الجمعة 18 تشرين الأول 2024

لماذا يعد الهجوم الثاني على الإمارات “كارثة” لأبوظبي، هذا ما يريده الحوثيون من الضربة


النهار الاخباريه  وكالات

أعلن الحوثيون استهداف مواقع إماراتية صباح الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، في هجوم هو الثاني من نوعه خلال أسبوع. وكان هجوم الأسبوع الماضي شمل طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية وصواريخ كروز، ويبدو أن الهجوم الثاني أصغر نطاقاً، لكنه مع ذلك يشير إلى أن الحوثيين يعتقدون أن لديهم الحق في توسيع نطاق الحرب إلى الإمارات، والقدرة على ذلك.

ورغم عدم سقوط ضحايا جراء هذا الهجوم فإنه يعد مؤشراً خطيراً وسيكون العديد من الانعكاسات الاقتصادية والسياسية على الإمارات بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. 

فمن الناحية الاقتصادية سوف تتأثر إمارة دبي العاصمة الاقتصادية للإمارات بشكل كبير كونها مركزاً رئيسياً للتجارة والسياحة الدولية، كما يسكنها عدد كبير من الوافدين من جميع أنحاء العالم. وقد عمد الحوثيون إلى إبراز قدرتهم على وقف الحركة الجوية وتعطيل الحياة الطبيعية في البلاد.

أما من الناحية السياسية فإن استمرار القصف الحوثي للإمارات يوحي بأن الميليشيات اليمنية المدعومة من إيران لم تكن تهزأ عندما هددت بشن مزيد من الضربات للإمارات على غرار السعودية، كما أن استمرار الدعم الإماراتي لبعض الفصائل المسلحة في اليمن يشير إلى أن أبوظبي مستمرة فيما تقوم به في جنوب اليمن وأن رسالة الحوثيين لم تثنهم عن الاستمرار في سياستهم بل بالعكس هذا التصعيد سيجعل أبوظبي أكثر انخراطاً في الصراع اليمني.

الهجوم الصاروخي الجديد للحوثيين
تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن هجوم يوم الإثنين 24 يناير/كانون الثاني، وزعم تقرير لوكالة أنباء فارس أنه نقل عن معلومات أوردتها وكالة Sputnik الإخبارية الروسية، وأن أنباء وردت عن تفعيل الإمارات دفاعاتها الجوية وسماع انفجارات. ونقل التقرير عن قناة تليغرام "صابرين نيوز" صوراً منشورة لدخان يتصاعد في سماء أبوظبي، بحسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.


ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية أن الدفاعات الجوية للجيش الإماراتي جرى تفعيلها في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين للتعامل مع أهداف معادية، وتظهر الصور المسربة اعتراض الأنظمة الدفاعية الإماراتية لعدة صواريخ حوثية. وأفاد شهود عيان بأنهم سمعوا دوي 4 انفجارات على الأقل. وزعمت الوكالة الروسية أن الإمارات أعلنت إيقاف الرحلات الجوية وإنشاء منطقة "حظر طيران".

 
أما وكالة The Associated Press فأوردت في تقرير لها أن "مقاطع الفيديو المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر أن السماء فوق العاصمة الإماراتية شهدت إضاءة متقطعة قبل الفجر، مع ظهور نقاط ضوئية تشبه الصواريخ الاعتراضية في السماء.. وأدى إطلاق الصاروخ إلى تعطيل حركة المرور إلى مطار أبوظبي الدولي لمدة ساعة تقريباً".

الإمارات أصبحت ساحة لاختبار التقنيات العسكرية الإيرانية
لا ينبغي الاستهانة بقدرة الحوثيين المدعومين من إيران على وقف الحركة الجوية في مطار دولي كبير، كمطار أبوظبي، فهذه الهجمات تكشف شدة التهديد الإيراني ومداه المتزايد. فقد تحول الحوثيون إلى خطر إقليمي بارز، ووكيل مباشر عن إيران في المنطقة. وقد بات من الواضح أن الإيرانيين يستخدمون هذه الهجمات لاختبار تقنياتهم الخاصة بالطائرات المسيرة وصواريخهم الجديدة.

في يناير/كانون الثاني 2021، ذكرت تقارير أن إيران أرسلت 136 طائرة مسيرة من طراز "شاهد 136" إلى اليمن، ويبلغ مدى التحليق الخاص بهذه الطائرة نحو 2000 كيلومتر.

