بقيت الانتخابات في إيران تنافسية نسبيًا منذ أن حقق المرشح الإصلاحي "محمد خاتمي" فوزًا مفاجئًا في الانتخابات الرئاسية عام 1997 ولكن يبدو أن هذا الوضع سيتغير، ففي الانتخابات المقبلة، المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران، من المؤكد أن كبير القضاة الحاليين "إبراهيم رئيسي" سيفوز ويصبح الرئيس الثامن لإيران، وسيكون فوزه نتيجة هندسة ما قبل الانتخابات من جانب مجلس صيانة الدستور.
والمجلس هو هيئة مؤلفة من 12 عضوًا من الحقوقيين ورجال الدين متحالفين بشكل وثيق مع المرشد الأعلى "علي خامنئي" والذي يفحص المرشحين للمناصب. ومن بين 592 مرشحًا، وافق مجلس صيانة الدستور على 7 رجال فقط، أبرزهم "رئيسي".
وشعر الشارع الإيراني بالصدمة نتيجة قرار مجلس صيانة الدستور باستبعاد العديد من الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل، حيث رفض المجلس ترشيح "علي لاريجاني"، الذي خدم أطول مدة كرئيس للبرلمان، ويقدم حاليًا المشورة للمرشد الأعلى، وقاد المفاوضات التي أسفرت عن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الإيرانية الأخيرة مع الصين. كما مُنع من الترشح نائب الرئيس "إسحاق جهانجيري"، الذي ابتعد عن الرئاسة على مدى السنوات الثماني الماضية، وكذلك الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد".
وقد كشفت الانتقادات الموجهة لقرار المجلس عن نفاق النخبة السياسية الإيرانية. وانتقد شقيق "لاريجاني"، " صادق"، استبعاد أخيه وسخر من "الجهاز الأمني" الذ ي يتدخل في عملية التدقيق، بينما دان "حسن الخميني"، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، تقويض المجلس للمؤسسات الجمهورية للنظام، ووصفه بأنه "معاد للثورة" ونصح المرشحين المعتمدين بالانسحاب من السباق. وانضم "أحمدي نجاد" إلى ملايين الإيرانيين الذين يقولون إنهم يخططون لمقاطعة الانتخابات.
ودافع "خامنئي" في البداية عن خيارات مجلس صيانة الدستور، بالرغم أنه ادعى لاحقًا أن بعض المظالم قد ارتكبت أثناء عملية التدقيق، إلا أنه لم يطالب بإجراءات حيال ذلك. ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب تفكير المرشد الأعلى في إجراء تغييرات هيكلية بما في ذلك تحويل النظام الرئاسي في البلاد إلى نظام برلماني أو استبدال دور المرشد الأعلى بمجلس متعدد الأشخاص.
ومن شأن نظام برلماني أن يحد من النزاعات بين مكاتب المرشد الأعلى والرئيس في ظل النظام الإيراني الحالي. ومن شأن إلغاء منصب المرشد الأعلى أن يساعد ابنه في الحفاظ على نفوذه في الغرف الخلفية بعد وفاته. ويعني وجود رئيس مطيع مثل "رئيسي" إلى جانبه أن "خامنئي" سيواجه مقاومة داخلية قليلة في سياق تحول غير مسبوق في النظام السياسي الإيراني.
ميدان لعب غير محسوب
عندما نشر مجلس صيانة الدستور قائمته النهائية للمرشحين المعتمدين في 25 مايو/أيار، غمر الإيرانيون وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع من فيلم "الديكتاتور"، وهو فيلم يلعب فيه "ساشا بارون كوهين" دور طاغية شرق أوسطي. وفي أحد المشاهد، يشارك الديكتاتور في سباق يبدأ بإطلاق نار مسدسه في الهواء ثم يقوم بإطلاق النار على المتسابقين الآخرين. وكان هذا بمثابة إشارة إلى "رئيسي"، الذي اشتهر بتورطه كمدع عام في إعدام آلاف السجناء السياسيين في أواخر الثمانينيات.
