أعادت كارثة "مستشفى ابن الخطيب"، جنوب العاصمة العراقية بغداد الحديث مجدداً عن مشاريع المستشفيات الحكومية الجديدة التي لم تُنجز لأسباب مختلفة منذ أكثر من عقد من الزمن، على الرغم من توافر الإمكانات المالية لإنجازها خلال هذه الفترة الطويلة.
ويبدو أن الفساد والإهمال كانا السبب الرئيس في عدم إنجاز مستشفيات حكومية جديدة، بعدما بدء العمل بغالبيتها في بغداد منذ عام 2008 ولم ينتهِ حتى الآن بتنفيذ واحدة منها على الأقل، للمساهمة في تخفيف الزخم الكبير من قبل المواطنين على المؤسسات الصحية المتهالكة التي يعود بناء بعضها إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ما أدى الى تراجع خطير في تقديم الخدمات الطبية إلى الشرائح المتوسطة والفقيرة.
ومن أبرز هذه المشاريع المتلكئة منذ عقد من الزمن، "مستشفى القوات المسلحة" وسعته 400 سرير، وسط بغداد، و"مستشفى ابن سينا التعليمي" 600 سرير و"مستشفى الحرية" بـ 400 سرير و"مستشفى الشماعية" 400 سرير و"مستشفى الشعب" 200 سرير و"مستشفى الفضيلية" 200 سرير و"مستشفى النهروان" 200 سرير و"مستشفى الحسينية" بـ 200 سرير و"مستشفى المعامل" بـ 200 سرير.
ولعل حادثة الحريق الكبير الذي اندلع ليل 24 أبريل (نيسان) الحالي، في "مستشفى ابن الخطيب" المخصص لعزل المصابين بفيروس كورونا، الذي راح ضحيته 82 شخصاً و110 مصابين، قد حرّك الملف مجدداً، ودفع البرلمان العراقي إلى عقد جلسة طارئة لمناقشة تداعيات الحادث والوضع السيّء الذي تعاني منه المستشفيات العراقية عموماً. وألزم البرلمان وزارة المالية توجيه التخصيصات اللازمة لإكمال المستشفيات التي وصلت إلى مراحل متقدمة في عموم المحافظات وعدم التحجج بأعذار غير مقبولة.
مشكلات متعددة
ودعت "هيئة النزاهة الاتحادية" في تقرير لها بشأن تقصي الحقائق عن أسباب عدم إنجاز هذه المستشفيات، إلى تخصيص الأموال اللازمة في الموازنة العامة لاستكمال تنفيذ عقود المستشفيات ذات نسب الإنجاز المُتقدِّمة أو قيد الإنشاء، محذرةً من أن بقاءها على حالها من دون إتمامها يسبّب بزيادة نسب اندثارها وصعوبة معالجتها.
وبيّن التقرير أن كثرة ملاحق العقود الموقّعة مع الشركات المنفّذة بهدف إنجازها أو إضافة تعديلات على المشاريع بالمجمل، أثّرت سلباً في البنود الأصلية للعقود، ما أسهم في زيادة مُدَد إنجاز المشاريع لسنوات طويلة وزيادة تكلفتها، مشدداً على ضرورة إشراف وزارة التخطيط على تنفيذ عقود المستشفيات.
ورصد التقرير الذي سُلِّم إلى مجلس الوزراء العراقي وجود "تلكؤ واضح في عمل معظم الشركات المنفّذة للمستشفيات وعدم إنهاء أعمالها ضمن المُدد المحددة لها في العقود المبرمة بينها ووزارة الصحة أو المحافظات"، مبيّناً أن غالبية تلك المشاريع بدأت قبل الأزمة المالية وتوقفت عام 2015، ما أدى إلى وجود نسب اندثار عالية في بعضها، خصوصاً تلك التي لم تصل إلى نسبة 30 المئة من أعمال إنجازها.
وكشف التقرير عن وجود قضايا جزائية لدى دائرة التحقيقات في الهيئة تخص مستشفيات سعة 400 سرير لتحديد أسباب التأخير والأشخاص المتسببين ببطء إنجازها، لافتاً إلى أن التلكؤ والتأخير أجبرا المواطنين المرضى على مراجعة المستشفيات الأهلية لتلقّي العلاج.
الأموال والابتزاز
وأشار عضو لجنة النزاهة النيابية في مجلس النواب كاظم الشمري إلى أن الأزمة الاقتصادية التي مرّ بها العراق خلال الحرب مع تنظيم "داعش" والابتزاز الذي مارسته جهات عدة، كلها عوامل عرقلت إنجاز مشاريع المستشفيات لفترات طويلة، داعياً إلى محاسبة المتسببين بهذا الأمر قبل استئناف العمل من جديد.