أبدت إسرائيل تضامنها مع الإمارات في مواجهة الهجمات الحوثية. ومع ذلك، فإن السياق العام لتوسيع الحوثيين نطاق هجماتهم إلى سماء أبوظبي يؤكد أن الخطر الإيراني في المنطقة تسارع نموه حتى باتت هجماته تمتد عبر قوس يبلغ نحو 3 آلاف كيلومتر من لبنان إلى الخليج، بحسب الصحيفة العبرية.
ما يعني أن إسرائيل هي الأخرى قد تكون مستهدفة من قبل الحوثيين الذين قد يلجأون إلى استهداف مناطق في إسرائيل لأسباب عديدة منها تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة، ومن ناحية ثانية لكسب الدعم والتأييد العربي في حال كان المستهدف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الهدف من الهجوم الحوثي على الإمارات

الضربة الجديدة للإمارات مرتبطة بشكل واضح بالمعارك الدائرة في منطقة شبوة ومحيطها. فهناك تحقق ألوية العمالقة، المدعومة من الإمارات، تقدماً ملحوظاً في المعارك مع الحوثيين، حسبما ورد في تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.
فقد حققت القوات المدعومة من الإمارات في الأسابيع الأخيرة مكاسب مثيرة للإعجاب في شبوة. وهدد الحوثيون بالتصعيد، واستولوا على سفينة إماراتية قبالة الساحل ونشروا مقاطع رسوم متحركة تُظهِر استهداف اليمن لدبي.

ويقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي إن "معركة شبوة قامت بتغيير معادلة الصراع في اليمن"، مشيراً إلى أن دخول قوات العمالقة أدى إلى "عكس التقدم العسكري" الذي حققه الحوثيون على الأرض في الفترة السابقة.

وبحسب المذحجي، فإن ذلك "أثار خوف وقلق الحوثيين بشدة، ودفع (بهم) إلى إرسال هذه الرسالة العسكرية إلى قلب الإمارات". فالحوثيون يريدون وقف تلك المعارك وإجبار الإمارات على التفاوض.
خلف الهجوم الذي شنه الحوثيون على أبوظبي ثلاثة قتلى على الأقل وعدد آخر من الجرحى، مواقع التواصل

وتدَّعي وسائل الإعلام الإيرانية أن الإمارات قامت "بخدعة في ما يتعلَّق بالانسحاب من اليمن". فقالت وكالة تسنيم الإيرانية: "واصلت الإمارات، التي تدَّعي الانسحاب من الحرب اليمنية منذ منتصف 2019، خططها لاحتلال البلاد، مثلما يتضح مما تصفه وسائل الإعلام الإيرانية جشع الإمارات المتصاعد في جنوب اليمن. بالإضافة إلى ذلك، تفتح الإمارات الجزر اليمنية أمام إسرائيل وتحاول تغيير الأوضاع الديموغرافية في مناطق اليمن الجنوبية"، حسب الرواية الإيرانية.
وادَّعت وكالة Associated Press (أسوشيتد برس) الأمريكية في مايو/أيار الماضي بناء قاعدة جوية جديدة في جزيرة ميون الاستراتيجية التي تقع في مدخل البحر الأحمر. وزعم كثيرون أنَّها مرتبطة بالإمارات.

الإمارات كانت قلقة بالفعل من هجمات الحوثيين

شعر الإماراتيون بالقلق منذ 2018، حين استهدفهم الحوثيون لأول مرة. وقد هاجم الحوثيون بالفعل حقل الشيبة النفطي بالسعودية في أغسطس/آب 2019 وهددوا الإمارات في سبتمبر/أيلول 2019.
تعتقد إيران أنَّ الحرب تحولت العام الماضي لصالح الحوثيين، الذين تدعوهم "الجيش اليمني" و"أنصار الله". وتقول طهران إنَّه "منذ 2019، حين بدأت ذروة هجمات الصواريخ والطائرات 

دون طيار اليمنية في عمق السعودية، كانت الإمارات قلقة للغاية من تكرار هذا السيناريو لديها".
و"السيناريو" المقصود هنا هو تكرار هجوم أبقيق والهجمات الأخرى على السعودية. وساهمت إيران في تعزيز برنامج الطائرات دون طيار الحوثية منذ 2017. وصعَّد الحوثيون هجماتهم على المملكة. في الحقيقة، استخدمت إيران في عام 2019 أيضاً كتائب حزب الله في العراق لمهاجمة السعودية باستخدام الطائرات دون طيار. ثُمَّ وُصِفَ الهجوم بعد ذلك بأنَّه آتٍ من اليمن.
وحسابات إيران هنا واضحة. فقالت وكالة تسنيم: "تعي الإمارات، التي تجني معظم دخلها من السياحة والاستثمارات الأجنبية وأبراجها الضخمة، جيداً أنَّ أي خطوة خاطئة في اليمن سيكون لها تداعيات لا تُحتَمَل. في الواقع، هذه المنشآت الاقتصادية بالإمارات إضافة إلى الاستثمارات في اليمن هي كعب أخيل (نقطة ضعف) البلاد في حرب اليمن".
وتستنتج إيران أنَّ الإمارات كانت تريد مواصلة دورها في اليمن لكنَّها "قلقة للغاية بشأن خطوة الحوثيين باستهداف العمق الإماراتي"، وبالفعل تحققت أسوأ مخاوفها.