ولا يشكل أي من منافسي "رئيسي" أي ثقل أمامه. أحدهما، مستشار الأمن القومي السابق وكبير المفاوضين النوويين "سعيد جليلي"، وقد دعم "رئيسي" في الانتخابات الرئاسية لعام 2017. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الفجوة بينه وبين "رئيسي" لا يمكن التغلب عليها. وينطبق الأمر نفسه على المنافس الآخر "محسن رضائي"، القائد العام السابق للحرس الثوري. وفي السابق، حصل "رضائي" على 4 ملايين صوت فقط وهو رقم قليل مقارنة بما حصل عليه "روحاني". كما أن "أمير حسين غازي زاده" و"علي رضا زكاني"، أعضاء حاليون في البرلمان ولا يمثلون أي تحد، وقد انسحب "زكاني" في 16 يونيو/حزيران، ومن المرجح أن يفعل "غازي زاده" الشيء نفسه قبل يوم التصويت. ولم يكن المرشح الإصلاحي الشكلي، "محسن مهرال زاده"، الحاكم السابق لإقليم أصفهان، مدعومًا حتى من قبل الائتلافات الإصلاحية وقد انسحب أيضًا في 16 يونيو/حزيران، مما زاد من تضييق المجال.
ويعتبر الشخص الوحيد الذي يمكنه حشد بعض الدعم الشعبي هو "عبد الناصر همتي"، الرئيس التكنوقراطي السابق للبنك المركزي الإيراني. وقد بدأ العديد من الوسطيين والإصلاحيين في اعتباره الخيار الأقل سوءًا بسبب برنامجه التقدمي نسبيًا ومشاركة زوجته النشطة في حملته. ومع ذلك، من غير المرجح أن يمثل تهديدا لفوز "رئيسي".
نهاية الجمهورية
غالبًا ما يشير النظام النظام الإيراني إلى ارتفاع معدلات إقبال الناخبين لدعم مزاعمه بالشرعية، حتى لو كان على الناخبين دائمًا الاختيار من بين مجموعة محدودة من المرشحين المختارين مسبقًا. لكن في الواقع، تفاوتت معدلات المشاركة على نطاق واسع. وفي السنوات الأخيرة، تسببت ممارسات مجلس صيانة الدستور في انتشار اللامبالاة السياسية. وتتوقع الاستطلاعات الأخيرة نسبة إقبال منخفضة تاريخيًا تبلغ حوالي 40%. ومن المرجح أن يؤدي استمرار الجائحة إلى تقليل المشاركة.
ولا يسبب ذلك سوى القليل من القلق للفصيل المتشدد في إيران والذي لا يهتم بشكل أساسي بتعزيز الشرعية من خلال انتخابات تنافسية. وبدلاً من ذلك، قرر "خامنئي" تعيين حليف تابع في منصب الرئاسة لإكمال سيطرة المتشددين على جميع أدوات السلطة في لحظة حرجة. ويعتقد معظم المراقبين أن هندسة الانتخابات لصالح "رئيسي" هي حيلة لتهيئته ليصبح المرشد الأعلى، بنفس الطريقة التي خلف بها "خامنئي" المرشد الأعلى الأول لإيران، "آية الله الخميني"، في عام 1989، بعد أن شغل منصب الرئيس. ووفقًا لوجهة النظر هذه، إذا أصبح "رئيسي" المرشد الأعلى، فإن افتقاره إلى المؤهلات الثورية والدينية سيجبره على الاعتماد على مكتب "خامنئي" لتكون حكومة ظل يلعب فيها "مجتبى" نجل "خامنئي" دورًا رئيسيًا.
ويجادل آخرون بعكس ذلك حيث يرون أن المرشد الأعلى يعتبر "رئيسي" تهديدا وأنه من خلال ترقيته إلى منصب الرئاسة، فإن "خامنئي" يهيئه للفشل. وبصفته رئيسًا للسلطة القضائية، واجه "رئيسي" مجموعة محدودة من التحديات وهو مسؤول فقط أمام "خامنئي"، لكن كرئيس سيواجه العديد من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وسط مواجهة مع الغرب بشأن سياسات إيران النووية والإقليمية. ومع تآكل مصداقية "رئيسي" بسبب أعباء الرئاسة، يمكن "لخامنئي" أن يصعّد وريثه المفضل.
