السبت 23 تشرين الثاني 2024

سد النهضة ليس الوحيد.. المياه تشعل التوترات في الشرق الأوسط

لطالما كان تعطيل إمدادات المياه عاملا محفزا للصراع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن أبدًا بمثل الخطورة التي أصبح عليها الآن.
وأعلنت إثيوبيا في 19 يوليو/تموز أنها أكملت الملء الثاني لسد النهضة الذي تقوم ببنائه على النيل الأزرق، وهو رافد رئيسي لنهر النيل الذي يمدّ مصر بأكثر من 90% من احتياجاتها المائية.
تهديد وجودي لمصر
وتزن مصر حاليًا خطواتها الدبلوماسية المقبلة، ففي 8 يوليو/تموز أخبر وزير الخارجية المصري "سامح شكري" مجلس الأمن الدولي أن سد النهضة يمثل "تهديدا وجوديا" وأن تأثير اضطراب تدفق المياه في مصر سيكون مثل "طاعون خبيث".
وصاغت تونس مشروع قرار قدمته لمجلس الأمن، لدعم محاولة مصر إشراك مجلس الأمن للضغط من أجل إبرام اتفاق لإدارة تدفقات المياه النيلية، لكن الواقع أن مثل هذا القرار لن يتحقق.
وبالرغم أن المجلس قد أقر بفداحة المشكلة عبر عقد ثاني اجتماع خلال عامين بشأن النزاع، فإن التوصل لقرار لا يزال بعيد المنال، حيث لا يزال أعضاء المجلس غير مرتاحين لإصدار قرار بشأن "قضايا المياه".
سعي القاهرة لوسطاء
ومع خيبة أمل القاهرة إزاء الموقف الروسي في مجلس الأمن، فإنها تواصلت مع الصين للمساعدة في كسر الجمود، وفق ما أفادته التقارير.
وفي حين أن بكين لم تكن أبدا قوة دبلوماسية رئيسية في المنطقة، فإن لديها علاقات وثيقة مع أديس أبابا، كما استثمرت الصين أيضا في مصر كجزء من مبادرة الحزام والطريق، باعتبارها بوابة للسلع الصينية إلى الأسواق في القارة الأفريقية.

وتعد الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لمصر، ولديها استثمارات ضخمة في مصر، كما تخطط لإنشاء منطقة صناعية في منطقة قناة السويس. وتشارك الشركات الصينية أيضا في بناء العاصمة الإدارية الجديدة.
وهناك زاوية أخرى مثيرة للاهتمام للنزاع تتعلق بوساطة محتملة من إسرائيل التي تتمتع أيضا بعلاقات قوية مع إثيوبيا بالإضافة إلى علاقتها مع مصر. ويأتي ذلك في ظل حرص إسرائيل على المضي قدما في مزيد من اتفاقات التطبيع مع دول القارة.
وبعد الاستماع لمصر في مجلس الأمن، ألقت إدارة "بايدن" بثقلها في دعم وساطة الاتحاد الأفريقي التي أبرزت عدم فعاليتها في العام الماضي.
وتحدث وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في 20 يوليو/تموز مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية "فيليكس تشيسكيدي"، وهو رئيس الاتحاد الأفريقي الحالي، وشدد على أهمية الوساطة في مسألة سد النهضة.
وفي الوقت نفسه، تنخرط مصر في دبلوماسية "النفوذ" الخاصة بها مع جيبوتي وتنزانيا وبوروندي لإضعاف خطط إثيوبيا لاستخدام السد في تصدير الطاقة الكهرومائية إلى البلدان الأفريقية.
توترات إيران والعراق
وتخلق المياه توترات في أماكن أخرى أيضا في الشرق الأوسط.وقد أوقفت السلطات الإيرانية خدمة الإنترنت في محافظة خوزستان المضطربة والتي تشهد احتجاجات على عدم وجود مياه شرب نظيفة.
ويقول الخبراء إن السبب الرئيسي لمشاكل المياه في المقاطعة الجنوبية الغربية هو انخفاض مستويات المياه الناجم عن الجفاف، كما أن هناك دورًا لسوء إدارة موارد المياه أيضا، وقال الناشطون إن قوات الأمن قتلت 3 متظاهرين.
ولا تقتصر أزمة المياه الإيرانية على مقاطعة خوزستان، لكن هذا هو المكان الذي يتجلى فيه الأمر بشكل أكثر حدة، وقد تفاقمت الأوضاع بسبب أزمة الطاقة الإيرانية.
وتعرضت قطاعات المياه والطاقة في إيران للإنهاك بفعل العقوبات والافتقار للإصلاحات وسوء الإدارة، مما جعل تشغيلها يتعثر وأدى إلى احتجاجات إضافية في إيران.
وكان لهذا الأمر تداعيات إقليمية في العراق الذي يعتمد على إيران للحصول على حصة كبيرة من احتياجات الكهرباء والطاقة
وتتعرض إمدادات المياه في العراق أيضا للخطر، حيث دعت حكومة إقليم كردستان العراق المواطنين إلى ترشيد استخدام المياه بسبب انخفاض مستويات المياه الجوفية نتيجة نقص الأمطار والجفاف خلال هذا العام.
وألقى وزير الموارد المائية العراقي "مهدي راشد الحمداني" باللوم على البلدان الأخرى، قائلا إن نقص المياه جاد نتيجة تحويل إيران للمياه من نهر كارون إلى الخليج بدلا من شط العرب، بالإضافة لما وصفه بفشل تركيا في الامتثال لاتفاقياتها المائية (تنشأ مصادر المياه الرئيسية في العراق "دجلة والفرات" من تركيا).

