السبت 23 تشرين الثاني 2024

كثيرون فقدوا مصدر رزقهم.. كيف يتعامل السودانيون مع وقف خدمات الإنترنت منذ انقلاب البرهان؟


النهار  الاخبار يه وكالات 

قطع الإنترنت ووقف شبكات الهواتف بات أول خطوة تتخذها سلطات الانقلاب بهدف السيطرة على ما يحدث على الأرض، لكن في السودان وجد الرافضون طرقاً بديلة للتواصل والاتصال.

وكان السودانيون والعالم قد استيقظوا، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات، شملت رئيس الوزراء المقال حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه وقادة قوى "إعلان الحرية والتغيير"، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.

قرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، كما حل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد.  اللحظة الأولى لتلك الأحداث، انقطعت شبكات الهواتف والإنترنت في السودان، حيث انقطعت خدمات الإنترنت على الهواتف المحمولة انقطاعاً كاملاً، باستثناء فترة وجيزة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول. ومنذ ذلك الوقت خرجت مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد، رفضاً لما وصفوه بالانقلاب العسكري، بينما نددت أغلب الدول الغربية بما حدث.

قطع الإنترنت مستمر
ونشرت صحيفة The Independent البريطانية تداعيات قطع خدمات الاتصال في السودان، وكيف يتعامل معها الناس على الأرض، في تقرير بعنوان "السودانيون يجدون طرقاً لتجنب انقطاع الشبكة". إذ لم يمنع انقطاع الشبكات الذي أعقب الانقلاب العسكري المواطنين السودانيين من التواصل مع بعضهم ومع أقاربهم خارج السودان، وذلك باستخدام شرائح هاتف دولية، لنقل المعلومات المهمة.

وقالت منظمة Netblocks المعنية بمراقبة حرية الإنترنت إن هذه الانقطاعات استمرت حتى يوم الخميس 4 نوفمبر/تشرين الأول، أي 11 يوماً بعد الانقلاب، وقالت إن انقطاعات شبكات الهواتف تزامنت مع قطع الإنترنت، ولا يزال الموقف على حاله دون تغيير.

البرهان يعفي سفراء السودان
القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان – رويترز
وقالت جماعات معنية بالحقوق الرقمية إن ما يحدث محاولة متعمدة من الجيش لإخفاء ما يحدث عن المواطنين -وبقية العالم- أثناء استيلائه على السلطة، وأشارت إلى قطع الإنترنت سابقاً حين قُتل محتجون، في إشارة إلى فض اعتصام القيادة في يونيو/حزيران 2019.

لكن هذا الانقطاع في الإنترنت، والذي يأتي في سياق سياسي، كانت له تداعيات أخرى على الشق الاقتصادي، إذ أدى أيضاً إلى خنق التجارة الإلكترونية، التي تعد بصيص أمل في اقتصاد دمرته السياسة والجائحة.

تداعيات اقتصادية لقطع الإنترنت في السودان
وقالت فيليسيا أنطونيو، الناشطة في حملة #KeepItOn بمنظمة Access Now، للصحيفة البريطانية: "الناس في أنحاء السودان لا يمكنهم الوصول إلى أبسط الخدمات عبر الإنترنت -مثل إرسال الأموال أو تلقيها، أو التواصل مع العائلة والأقارب- ويحتمل. جداً أن تفوتهم معلومات حيوية".

وأضافت: "وبدون الإنترنت، لن يتمكن العالم من رؤية الصورة الكاملة لما يحدث في السودان، فلا يمكننا معرفة الحجم الحقيقي لإزهاق الأرواح وانتهاكات حقوق الإنسان، وعدد المتظاهرين الذين قُتلوا".

وترى فيليسا أن تعطيل خدمات الإنترنت بشكل عام في أي مكان في العالم يسبب ضرراً بالغاً خلال أكثر الأوقات استقراراً، لكن تلك الانقطاعات قد تسبب دماراً كاملاً أثناء العنف أو أوقات الأزمات، كما هو الحال الآن في السودان.