ولا توجد فرضية مقنعة. وبمجرد توليه منصبه كمرشد أعلى، لن يظل "رئيسي" بالضرورة معتمداً على مكتب "خامنئي" أو أسرته ويمكنه تهميشهم بالطريقة نفسها التي قام بها "خامنئي" نفسه بتهميش عائلتي "الخميني" و"رفسنجاني" اللتين ساعدته في الوصول إلى قمة السلطة السياسية. ومن الصعب تصديق أن "خامنئي" وعائلته وأنصاره سيتغاضون عن تحذير مكيافيلي: "لا تكن سببا في أن يصبح شخصًا آخر قويًا لأنه سيكون قادرا على تحطيمك".
وتعتبر الفرضية الثانية أقل احتمالا، ولكن هناك فرصة جيدة لأن يتم استعادة الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى بحلول الوقت الذي يتولى فيه "رئيسي" منصبه. في هذه الحالة، سيبدأ رئاسته من خلال جني الأرباح الاقتصادية للصفقة والحصول على الفضل في تعافي البلاد من "كورونا" أيضًا، بالنظر إلى احتمالات توفر أكبر للقاحات بحلول ذلك الوقت. ولهذا إذا كان "خامنئي" يحاول إعداد منافس ليفشل، فقد اختار وقتًا غريبًا للقيام بذلك.
إن التفسير الأكثر ترجيحًا لقيام "خامنئي" ومجلس صيانة الدستور بشكل حاسم بمساعدة "رئيسي" هو أن لديهم سببًا للاعتقاد بأنه لن يعارض التغييرات الهيكلية الرئيسية التي من شأنها أن تضع النظام على أسس أكثر استقرارًا مع ضمان البقاء لعائلة "خامنئي" ورؤيته للثورة.
وقد يهدف المرشد الأعلى إلى تحويل النظام الرئاسي الإيراني إلى نظام برلماني أو استبدال دور المرشد الأعلى بمجلس يتولى المسؤولية بمجرد وفاته. وقد ألمح لهذا قبل عقد من الزمن، عندما قال: "إذا شعرت يومًا ما أن النظام البرلماني هو أكثر ملاءمة لانتخاب المسؤولين عن السلطة التنفيذية، فلن تكون هناك مشاكل في إجراء تغييرات على النظام".
ومن شأن النظام البرلماني أن يقلل الاحتكاك بين مكاتب المرشد الأعلى والرئيس، وهو الأمر الذي أصبح واضحا في الهيكل السياسي الإيراني المتشعب. وسيسهل على البرلمان إقالة الرئيس "التنفيذي" واستبداله دون أن يمثل ذلك تحديا للمؤسسات الدينية غير المنتخبة، مما يعزز سيطرة المرشد الأعلى.
كما أن استبدال منصب المرشد الأعلى بمجلس يضم عددا من الأشخاص سيسمح لـ"مجتبى" نجل "خامنئي"، بالاحتفاظ بقدر كبير من التأثير وراء الكواليس حتى بعد وفاة والده. وبعد تهميش عائلة "الخميني" وسجن أبناء "رفسنجاني" نفسه، فإن "خامنئي" محق في الخوف من مصير مماثل لابنه الذي يمكن أن يضمن حماية إرث "خامنئي" وأجندته الاستراتيجية.
وقد لا تكون مثل هذه التغييرات المهمة الهدف النهائي لـ"خامنئي". قد يرغب فقط في أن يكون الرئيس الجديد (وربما الأخير) أقل إزعاجًا من الرؤساء الأربعة السابقين، الذين غالبًا ما تسببوا له في كثير من الصداع. لكن إذا كان يسعى إلى تحول، فمن المؤكد أن الرئيس المطيع سيساعده.
المصدر | علي فائز/فورين أفيرز