المياه والعلاقات الإسرائيلية الأردنية
وتمثلت إحدى أولويات الحكومة الإسرائيلية الجديدة لرئيس الوزراء "نفتالي بينيت" ورئيس الوزراء البديل ووزير الخارجية "يائير لابيد" في إعادة تعريف العلاقات مع الأردن، وكانت الاضطرابات بشأن المياه في صدارة أجندة محاولة إعادة التعريف هذه.
وهمش رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" الاتفاق الذي تم توقيعه مع الأردن في 2015 تحت رعاية البنك الدولي وبدعم واسع من الولايات المتحدة والمنظمات الدولية، وتضمن المشروع إنشاء خط أنابيب مياه عملاق بين البحر الأحمر والبحر الميت ومرافق تحلية مياه بطوله لكي ينتفع كلا الجانبين من صحراء وادي عربة الفارغة التي يتشاركانها.
وفي مقابل التعاون الأردني في هذا المشروع، تلتزم إسرائيل بإمداد الأردن بحوالي 50 مليون متر مكعب إضافي من المياه المنتجة في محطة تحلية إضافية في الشمال والتي تتدفق منها المياه إلى بحر الجليل ومن هناك إلى الأردن، لكن انهيار المفاوضات بشأن خط الأنابيب يُعزى جزئيًا لتفاقم أزمة المياه في الأردن.
وكانت أولوية "بينيت" عندما قام بزيارة سرية إلى عَمان في وقت سابق من هذا الشهر، هي إتمام الصفقة.
وكشفت مصادر دبلوماسية أن إسرائيل تخطط لقائمة طويلة من الاتفاقات مع المملكة لإعادة تأهيل العلاقة واستعادة العديد من جوانب التعاون.
وتبدي إسرائيل استعدادا لتعزيز إمدادات المياه للمملكة التي تعاني من اضطرابات شريطة أن يسمح الأردن للمزارعين الإسرائيليين زراعة الأراضي الحدودية التي أعادتها إسرائيل إلى الأردن في عام 2019.
وبعد الاجتماع مع الملك "عبدالله الثاني" في 20 يوليو/تموز، أعرب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن دعم الولايات المتحدة لتحسين العلاقات بين الأردن وإسرائيل واستشهد بالاتفاق لتوفير المياه العذبة إلى الأردن كمثال.
المصدر | المونيتور -