بعد 20 عاماً من القتال، تحاول حركة "طالبان" استرضاء العالم. لكن مشكلة أصعب من ذلك تواجه حكام أفغانستان الجدد في الداخل، هي الفوز بقلوب وعقول شعبهم بدءاً من العاصمة.
فمنذ دخلت الحركة كابول في 15 أغسطس (آب)، يتجول مسلحوها في الشوارع بملابس القتال، ومن دون تسلسل قيادي واضح في أغلب الأحيان. لكن كثيرين من سكان المدينة ليسوا معتادين على هذا المشهد، كما لم تساعد أساليبهم الأمنية القاسية في تحسين صورتهم.
وتأقلم أحمد، وهو معلم من كابول كان طفلاً صغيراً عندما حكمت "طالبان" البلاد المرة السابقة قبل 20 عاماً، مع صدمة رؤية عناصر الحركة في الشوارع. ولكن بعد مضي أسابيع على سقوط المدينة في أيديهم، لا يشعر أحمد بانسجام أكبر مع وجودهم.
قال أحمد ابن المدينة بنفور متحدثاً عن العناصر المنحدرين من الريف، "الناس في كابول يكرهونهم". ورفض الإفصاح عن لقبه خوفاً من الانتقام.
وأضاف، "انظر إليهم، إنهم أناس مظهرهم متوحش وقذر وغير متعلمين وشعورهم طويلة وملابسهم متسخة. لا يتمتعون بآداب سلوكية على الإطلاق".
اللباس واللغة
وبعد 20 عاماً من الوجود الغربي، لم تعد كابول ذلك المكان المتداعي الذي سيطرت "طالبان" عليه في عام 1996.
ومع أنها لا تزال غير نظيفة وحركة المرور فيها فوضوية وتعاني من فيضان مياه الصرف وانقطاع الكهرباء وعدم وصول المياه إلى مناطق عديدة، إلا أنها تحظى بثقافة المناطق المتحضرة الحيوية التي تختلف تماماً عن الخلفية الريفية البسيطة لدى أغلب عناصر "طالبان".
وبتردد أطلق أحمد، وهو من مشجعي فريق برشلونة لكرة القدم وتعجبه الأفلام الهندية، لحيته وبدل ملابسه ذات الطراز الغربي بالزي التقليدي (بيراهان تونبان) لتجنب لفت الأنظار عند المرور بنقطة تفتيش لـ"طالبان".
وبدلاً من الحديث بلغة الداري، اللغة الأكثر استخداماً في كابول، يحرص أحمد على مخاطبة أي عضو في الحركة يقابله بالبشتو، وهي لغة الجنوب والشرق، حيث ينحدر معظم المسلحين.
وقال "لم يكونوا داخل مدينة قط ولا يتحدث معظمهم الداري، تسمع، إضافة إلى البشتو، العربية أو الأردية ولغات أخرى... إنهم يضربون الناس في الشارع بأسلحتهم. الناس يخشونهم كثيراً".
محاولات طمأنة
ويقول قادة "طالبان" إنهم يريدون أن يشعر سكان كابول بالأمان، لكنهم يقرون بأن الانهيار السريع للحكومة المدعومة من الغرب فاجأهم ولم يترك لهم وقتاً للتخطيط لإدارة مدينة يزيد عدد سكانها على خمسة ملايين نسمة.
ويقرون أيضاً بأن عناصرهم، الذين لم يختبروا شيئاً تقريباً بخلاف سنوات من الحرب، ليسوا شرطة مدربة على التعامل مع عامة الناس.
وتقول الحركة، إن حكومتها تختلف عن تلك الإسلامية المتشددة التي حكمت البلاد من عام 1996 إلى 2001، ووعدت بعدم ممارسة العقوبات التعسفية مشيرةً إلى أن الدوريات الأمنية لديها أوامر بمعاملة الناس باحترام.
وقال سيد رحمن حيدري، الذي يقود دورية لـ"طالبان" في كابول، "إذا حدثت مشكلة في أي مكان، سواء كان لصاً أو معتدياً أو مسلحاً... أبلغونا فقط عند مواجهة شيء كهذا وسنتابعه بجدية ونعتقل المجرمين".
عندما كانت "طالبان" في السلطة سابقاً، كانت الشرطة الدينية تضرب من ينتهك القوانين، واكتسبت الحركة سمعة سيئة في العالم بسبب عمليات الإعدام العلنية وبتر الأطراف.
وهذه المرة، تم فض احتجاجات عدة بإطلاق النار في الهواء. واعتُقل أناس وتعرضوا للضرب بأعقاب البنادق والقضبان الحديدية.
وتعهد قادة "طالبان" بالتحقيق في أي واقعة إساءة معاملة، لكنهم أمروا المحتجين بطلب تصريح قبل التظاهر.
تخطي الخوف
ويرى بعض الأفغان أن سمعة تحقيق العدالة بسرعة وصرامة تمنح طمأنينة للمدينة التي كانت تشهد إلى جانب هجمات "طالبان" الانتحارية عمليات خطف وقتل وسرقات عنيفة تزايدت في السنوات الأخيرة.
وقال السائق عبد الستار الذي ينقل الركاب حول منطقة ساحة دار الأمان، "أرى أن الأوضاع الأمنية تغيرت منذ قدوم حكومة الإمارة الإسلامية... كان هناك كثير من لصوص الهواتف المحمولة في المنطقة، لكنهم أقل الآن".
وفي ظل عدم وجود شرطة محلية مرتشية، قال إنه استطاع خفض أسعاره من 30 أفغاني إلى 20.
وقال حيدري القيادي في "طالبان"، إن الناس "يجب ألا يكون في قلوبهم أي خوف. نحن في خدمتهم ليل نهار". لكنها رسالة غامضة البعض غير مستعد لتصديقها.
وتقول عائشة التي تبلغ من العمر 22 سنة، وعملت لحساب مؤسسة إعلامية قبل سقوط كابول، إنها رأت نساء يتعرضن للضرب مرات عدة على يد "طالبان"، وإنها لا تخرج من منزلها إلا للضرورة القصوى.
وأضافت، "إنهم أشخاص خطيرون جداً، يمكنهم ضرب النساء وإهانتهن. لا يهمني ما يقوله قادتهم، إنهم متوحشون جداً".