السبت 23 تشرين الثاني 2024

تركيا تسعى لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم والأمم المتحدة تحذر

النهار الاخباريه  وكالات 

قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو إن "بلاده تعمل مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لإعادة السوريين إلى وطنهم مجدداً"، الأمر الذي يتعارض مع السياسة العامة للمفوضية الأممية التي لا تزال تعتبر إعادة اللاجئين إلى سوريا خطيراً للغاية. 
ووفقاً لوسائل إعلام تركية، قال أوغلو، خلال حفل أُقيم في مقاطعة أنطاليا مطلع الأسبوع الحالي، إن "مشكلة اللاجئين تفاقمت بسبب جائحة كورونا"، مضيفاً "نتلقّى الآن دعماً أفضل من المجتمع الدولي من أجل إعادة اللاجئين إلى بلدانهم بطريقة آمنة. نحن نعمل على إعادتهم، بخاصة السوريين، مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤونهم". غير أنه وفقاً لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركية، فإن المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سيلين أونال، ردت على تصريحات وزير الخارجية التركي، مشيرة إلى أن "الحل السياسي في سوريا هو الوحيد الذي سيسمح للناس بالعودة الآمنة"، ومضيفة أنه "ينبغي أن يكون للاجئين حق العودة طواعية في ظروف آمنة وكريمة". 
سوريا غير صالحة للعودة

تزامنت تعليقات أوغلو مع صدور التقرير الـ24 للجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، الذي حذر من تصاعد القتال والعنف في البلاد، مؤكداً أنها لا تزال غير صالحة للعودة الآمنة والكريمة للاجئين. وقال رئيس اللجنة باولو بينهيرو، في مؤتمر صحافي في جنيف، الثلاثاء، "الحرب على المدنيين السوريين مستمرة، ومن الصعب إيجاد الأمن أو الملاذ الآمن في هذا البلد الذي مزقته الحرب".

