضٌ مع طالبان في ظلِّ غياب الحكومة الأفغانية، لكنه قال إنهم لم يكونوا يعرفون آنذاك إلى أيِّ مدى سيبلغ الصراع الذي كانت لتستغرقه طالبان حتى يوافقوا على ذلك. وقال إن هذا هو الموضع الذي لا يتعامل فيه الكثير من المعلِّقين مع القوى الكامنة أو التوازن الذي دفع الأمريكيين إلى ذلك،  أنهم كانوا يخسرون الأرض. 
وقال إنه منذ زيادة القوات على يد الرئيس السابق باراك أوباما، والأمريكيون يخسرون الأرض أمام طالبان، مِمَّا يعني أن طالبان كانت تستولي على المزيد من الأراضي تدريجياً. لذا لم يكن الوقت في صالح القوات الأمريكية، بحسب خليل زاد