نقلت وسائل الإعلام عن موقع إيراني تابع لميليشيات الحرس الثوري، أن "هناك مخاوف لدى الأمن الإيراني من تعرض ناقلة النفط ياسمين لاستهداف إسرائيلي"، وأضافت أن "هناك احتمالاً بأن تتعرض الناقلة بالقرب من قناة السويس لهجوم تخريبي أثناء نقلها النفط إلى لبنان، بعد استهداف سفينة إسرائيلية كانت متوجهة إلى الإمارات"، كانت تعرضت لاعتداء في المحيط الهادئ السبت الماضي، وغالباً تتهم تل أبيب طهران بالوقوف خلف هذه الهجمات.
تكررت حوادث الهجمات على السفن التجارية في مياه المنطقة خلال الشهر الماضي، وتتهم إسرائيل إيران والجماعات التي تمولها في دول المنطقة بالمسؤولية عنها، بينما تتهم الأخيرة الأولى باستهداف سفنها التي تنقل النفط والمشتقات إلى سوريا، لكن الحادثة الأهم كانت في صيف 2019، حين تعرضت أكثر من سفينة تجارية في مياه خليج عُمان لهجمات بألغام بحرية، واتهمت طهران وميليشياتها في الخارج بأنها من نفذ تلك الهجمات، على الرغم من نفيها الرسمي مسؤوليتها عنها.
تثير تلك الهجمات قلقاً يتجاوز المنطقة إلى بقية أنحاء العالم الذي يخشى من التهديدات لأحد أهم خطوط الملاحة البحرية، التي يمكن أن تضر بشدة التجارة الدولية، كما أنه يعيد الاهتمام بمضايق المنطقة، بخاصة مضيق هرمز، الذي طالما هددت إيران بإغلاقه في إطار صراعها مع الغرب وجيرانها، ويضاف الآن مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر الجنوبي في ظل وجود ميليشيات الحوثي في اليمن المدعومة إيرانياً.
للدلالة على أهمية خط الملاحة من الخليج إلى البحر الأحمر عبر خليج عُمان والمحيط الهندي ثم إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، نذكر أن توقف الملاحة في قناة السويس في مارس (آذار) الماضي نتيجة جنوح السفينة "إيفرغيفن" كلف التجارة الدولية خسائر أسبوعية ما بين 6 و10 مليارات دولار بحسب تقدير مجموعة "أليانز" الألمانية، بينما قدرت مجنوعة "لويدز" أن الحادثة أدت إلى تعطل 12 في المئة من التجارة العالمية، مما يعني خسائر يومية تصل إلى 9 مليارات دولار.
وإلى جانب التجارة في البضائع والسلع التي تستخدم الشحن البحري، فإن مضيق هرمز يكتسب أهمية لعبور نحو 20 في المئة من صادرات النفط العالمية عبره، قادمة من الخليج إلى أنحاء العالم كافة، وباعتبار أن النفط والغاز لا يزالان محركي طاقة الاقتصاد العالمي، فإن توقف الملاحة عبر مضيق هرمز نتيجة التهديدات الإيرانية يمكن أن يسبب صدمة اقتصادية للعالم.
لكن خطورة هذا الأمر لم تعد كما كانت قبل عقدين من الزمن، ففي عام 2012 نشر استشاري الطاقة روبين ميل، مؤلف الكتاب الشهير "خرافة أزمة النفط"، مقالة في مجلة أتلانتيك الأميركية، خلاصته أن دول الخليج العربي تؤسس بالفعل لبدائل من المرور عبر مضيق هرمز لتصدير النفط والغاز، وأن المتضرر الأكبر من إغلاق مضيق هرمز هو إيران التي تعتمد على المرور عبره لتصدير النفط والغاز، خصوصاً لدول آسيا مثل الصين والهند واليابان وكوريا.
بالطبع لا تغني تلك البدائل عن مضيق هرمز، ولا تقلل من أهميته للملاحة البحرية العالمية، فخط الملاحة عبر المضيق لا يمر منه النفط وحسب، بل هناك حركة تجارية كثيفة على سبيل المثال من ميناء جبل علي ومنطقته الحرة التي تشكل واحدة من أهم نقاط إعادة التصدير في المنطقة، وإذا كانت البدائل يمكن أن تنقل ما يقارب نصف كميات النفط التي تمر عبر المضيق، فإن الباقي يشكل أهمية كبرى للاقتصاد العالمي، إذ يمر عبر مضيق هرمز يومياً ما بين 15 و20 مليون برميل، فعليه تقع بعض أكبر دول إنتاج وتصدير النفط مثل السعودية والإمارات والكويت والعراق وإيران.