ووفقاً للتقرير الذي يغطي الفترة من 1 يوليو (تموز) 2020 إلى 30 يونيو (حزيران) 2021، وسيُعرض أمام مجلس حقوق الإنسان في 23سبتمبر (أيلول) الحالي، شهدت الأشهر الأخيرة تزايداً في القتال والعنف في كل من الشمال الغربي والشمال الشرقي والجنوب من البلاد. علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى تدهور سريع في الاقتصاد السوري، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز وزيادة ملحوظة في انعدام الأمن الغذائي بنسبة تزيد على 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
وقالت المفوضة كارين كونينغ أبو زيد، وفقاً لبيان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن "الوضع العام في سوريا يبدو قاتماً بشكل متزايد، فإضافة إلى العنف المتصاعد وتدهور الاقتصاد، أصبحت مجاري الأنهار الشهيرة في بلاد ما بين النهرين في أكثر حالاتها جفافاً منذ عقود، ويبدو أن انتقال فيروس كورونا عبر المجتمع المحلي لا يمكن إيقافه بسبب نظام الرعاية الصحية الذي أهلكته الحرب ونقص الأوكسجين واللقاحات"، مضيفة "هذا ليس وقتاً يعتقد فيه أحد أن سوريا بلد مناسب لعودة لاجئيها".
تدهور أمني واسع
وقالت اللجنة في تقريرها إنه على الرغم من التصريحات العلنية بشأن الرغبة بالتزام معايير حقوق الإنسان الأساسية، فإن هيئة تحرير الشام، المنظمة المصنفة إرهابية من قبل الأمم المتحدة، واصلت فرض قيود على وسائل الإعلام وحرية التعبير في منطقة سيطرتها بشمال غربي البلاد، بما في ذلك عن طريق الاحتجاز التعسفي لنشطاء الإعلام والصحافيين، بمن فيهم النساء.
ويضيف التقرير، "في منطقتي عفرين ورأس العين في حلب، يعيش المدنيون في خوف من عبوات ناسفة محمولة يتم تفجيرها بشكل متكرر في مناطق مدنية مزدحمة، مثل الأسواق والشوارع مما يودي بحياة الكثيرين". ووثّقت اللجنة مقتل وتشويه "ما لا يقل عن 243 امرأة ورجلاً وطفلاً في سبع هجمات من هذا القبيل"، لكن الخسائر الكاملة في صفوف المدنيين أعلى بكثير. كما استمر القصف العشوائي، بما في ذلك في 12 يونيو عندما أصابت الذخائر مواقع متعددة في مدينة عفرين، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من الأشخاص وتدمير أجزاء من مستشفى الشفاء. 
كما تدهور الوضع الأمني ​​في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي شهدت زيادة في الهجمات من قبل فلول تنظيم "داعش" والصراع مع القوات التركية وتصاعد السخط والاحتجاجات بين السكان، لا سيما في المناطق المأهولة بالسكان العرب. وتواصل "قسد" احتجاز أكثر من 10 آلاف من مقاتلي التنظيم السابقين المشتبه فيهم، في سجون بشرق سوريا منذ عام 2019 على الأقل. 
حنق تركي
وتتصاعد الرغبة التركية بالتخلص من اللاجئين مع زيادة حنق الشارع والعداء تجاه المهاجرين، بخاصة مع تراجع الاقتصاد التركي خلال الأعوام القليلة الماضية الذي فاقمه وباء "كوفيد-19"، إذ باتت قضية اللاجئين واحدة من القضايا الحساسة للوضع السياسي الداخلي في البلاد، وسط زيادة موجة عداء للاجئين في تركيا التي استضافت نحو ثلاثة ملايين سوري منذ اشتعال الحرب في مارس (آذار) 2011. ففي أواخر يوليو الماضي، قُتل سبعة أفراد من عائلة كردية على أيدي مسلحين وسط مدينة قونية، الجريمة التي وصفها محامي الأسرة بأنها هجوم "عنصري تماماً".
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن مشاعر الغضب الشعبي ظهرت إلى العلن وعلى شاشات التلفزيون في الآونة الأخيرة حين بدأ آلاف من مشجعي كرة القدم ترديد "لا نريد لاجئين في بلادنا" خلال مباراة ضمن التصفيات لكأس العالم. كما أن حزب المعارضة "حزب الشعب الجمهوري" المناهض بشدة للهجرة الذي يسيطر على مدن مثل إسطنبول وأنقرة، علّق أيضاً لافتات على بعض المباني تظهر زعيمه كمال كيلتشدار أوغلو مع عبارة "الحدود شرفنا". ووجدت شعارات حملة "حزب الشعب الجمهوري" أصداء لدى الأتراك الذين شهدوا الأسعار ترتفع بشكل كبير ومدخراتهم تذوب مع انهيار العملة وصعود التضخم. 
وأخيراً، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة، باتت تستقبل حالياً 5 ملايين مهاجر ولاجئ، بينهم نحو 3.7 مليون من سوريا وما يصل إلى 420 ألف أفغاني. وسبق أن حذر أردوغان الدول الغربية، القلقة أيضاً من موجة هجرة جديدة محتملة، من أن بلاده لا تعتزم أن تصبح "مخزناً للاجئين".
ترحيل اللاجئين
غير أن حملة السلطات التركية ضد اللاجئين لديها ليست وليدة أشهر. ففي يوليو 2019، أطلقت أنقرة حملة ضد من وصفتهم بـ"المهاجرين غير الشرعيين" في مدينة إسطنبول، بينهم السوريون، الذين جرى ترحيلهم قسراً إلى بلادهم. وبحسب بيان سابق صدر عن وزارة الداخلية التركية، فإنه تم توقيف 6 آلاف شخص، خلال أسبوعين.
يقيم السوريون في تركيا بموجب إذن إقامة تحت مُسمّى "حماية مؤقتة"، الذي يُعرف في تركيا باسم "الكيمليك"، لكن الحملة استهدفت حتى أولئك الذين يحملون هذا الإذن، إذ تضمنت الإجراءات التي اتخذتها أنقرة عدم السماح للاجئين بالبقاء في غير المحافظة الصادرة عنها بطاقة "الكيمليك"، أو حتى التحرك خارج حدود محافظة الإقامة.
وفي اتصال مع أحد السوريين الذين يقطنون بمدينة بطمان، جنوب شرقي تركيا، تحدث لـ"اندبندنت عربية"، آنذاك، شريطة عدم ذكر اسمه خشية تعقبه من قبل السلطات، قال "نحن نعيش اليوم في سجن مفتوح، لا نستطيع التنقل من مدينة إلى أخرى سوى بإذن حكومي".
وأشار إلى أن "السلطات باتت ترحّل السوريين بمجرد وجود أي مشكلة أو شكوى ضد أحدهم. هم لا يحققون ولا ينظرون في شيء، كل ما في الأمر يشحنون الشخص إلى سوريا"، مضيفاً أن "الكثير من العائلات استقرت منذ أعوام في تركيا، وأبناؤها يدرسون في المدارس والجامعات، ومن ثمّ فإنه أمر صعب أن ينتهي كل شيء بين عشية وضحاها ويعودون إلى المجهول مرة أخرى"