الأربعاء 2 تشرين الأول 2024

بين الانسحاب من أفغانستان والانسحاب من لبنان


في 24 أيار/مايو 2000، غادر آخر جندي "إسرائيلي" لبنان بعد 18 عامًا من الحرب. كنت، قبل بضعة أشهر، قد أكملت خدمتي الوطنية كرقيب عمليات في جيش الدفاع "الإسرائيلي"، وأخدم في مراكز القيادة على الحدود اللبنانية. في ذلك الوقت شاهدت الانسحاب بارتياح. كنت سعيداً لأن القنابل المزروعة على جوانب الطرق والقصف وهجمات حزب الله على القوافل والمواقع الاستيطانية والجرحى والقتلى - كل ما كنت أعيشه في واقعي اليومي على مدى عامين – قد أصبح الآن شيئًا من الماضي.

أشاهد اليوم انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من أفغانستان بفزع. هناك اختلاف بين تدخل "اسرائيل" في لبنان والتورط في افغانستان. كما أن هناك اختلاف بين حزب الله وكل من القاعدة وطالبان. لكن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين النزاعين؛ ويمكن استخلاص دروس مهمة من التجربة "الإسرائيلية".

بعد حرب العام 1982، كانت أهداف "إسرائيل" الرئيسية من البقاء في جنوب لبنان هي تقليل خطر المنظمات "الإرهابية" من خلال إنشاء منطقة عازلة والحد من الوجود السوري بالقرب من الحدود. بمرور الوقت، وبدون فوائد أو انتصارات واضحة، سئم الجمهور "الإسرائيلي" من الوجود في لبنان - ومثله فعل السياسيون. في العام 1998، أعلن رئيس الوزراء أن "إسرائيل" ستسحب قواتها، ولكن فقط بعد تواصل مع الحكومة اللبنانية. كما كان من المأمول أن يتم التوصل إلى اتفاق مع سوريا قبل الانسحاب.

لم يحدث أي من ذلك. كان الانسحاب متسرعاً مع القليل من التخطيط المسبق. كان الانسحاب أحادي الجانب وأمدّ حزب الله بشعور بالنصر. كان لهذا عواقب وخيمة. لقد قوَّض قوة الردع "الإسرائيلية". استخدم حزب الله صور الجنود الذين يغادرون لبنان لزيادة الدعم والتشجيع على التجنيد ورفع الروح المعنوية.

بعد يوم من الانسحاب، ألقى زعيم حزب الله حسن نصر الله خطابه الشهير "بيت العنكبوت". وادعى أن "إسرائيل"، على الرغم من قوتها العسكرية وتفوقها التكنولوجي، كانت ضعيفة مثل بيت العنكبوت - في إشارة إلى حساسية الجمهور للضحايا ونفور "إسرائيل" من المخاطرة والتعب من الحرب الذي أعاق الجيش "الإسرائيلي". بعد الانسحاب، استفز حزب الله "إسرائيل" من خلال تنفيذ هجمات: مرة واحدة في العام 2000 - لم ترد عليه "إسرائيل"، ما ألحق المزيد من الضرر بالردع لديها - ومرة أخرى في العام 2006، ما أدى إلى حرب لبنان الثانية. تنبّهت التنظيمات "الإرهابية" الفلسطينية، فاندلعت الانتفاضة الثانية بعد أشهر من الانسحاب من لبنان.

سرعان ما انهار جيش لبنان الجنوبي. لم يكن لدى "إسرائيل" إستراتيجية لمواصلة عملها في غياب قوات جيش الدفاع "الإسرائيلي"، ما دفع قوات جيش لبنان الجنوبي وعائلاتهم إلى الفرار إلى "إسرائيل" خوفًا من الانتقام. صحيح أن جيش لبنان الجنوبي لم يكن جيشًا وطنيًا مثل الجيش الأفغاني، بل قوة صغيرة تأسست لحماية أقلية دينية صغيرة مضطهدة. ومع ذلك، ينبغي النظر إلى الانهيار السريع لقوات مسلحة ومدربة وممولة كحكاية تحذيرية.

عرّض الانسحاب "إسرائيل" لتهديدات متزايدة: أقامت إيران وجودًا بالقرب من الحدود. كما اقترب حزب الله من الحدود وتمكن من الوصول بسهولة إلى أنظمة أسلحة متطورة وبعيدة المدى. كما ساعد الانسحاب حزب الله على ترسيخ نفسه كقوة سياسية مهمة.

يمكن للولايات المتحدة والمملكة المتحدة استخلاص بعض الدروس من لبنان. من الخطر سحب قواتك بطريقة تجعل أعدائك يبدون منتصرين. يمكن أن يؤدي القيام بذلك إلى تحفيز وتشجيع المنظمات "الإرهابية" - ليس فقط في أفغانستان ولكن على المستوى الدولي وفي المملكة المتحدة.

إن الانسحاب السريع من أفغانستان قد يفتح الطريق أمام زيادة التدخل الروسي بنفس الطريقة التي تدخلت بها إيران في لبنان. من المهم أيضًا اتخاذ إجراءات لتقليل فرص انهيار الجيش الأفغاني والحفاظ على استقلالية الحكومة. الحكومة اللبنانية ضعفت بسبب زيادة قوة حزب الله وإيران في البلاد. يجب وضع خطة للرد إذا ما انتهكت طالبان شروط الاتفاق معها. اختارت "إسرائيل" سياسة الاحتواء، لكنها فشلت. أخيرًا، قد يرسل الانسحاب رسالة مفادها أنه لا يمكن الاعتماد على قوات الناتو على المدى الطويل.

لم يكن بقاء "اسرائيل" الطويل في لبنان ناجحاً، والانسحاب كان القرار الصحيح. وجد الجيش "الإسرائيلي" صعوبة في مواجهة أساليب حرب العصابات التي يتبعها حزب الله وحقق القليل من النجاحات المهمة. لم تربح "اسرائيل"، الحرب لكنها لم تخسرها كذلك. مارست ضغوطًا وقيودًا على حزب الله وتمكنت من إبعاد القوات السورية. لكن الانسحاب نفسه تمَّت إدارته بشكل سيئ، وكانت له عواقب وخيمة.

في أفغانستان الأمر مختلف. حققت قوات الناتو نجاحات هائلة، ولا يزال وجودها مطلوبًا لمنع البلاد من الانزلاق إلى الفوضى. ولكن، بما أنه تم الاتفاق على الانسحاب، يجب أن يتم ذلك من خلال استراتيجية خروج واضحة، لا تكون أحادية الجانب، مع وجود نظام موثوق به لردع القاعدة والمسلحين الآخرين. تراقب القوتان الاستبداديتان العظيمتان، الصين وروسيا، علامات الضعف وتدوّنها، وتسجّل أي نقص في الشهية لدى الغرب للانخراط في صراعات مستقبلية وزيادة النفور من المخاطرة. ما هو على المحك ليس الأمن الأفغاني وحده، بل الأمن المستقبلي للمملكة المحتدة أيضاً. 

----------------------   

العنوان الأصلي:  What the Afghan withdrawal can learn from Israel
الكاتب:  Limor Simhony Philpott
المصدر:  The Spectator
التاريخ: 5 تموز / يوليو 2021