بنهاية الثمانينيات حين اشتعلت حرب الناقلات في الخليج أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، أنشات السعودية خط أنابيب الشرق والغرب (بترولاين) الذي ينقل النفط من شرق المملكة إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، ومع تطوير الخط أصبح بحلول منتصف العقد الماضي (بأرقام 2006) ينقل ما يصل إلى نصف إنتاج السعودية من النفط، مع سعة إضافية في حدود 2.5 مليون برميل يومياً، وببعض التطوير يمكن أن تصل طاقة خط الأنابيب السعودي إلى 11 مليون برميل يومياً مع سعة إضافية للطوارئ.
لكن السعودية لا تستخدم نصف طاقة الخط حالياً، لأنها تصدّر أغلب النفط عبر الخليج مروراً بمضيق هرمز، أما بالنسبة للتجارة غير النفطية التي تمر عبر مضيق هرمز، فإن تطوير شبكة الطرق البرية والعمل حالياً على إنشاء خطوط سكك حديد سيسهل الاستعاضة عن النقل البحري بنظيره البري إلى حد ما.
أما الإمارات فقد استثمرت ما يزيد على 4 مليارات دولار في بناء خط أنابيب حبشان – الفجيرة الذي ينقل النفط من أكبر بئر إنتاجية في أبوظبي إلى ميناء الفجيرة على خليج عُمان، أي خارج مضيق هرمز والخليج كله، ومع أن الخط يعمل بطاقة نقل 1.8 مليون برميل يومياً، أي نحو نصف إنتاج الإمارات من النفط تقريباً، كما هو الحال مع خط أنابيب الشرق والغرب في السعودية، إلا أن تطويره قد يزيد سعته إلى أكثر من ثلاثة أرباع نفط الإمارات، بحيث يتراجع كثيراً اعتمادها على الخليج ومضيق هرمز.
بدائل للطوارئ
خلال العقدين الأخيرين طورت سلطنة عُمان موانئها على خليج عُمان وبحر العرب (المحيط الهندي) مثل ميناءي الدقم وصوحار، والأخير يقع شمال العاصمة مسقط، وتقريباً في منتصف المسافة بينها وبين دبي في الإمارات، وبدأت عمليات تطوير الميناء وإنشاء المنطقة الحرة فيه مطلع هذا القرن، وبمساهمة استثمارات خليجية بكلفة تجاوزت 25 مليار دولار بحسب تقديرات 2002، واستهدف ميناء صوحار بالأساس استقبال السفن التي لا تفضل دخول الخليج، ليس فقط بسبب التهديدات الإيرانية، وإنما أيضاً لقلة كلفة التأمين التي قد تصل إلى أكثر من الثلث.
ومع تصاعد التوتر في العلاقات الإيرانية – الأميركية، وقعت واشنطن اتفاق استراتيجية مع مسقط قبل أكثر من عامين، يسمح للسفن الحربية الأميركية باستخدام ميناء الدقم بما يوفر عليها أخطار مضيق هرمز، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز" في مارس 2019.
وفي خريف العام الماضي أعلنت بريطانيا أنها ستستثمر نحو 33 مليون دولار (23.8 مليون جنيه استرليني) لتطوير موقعها اللوجيستي في ميناء الدقم العماني لدعم حاملتي الطائرات البريطانيتين شرق السويس.
ومع شبكة الطرق البرية التي جرى تطويرها خلال السنوات الأخيرة بين الإمارات وعُمان وبين السعودية وبقية دول الخليج، يمكن أن توفر عمليات النقل البري والنقل البحري مباشرة من خليج عُمان وبحر العرب والبحر الأحمر بدائل تمتص قدراً معقولاً من التجارة عبر مضيق هرمز إذا تطلب الأمر.
وكما ذكر روبن ميل في مقالته بمجلة "أتلانتيك"، تظل الخطورة الأكبر من أي اضطراب في مضيق هرمز على إيران أكثر من غيرها، وإلى حدّ ما العراق، الذي ليس لديه طاقة تصدير عبر خط الأنابيب مع تركيا، كما أن تطوير خطوط نقل عبر سوريا إلى البحر المتوسط مسألة صعبة في ظل الأوضاع الحالية.
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية- اندبندنت