وهذه ليست المرة الأولى التي يفرض فيها السودان قيوداً على الإنترنت -تشمل قطع الإنترنت وقيوداً على الشبكات الاجتماعية- في مواجهة الاضطرابات السياسية. فخلال احتجاجات 2018/2019، منعت السلطات المرور إلى منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية لمدة 68 يوماً.


آلاف السودانيين احتشدوا للتظاهر ضد الانقلاب رغم قطع الاتصالات- رويترز
وأدى قطع الإنترنت في الهواتف المحمولة إلى انقطاع السودان عن الإنترنت لمدة 36 يوماً، بدءاً من يونيو/حزيران عام 2019، بعد أن نفذت قوات الأمن مداهمة على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، والذين كانوا معتصمين أمام مقر قيادة الجيش، أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص.

ومن هذا المنطلق، تخشى الجماعات الحقوقية أن يكون هذا القطع الجديد للإنترنت تحذيراً من أن عنفاً بحق المتظاهرين قد يتبعه قريباً. وطالبت الأمم المتحدة وعدد من الحكومات الأجنبية الجيش السوداني برد خدمات الإنترنت في الحال. ولم تُدلِ قيادة الجيش بأي تعليق على تعطيل الإنترنت.

كيف يتعامل السودانيون مع قطع الإنترنت؟
ولكن بعد أن تعلم المواطنون السودانيون الدرس من الانقطاعات السابقة، فهم يحاولون جاهدين الحفاظ على تواصلهم، بحسب الصحيفة البريطانية. ومن ضمن هذه المحاولات استخدام خدمات التجوال على شرائح هواتف دولية مرسلة من الخارج، ونقل المعلومات من منطقة إلى أخرى عن طريق سائقي الدراجات النارية.

وتتنقل لجان المقاومة في الأحياء أيضاً من منزل إلى منزل، لتبلغ عن نقاط تمركز قوات الأمن، وتقدم المشورة بشأن السلامة، وتوزع منشورات عن الاحتجاجات. وبالنظر إلى سهولة إجراء المكالمات الدولية للعديد من المواطنين مقارنة بالمكالمات المحلية، ساهم المواطنون السودانيون المغتربون بدور حيوي أيضاً.

يقول حميد خلف الله، وهو ناشط حقوقي سوداني يعيش في إيطاليا: "الناس يشعرون بعزلة كبيرة. ولا يعرفون ما يجري وإن كان أقاربهم بأمان أم لا، وهذا مخيف كثيراً". وأضاف: "ولذا يتولى الأشخاص الذين يعيشون في الخارج مثلي مهمة نقل المعلومات، وأنا أتصل بأقرباء لي وأنقل رسائلهم إلى أقارب آخرين".

وقال خلف الله إن السودانيين في الخارج يساهمون أيضاً في نشر المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي، حرصاً على توصيل أصوات رفاقهم في الوطن إلى المجتمع الدولي.

يقول موقع DataReportal إن السودان يضم حوالي 14 مليون مستخدم للإنترنت، أي ما يقرب من 30% من سكان البلاد البالغ عددهم 44 مليون نسمة.

ويعتمد كثيرون على خدمة الإنترنت عبر الهاتف المحمول في أنشطتهم اليومية -لا للإلمام بما يحدث والدردشة فقط وإنما لتحويل الأموال وكسبها أيضاً- من العاملين المؤقتين مثل السائقين الذين يعتمدون على تطبيقات التوصيل إلى أصحاب المطاعم الافتراضية.

ولا تشك أبرار محمد علي، وهي مواطنة سودانية وعضوة في شبكة الحقوق الرقمية الإفريقية، التي تضم عدداً من النشطاء والباحثين العاملين في مجال الحقوق الرقمية في المنطقة، في أن هذا التعطيل أثر على قدرة الناس على كسب المال.

حمدوك
رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك 
وقالت: "خلال الجائحة، نقل يثيرون  أعمالهم إلى الإنترنت أو بدأوا أعمالاً تجارية إلكترونية جديدة مثل بيع المثلجات، أو تقديم خدمات التجميل أو الحرف على. مواقع مثل فيسبوك وإنستغرام، ولذلك تأثروا بهذا الانقطاع". وقالت أبرار للصحيفة عبر الهاتف من لندن: "الإنترنت وسيلة الناس البسطاء لكسب القليل من المال".