لماذا استهدف الحوثيون هذه المنطقة تحديداً؟

تقول وسائل الإعلام الإيرانية إنَّ الحوثيين حللوا الأهداف الإماراتية وخلصوا إلى أنَّ "منطقة المصفاة الصناعية في أبوظبي، التي استُهدِفَت، هي أبرز منطقة صناعية في الإمارات. ويقع أقدم موانئ الإمارات في نفس المدينة، حيث توجد شركات ومصانع كبرى للتشييد والصناعات الثقيلة، ومصانع وشركات للصناعات الخفيفة وشبه الثقيلة، وشركات تكنولوجيا وهندسة صناعية دولية كبرى (عادةً ما تكون أمريكية وأوروبية)، وشركات وصناعات (التكنولوجيا الفائقة)". لقد صُمِّم هذا الهجوم ليكون شبيهاً بهجوم "بيرل هاربور" الذي نفذه اليابانيون ضد أمريكا في مستهل الحرب العالمية الثانية.
يقول التقرير إنَّ الإمارات استثمرت بقوة في هذه المناطق، "لا سيما في قطاع الذكاء الاصطناعي، ويُعَد جزء آخر من المنطقة مركزاً لشركات السيارات الكبرى مثل Audi وMercedes-Benz وBentley".
وخلُص التقرير الإيراني إلى أن الحوثيين سيضربون الإمارات أكثر فأكثر ما لم يحصلوا على ما يريدون، وهو وقف العمليات على جبهة شبوة، حيث تدعم الإمارات القوات اليمنية الشرعية.
الهجوم الذي تعرضت له أبوظبي أوقع خسائر مادية وبشرية، الإمارات/أسوشيتد برس
والمغزى هو أنَّ نصيحة الإيرانيين للحوثيين هي أن يستخدموا الهجوم على الإمارات من أجل وقف معركة شبوة حتى يمكنهم السيطرة على مأرب. إنَّه هجوم استراتيجي لتحقيق هدف تكتيكي.
ويزعم الحوثيون المدعومون من إيران أنَّ الهجمات التالية ستكون أسوأ ما لم تفعل الإمارات ما يريدون.
هدف إيران من هجوم الإمارات هو أنَّها تريد إعادة تشكيل المنطقة وإظهار أنَّه بإمكاننا استهداف أي بلد عبر هجوم مباشر أو من خلال وكلائها في لبنان وغزة واليمن والعراق وسوريا. لقد كان الهجوم على أبوظبي رسالة للمنطقة والولايات المتحدة وكذلك للإمارات.

رغم امتلاكها قوة عسكرية كفؤة، الإمارات لديها نقطة ضعف كبيرة

تهدف إيران والحوثيون من هذا الهجوم لاستغلال أكبر نقاط ضعف الإمارات، فرغم أنها تمتلك واحداً من أكفأ جيوش منطقة الخليج، وتواصل مراكمة السلاح مثلما بدا من صفقتها لشراء طائرات رافال الفرنسية وقبلها مساعيها لشراء إف 35 الأمريكية، وأخيراً شراء صواريخ مضادة للطائرات والصورايخ من كوريا الجنوبية، فإن نقطة ضعف الإمارات هي أنها أكثر بلدان المنطقة انفتاحاً خاصة في مجالات السياحة والعقارات والتجارة والصناعة ذات البعد الدولي.
وتقدم الإمارات نفسها كملاذ آمن للاستثمارات ومقر للشركات الدولية بالمنطقة، كل ذلك في حال أي هجوم عليها يصبح ذا تأثير معنوي مضاعف، فلا يمكن أن السائحين أو المستثمرين الأجانب سيأتون إلى دبي وهي معرضة لهجمات صاروخية حتى لو كانت خسائرها البشرية محدودة. 

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مديرة "منتدى الخليج الدولي" للأبحاث دانيا ظافر قولها: "يبدو أن الحوثيين يعرفون أن سمعة الإمارات في صميم أهدافها الاستراتيجية"، مشيرة إلى أنهم "يأملون بتحقيق ضربة موجعة مع تكلفة متدنية لهم".