ديبلوماسية الدمية الروسية
نبيه البرجي
كل ما أحاط بمحادثات وفد "حزب الله" في موسكو يشي بأن الكرملين ينظر الى الحزب كقوة مؤثرة في تحديد المسارات السياسية , والمسارات الديبلوماسية , وحتى المسارات الاستراتيجية , الخاصة بتسوية أزمات المنطقة التي تتداخل في ما بينها , تماماً كم الدمية الروسية . تريدون الدليل ؟ أنظروا في وجه الحاج محمد رعد ...
السؤال البديهي : اذا كان الحزب يمتلك ذلك الدور , الحساس والفاعل , على المستوى الاقليمي , لماذا التواني عن وضع كل ثقله لتظهير حل للأزمة الداخلية , وبعدما بدا أن البلاد على قاب قوسين أو أدنى من الدخول في جهنم . ربما ما هو أشد هولاً من جهنم ؟
على الشاشات , وبالطريقة الببغائية اياها . كل مصائب لبنان ناتجة عن سياسات "حزب الله" , وعن صواريخ "حزب الله" . المنظومة السياسية أقرب ما تكون الى "أوركسترا الملائكة" .
لا اشارة الى أن الوضع الحالي نتاج اتفاقية القاهرة (1969 ) التي سلمت مفاتيح الجمهورية الى ياسر عرفات والى الاجتياح الاسرائيلي (1982 ) الذي سلّم مفاتيح القصر الجمهوري الى آرييل شارون . دون أن ندري لماذا تموت ذاكرة البعض عند تلك الأحداث المحورية التي ما زالت تداعياتها تهز المشهد اللبناني حتى الساعة .
كما لو أن الحزب هبط من كوكب آخر , وكما لو أن مقاتليه كائنات فضائية اقنحمت المسرح (الكازينو) اللبناني وعاثت خراباً بكل شيء . ولم يكن هؤلاء المقاتلون نتاج معاناة اللبنانيين من همجية الاحتلال , ومن تهتك السلطة , فضلاً عن الغياب العربي , والتواطؤ الدولي مع الأرمادا الاسرائيلية , بما في ذلك الأرمادا الايديولوجية .
فعلاً , أين "حزب الله" ؟ ولماذا لا يضرب بكلتا يديه على الطاولة , ويسأل رئيس الجمهورية هل تقبل أن يقال أن في عهدك مات لبنان , كما يسأل الرئيس المكلف هل أنت حقاً ابن رفيق الحريري ؟
على الشاشات , المشكلة في سلاح الحزب الذي اذا زال تحول بنيامين نتنياهو الى دجاجة , وأبدل الجنرالات لغة الدبابات بلغة الياسمين . تالياً , عاد لبنان بيفرلي هيلز الشرق , وعدنا ... جيران القمر !
"حزب الله" أمام أزمة الأزمة اللبنانية . الفسيفساء اللبنانية ليت طائفية فحسب , فسيفساء اقليمية ودولية
أيضاً . اذا ضغط في هذا الاتجاه أو ذاك , علت الصرخات ودائماً عبر البوابة الطائفية . الدكتور مصطفى علوش, ابن طرابلس التي طالما كانت (وتبقى) حاضرة العروبة , أو ما تبقى من العروبة , دعا الى تدخل تركيا لانقاذ الطائفة السنية من الضعف والوهن , ليعترف , ضمناً , ألاّ مكان للعرب حتى على رقعة الشطرنج .
لا ندري كيف يمكن للطائفة السنية أن تكون واهنة , وأن تكون ضحية الاختلال في موازين القوى . ألا يضع الرئيس سعد الحريري التكليف في جيبه دون أن يستطيع أحد أن يهزه , لينام ملء عينيه عن شواردها , وليمارس هواية الطبخ على موسيقى الجاز , ثم يغتسل بالعطر الباريسي الفاخر , ان لم يكن يغتسل , كما كانت تفعل كلوديا كاردينالي , بحليب الغزلان ؟
الا يمكن للحريري أن يكون البطل بأن يلقي بالتكليف في وجه الذين يتهمهم بالتعطيل , والذين طالما كانوا شركاءه في تلك التسويات (الصفقات) التي أودت بالبلاد الى الموت السريري بانتظار أن تدق ساعة النهاية ؟
زيارة وفد "حزب الله" جاءت في سياق ديناميكية ديبلوماسية روسة لافتة , وتم الاعداد لها , بدقة , في الأروقة الخلفية . هل يكون لها تأثيرها على الأزمة اللبنانية التي تجمع الآراء أنها باتت بحاجة الى معجزة , ما دامت الأزمة الأم على طريقة "كوفيد ـ 19 " تتوالد أزمات أشد تعقيداً وأشد قدرة على ازالة "الرجل المريض" ؟
في الوسط الديبلوماسي الأوروبي أن الأزمة عالقة بين طهران التي تدرك مدى حساسية الورقة اللبنانية في "الصراع الديبوماسي" الراهن الذي لا يمكن الا أن يؤدي الى فتح الأبواب بينها وبين واشنطن , والرياض التي تشتكي من أن جون بايدن يمارس "سياسة ثأرية" حيالها تبعاً لما قاله لنا زميل سعودي عتيق و"معتّق" .
الدببة القطبية بطيئة , لكنها تحظى بثقة السعوديين والايرانيين (وربما الأتراك أيضاً) . من هنا قد تكون بداية البدايات . حدقوا في الدمية الروسية ...