التهار الاخباريه وكالات
استقبل كثير من السوريين، سواء كانوا في المناطق التي يسيطر عليها النظام، أو الخارجة عنه، نبأ عودة رفعت، عم رئيس النظام بشار الأسد، إلى سوريا بألم ممزوج بالسخرية، وجرى التندّر بما قالته جريدة «الوطن» شبه الرسمية السورية التي تحدثت عن «ترفّع» رئيس النظام عن «ما فعله وقاله رفعت الأسد وسمح له بالعودة» مشيرة إلى أنه وصل إلى دمشق «منعا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في اسبانيا أيضا».
يقدم الخبر رسالتين، الأولى هي أن رئيس النظام لم يكن راضيا عن أفعال وأقوال العمّ، وأن العودة سببها «ترفّع» أخلاقيّ من الشخص نفسه الذي برّر تهجير أكثر من نصف الشعب السوريّ، ومقتل مئات الآلاف، بدعوى خلق «تجانس» في المجتمع السوريّ.
السبب الآخر، المضمر في خبر الصحيفة، هو أن العودة جاءت منعاً لاعتقال العم الذي صدر قرار بسجنه أربع سنوات في فرنسا، ودعما له بعد مصادرة «أمواله» في أكثر من بلد أوروبي، وكلا الأمرين يعنيان أن الانتماء إلى عائلة الأسد تغفر الأقوال والأفعال، وأنها حصانة أيضا من الأحكام القضائية التي تصدر في الخارج، وأن دماء آل الأسد يجب حفظها، وأن «أقوال وأفعال» العمّ كانت هامشا ضروريا له للعب فالخلافات بين العائلة يمكن حلّها بـ«الترفّع» أما الخلافات مع السوريين، فلا يمكن حلّها سوى بالقمع.
… والحقيقة أن رفعت، الذي غادر البلاد قبل قرابة 40 عاما، كان أحد الدعائم المؤسسة لهذه المبادئ المشار إليها، وكان أحد أركان نظام أخيه الراحل حافظ الأسد الأساسيين، وكان له دوره المعلوم في تنصيب أخيه، بدءا من حصار قواته عام 1969 لمبنى «مكتب الأمن القومي» الذي قضى فيه «انتحارا» مدير المكتب عبد الكريم الجندي، المحسوب على الجناح «اليساري» لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهي الخطوة التي كانت تمهيدا للإطاحة بمجموعة صلاح جديد وبدء الحقبة الأسدية المديدة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 1970 حتى الآن.
لرفعت أيضا «حصة الأسد» في الأسس التي أدت للكارثة الهائلة التي تسبب فيها ابن أخيه، فهو، حسب مصادر وثائقية وحقوقية وتاريخية عديدة، أحد كبار المسؤولين عن مجزرة سجن تدمر عام 1980، التي أودت بحياة مئات السجناء غالبيتهم محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين، وبعدها مجازر مدينة حماه عام 1982، التي حاصرت فيها قوات رفعت، المسماة «سرايا الدفاع» المدينة، وشاركت في قتل عشرات الآلاف من المدنيين.
اعتبر معارضون سوريون أن ما حصل في سوريا بعد الثورة عام 2011، كان قرارا من العائلة الحاكمة، والمركّب العسكري ـ الأمني الذي تديره، باعتماد «درس حماه» في التعامل مع البلاد، وهو «درس» أعيد تذكير السوريين به، في حمص والغوطة ودرعا وبانياس واللاذقية ودير الزور وإدلب وغيرها من المدن والأرياف، بحيث صار الأمر منافسة تاريخية في تعميم القتل بين السياقين، ولم يخلُ الأمر، في بعض لحظات، من مطالبات بعض الموالين لرفعت بعودته ليقوم بإنجاز المهمة بقسوة أكبر.
مهم في هذا السياق، ملاحظة التقاطعات بين الشخصيتين والمشهدين، وكذلك ملاحظة النفاق الغربيّ الكبير، الذي حاكم رفعت على قضايا ماليّة، بينها تشغيل خادمات بشكل غير قانوني، وتجاهل تاريخه فيما يتعلق بقمع الشعب السوري، ثم سمح له بالعودة للتقاعد المريح، بعد أن انتهت مهمة إيفاده الطويلة التي دارت بين ماربيا وباريس ولندن.