ورأى الشمري أن على الحكومة العراقية الشروع بإكمال المستشفيات التي وصلت إلى نسب متقدمة، لا سيما أن "مستشفيات عدة وصلت إلى نسب إنجاز من 50 في المئة وما فوق". وأضاف أن "الهدف الأساس من عرقلة بعض الجهات لتنفيذ هذه المستشفيات هو ضمان وتسهيل إنشاء مستشفيات أهلية في بغداد بهدف الربح على حساب المواطن العراقي البسيط"، لافتاً إلى أن "بعض الجهات استخدم الموضوع انتخابياً وعرقل المشاريع من أجل ألا يُحسَب لجهة سياسية معينة".
وبحسب "هيئة استثمار بغداد"، فإنها رخّصت إنشاء 17 مشروعاً صحياً، غالبيتها لمستشفيات أهلية في مختلف الاختصاصات خلال السنوات القليلة الماضية أُنجز معظمها.
لجنة تحدد الأسباب
في السياق ذاته، شدد الشمري على ضرورة "تشكيل لجنة من ديوان الرقابة المالية ولجنة النزاهة ومن الأمانة العامة لمجلس الوزراء وهيئة النزاهة لتقييم سبب توقف العمل في المستشفيات وتحديد نسب الإنجاز وسبب تلكؤ العمل فيها"، مشيراً إلى أهمية أن تعرض اللجان تقريرها على مجلس النواب لاتخاذ الإجراء المناسب ومعاقبة المتسببين. وتابع أن "أكثر من 8 مستشفيات كبيرة في بغداد عُرقل إنجازها وهي بنسب متفاوتة، فضلاً عن أن مستشفى كربلاء الذي افتتحه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الصيف الماضي لم يبدأ باستقبال المرضى بعد لوجود مشكلات كبيرة في العمل".
إدارة شركات
من جهة أخرى، أعلنت عضوة لجنة الصحة والبيئة النيابية سهام موسى عن توافر المبالغ لإكمال المستشفيات المتلكئة في بغداد وبقية محافظات العراق التي وصلت إلى نسب إنجاز متقدمة"، فيما شددت على ضرورة إدارة هذه المستشفيات بالشراكة بين وزارة الصحة وشركات عالمية متخصصة مع جلب كوادر طبية". وأضافت أن "المبالغ متوافرة لإكمال المستشفيات التي توقّف العمل بها سواء في بغداد وبقية المحافظات من خلال الموازنة الاستثمارية لعام 2021 وكذلك من خلال الوفرة المتحققة نتيجة زيادة أسعار النفط وزيادة سعر صرف الدينار العراقي"، مبينةً أن "عام 2014 شهد إيقاف المشاريع وعدم تنفيذ أخرى بقرار من مجلس الوزراء، لذلك أرجئ بناء المستشفيات التي حقق بعضها نسب إنجاز تراوحت بين 80 و90 في المئة".
جهات معرقلة
وأكدت موسى أن "جهات تعرقل استئناف العمل بهذه المستشفيات وتستغل غياب القانون، كما يحاول بعض الجهات الحصول على هذه المستشفيات من خلال الاستثمار"، محذرةً من انعكاس هذا الأمر على نوعية الخدمات التي ستُقدمها تلك المرافق الصحية في حال أُحيلت إلى تلك الجهات.
ورأت أن "على وزارة الصحة الاستعانة بشركات لإدارة المستشفيات في حال إنجازها، وجلب كوادر صحية من دول معروفة في المجال الطبي مع تزويدها بأحدث أنواع الأجهزة ليكون مستوى الخدمة الطبية جيداً، لا سيما ونحن نشهد نقصاً في الكوادر".
كما شددت موسى على ضرورة "تخصيص بعض المستشفيات للاستقدام الطبي الأجنبي بكوادرها كافة من المنظّف إلى الطبيب لتكون مراكز صحية نموذجية تُخصص للعمليات التي تُجرى خارج العراق"، داعيةً إلى "استقدام أطباء من مختلف دول العالم، إضافة إلى الأطباء العراقيين المغتربين لإجراء العمليات المعقدة مع جلب الأجهزة الطبية الحديثة إلى تلك المستشفيات بدل إرسال المرضى إلى خارج البلاد للخضوع لتلك العمليات، ما يتطلب صرف مبالغ كبيرة".
مؤيد الطرفي