في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست” تناول الكاتب الأميركي البارز ديفيد اغناسيوس التحولات الجارية في الشرق الأوسط، من خلال الحراك القائم على أكثر من خط من خطوط الخلافات الاقليمية والاتجاه بدلاً من ذلك إلى التنمية الاقتصادية والدبلوماسية.
عندما سافر مسؤولو إدارة جو بايدن خلال الشهر الحالي إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والعراق ودول أخرى في الشرق الأوسط، رأوا تغييراً مذهلاً: على غرار الولايات المتحدة، يبدو أن هذه الدول قد تعلمت حدود القوة العسكرية وبدأت تشدد، بدلاً من ذلك، على النمو الاقتصادي المحلي والدبلوماسية.
ربما نشهد نسخة شرق أوسطية من مقولة الرئيس بايدن بأن أفضل سياسة خارجية هي "إعادة البناء بشكل أفضل” في الداخل. إذا كان الأمر كذلك، فهي معمودية مرحب بها: كانت المنطقة تمثل النقطة صفر "لحروبها التي لا نهاية لها”، والتي أنتجت القليل في ما عدا المعاناة. وإدراكاً منها بأنّ صبر الولايات المتحدة قد نفد مع مثل هذه الحروب بالوكالة، تحاول هذه الدول الآن تخفيف حدة تصعيدها وإعادة بناء اقتصاداتها بعد وباء كورونا.
دبلوماسية القنوات الخلفية هي نكهة الشهر الحالي، وتشمل تقريباً جميع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تتحدثان مع إيران. الإمارات العربية المتحدة ومصر تتحدثان مع تركيا . حتى أمراء الحرب في اليمن وليبيا يستكشفون اتفاقات السلام. ورداً على سؤال حول تفسيرهم لتغير المزاج هذا، يقول مسؤولون أميركيون وعرب إن العديد من الدول كانت "خائفة بشكل مباشر” من مخاطر اندلاع حرب شاملة وعدم موثوقية المظلة العسكرية للولايات المتحدة في ظل الرؤساء الثلاثة السابقين.
للأسف، كان الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني هو الاستثناء في هذه الاندفاعة الدبلوماسية، بعدما انفجر العنف مرة جديدة خلال الأسبوع الحالي. تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل نعمة، لكنه لن يحل المشكلة الفلسطينية. أخبرني المسؤولون أنه حتى الإمارات العربية المتحدة، أكثر الدول العربية استعداداً للمضي إلى الأمام، قد حذرت إسرائيل من أن أنشطة الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى في القدس ستشجع متطرفي "حماس”.
في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء الماضي، قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية إنّ "هناك زخماً كافياً يمكّننا من المضي قدماً” على الرغم من وابل صواريخ "حماس” والردود الإسرائيلية الانتقامية. تحتاج الولايات المتحدة إلى إعادة بناء عملية سلام، لكنها لن تحظى بفرصة ما لم يستنتج الإسرائيليون والفلسطينيون، مثل جيرانهم، أن لا معنى للحرب التي لا نهاية لها.
الإمارات العربية المتحدة هي أفضل مثال على التحول الهادئ الجاري في المنطقة. بعد سنوات من المعارك المكلفة بالوكالة – ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن وضد القوات المدعومة من تركيا في ليبيا – إنسحب الإماراتيون للتركيز على القضايا الاقتصادية المحلية.
بدأ التحول في العام 2019 بالهجوم الصاروخي الإيراني على المنشآت النفطية السعودية في بقيق. قال لي المسؤولون إن الإماراتيين تلقوا تحذيرات من أنهم قد يكونوا التاليين، وأن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تحطم الأبراج اللامعة في دبي وأبو ظبي. سرعان ما بدأت الإمارات في التواصل السري مع طهران. يبدو أن النتيجة كانت اتفاقاً هادئاً غير مكتوب بعدم القتال، حيث أوقفت الإمارات دعمها للقوات التي تقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
تلاشى الحديث عن الإمارات باعتبارها "اسبارطة الصغيرة”، وهو اللقب، الذي منحها إياه وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، والذي يشير إلى دور كبير في الصراعات الإقليمية التي أثبتت أنها مرهقة وذات نتائج عكسية على الإمارات في نهاية المطاف. كانت جائحة "كوفيد19” مدمرة أيضاً، حيث خسرت الإمارات أكثر من 50 في المئة من إيراداتها مع انهيار السياحة وتراجع الطلب على النفط، وفقاً لأحد المسؤولين.
يشبه الإماراتيون دوارة الرياح. لقد أعادوا حساباتهم. بعد التواصل مع إيران في العام 2019، شرعوا في خفض التصعيد مع اثنين من منافسيهم الإقليميين – تركيا وقطر. أخبرني المسؤولون الأميركيون أن الإماراتيين أوقفوا خلال العام الحالي دعمهم العسكري للمتمردين في ليبيا الذين يقاتلون الحكومة المدعومة من تركيا.
حاولت الولايات المتحدة تغيير الشرق الأوسط وفشلت. الآن يحاول حلفاؤنا السابقون التقاط الأشياء
مصر، التي كانت الإمارات تأمل في حمايتها بتدخلها الليبي، انخرطت أيضاً في محادثات القنوات الخلفية، حيث سافر وفد من أنقرة الأسبوع الماضي إلى القاهرة لإجراء أول حوار جاد منذ سنوات.
هناك أيضاً محادثات القناة الخلفية السعودية – الإيرانية، التي توسط فيها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، رئيس المخابرات السابق الذي يعد أحد أكثر القادة إثارة للاهتمام في المنطقة، وقد جمع فيها رئيس المخابرات السعودي خالد حميدان ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد إرافاني. قول مسؤولين أميركيين إن المحادثات رمزية أكثر منها جوهرية، لكن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق توقفت عن إطلاق الصواريخ على المملكة بعد هذا الاجتماع.
تريد المملكة العربية السعودية بشدة الخروج من الحرب في اليمن، ومن خلال المبعوث الأمريكي الخاص تيم ليندركينغ، عرضت على الحوثيين اتفاق سلام يلبي معظم مطالبهم، بما في ذلك إعادة فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء. قال مسؤولون أميركيون إن متحدثاً باسم الحوثيين في عُمان يدعم الخطة في ما يبدو، لكن القيادة العسكرية في صنعاء لا تزال تدفع باتجاه تحقيق نصر حاسم في مدينة مأرب.
ويتوجه وزير الخارجية الإيراني إلى الإمارات لإجراء محادثات يمكن أن تشمل اليمن. أفضل نصيحة للسعوديين: حل عقدة فتح الميناء والمطار، وإنهاء هذه الحرب الكارثية.
حاولت الولايات المتحدة تغيير الشرق الأوسط وفشلت. الآن يحاول حلفاؤنا السابقون التقاط الأشياء. إن ثوار إيران ليسوا في قطار السلام بعد، بأي حال من الأحوال. لكني أحب نسخة الشرق الأوسط من إعادة البناء بشكل أفضل