وتقدر منظمة الخصوصية الرقمية Top10VPN.com أن التعطيل الحالي للإنترنت كلف البلاد حتى الآن ما يقرب من 43 مليون دولار. يقول سَيمون ميليانو، رئيس قسم الأبحاث في منظمة Top10VPN.com: "لا يمكن التقليل من الأثر الاقتصادي لتعطيل الإنترنت".

وأضاف: "من الشركات العاجزة عن إتمام المعاملات أو التواصل إلكترونياً إلى التجار الأفراد الذين يعتمدون على منصات الإنترنت، يؤدي إغلاق الإنترنت إلى توقف حركة الاقتصاد".

وكان السودان يعيش منذ أغسطس/آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام، عام 2020، لكن قرارات البرهان أنهت ذلك وأدت إلى انفراد الجيش بالسلطة.

وحتى الآن لا يزال الحراك السياسي الرافض للانقلاب مستمراً، والسبت 6 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن تجمع "المهنيين السودانيين"، قائد الحراك الاحتجاجي في البلاد عن مقترح إعلان سياسي يشمل تشكيل سلطة انتقالية مدنية مدتها 4 سنوات، واختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة، ومجلس وزراء من كفاءات، وتشكيل برلمان خلال شهرين، وإلغاء الإعلان الدستوري.

جاء ذلك وفق نص الإعلان الذي حمل اسم "الإعلان السياسي لاستكمال ثورة ديسمبر"، ونشره "التجمع" عبر صفحته على "فيسبوك"، لافتاً إلى أنه أعده بمشاركة قوى المقاومة الشعبية والسياسية والاجتماعية والنقابية والمطلبية.

وينص الإعلان على "استكمال الانتقال المدني الديمقراطي بالمقاومة السلمية للانقلاب، وتشكيل سلطة انتقالية مدنية مدتها 4 سنوات، وإلغاء الوثيقة الدستورية الموقعة عام 2019، وما تأسس عليها".

كما يشمل الإعلان السياسي المقترح "اختيار شخصية وطنية مستقلة لرئاسة مجلس الوزراء من قبل القوى الموقعة على الإعلان وميثاق استكمال ثورة ديسمبر/كانون الأول (التي أطاحت بالبشير)، والتي تُفوض لاختيار مجلس وزراء لا يتجاوز العشرين عضواً من كفاءات وطنية ملتزمة وذات موقف سياسي ووطني متسق مع ثورة ديسمبر وأهداف التغيير الجذري دون محاصصة حزبية".

كما ينص المقترح على أن "يكون مجلس الوزراء مسائلاً أمام البرلمان، وأن تتوافق القوى الموقعة على الإعلان والميثاق على اختيار مجلس سيادي مدني مصغر لا يتجاوز الخمسة أعضاء بصلاحيات تشريفية".

ويقترح الإعلان السياسي أيضاً "تشكيل المجلس التشريعي خلال شهرين عبر اختيار القوى الثورية القاعدية في 189 محلية بالبلاد لشخصيات تمثلها، إلى جانب 61 مقعداً مخصصة للتمثيل النوعي (النقابيين والمهنيين والكائنات المطلبية والفئوية الأخرى بما يضمن التمثيل العادل للشباب والمرأة)". إضافة إلى "الشروع في الإعداد لانتخابات عامة شفافة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية يختار عبرها السودانيون من يحكمهم وتكون انطلاقة للتداول السلمي الديمقراطي للسلطة".

كما يطالب الإعلان بـ"إعادة هيكلة القوات المسلحة عبر تغيير عقيدتها لتتماشى مع دورها في حماية الوطن والدستور، وتصفية جهاز أمن حكومة الرئيس المعزول عمر البشير، وتأسيس جهاز أمن قومي جديد مهمته جمع وتحليل المعلومات التي تهم الأمن الوطني وتقديمها للجهات العدلية والتنفيذية".