الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

بعد مرور 6 أشهر على اشتعالها.. أبرز أخطاء روسيا العسكرية فى اوكرانيا

النهار الاخباريه  وكالات 

مع مرور ستة أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية، بات من الممكن تحليل القدرات العسكرية الروسية بشكل أفضل ومعرفة الأخطاء التي ارتكبتها موسكو، وكيف غيرت استراتيجياتها وتكتيكاتها، وأساليب القوات الأوكرانية في التعامل معها.
تُظهر الانفجارات الأخيرة في قاعدة ساكي الجوية في شبه جزيرة القرم- وهي منشأة تبعد 225 كيلومتراً عن خط المواجهة، في منطقة أعلن الروس أنها محمية بنظام دفاعهم الجوي- أن أوكرانيا وجدت طرقاً جديدة لاستغلال العيوب في الجيش الروسي، حسبما ورد في تقرير لموقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

أبرز أخطاء روسيا.. المبالغة في قوة جيشها 

غالباً ما يؤدي استخدام الرئيس فلاديمير بوتين لبيانات غير دقيقة إلى تقويض قراراته، حسب الموقع.
أدى تقييم بوتين المبالغ فيه في قوة الجيش الروسي إلى توقعه الواضح بأنه يمكن أن يغزو أوكرانيا بـ150 ألف جندي فقط. هذا أقل بكثير من عدد الجيش الأوكراني البالغ 250 ألف جندي، وهو بعيد تماماً عن نسبة الهجوم إلى قوات الدفاع المطلوبة تقليدياً لحملة ناجحة وهي 3 إلى 1 أي ثلاثة مهاجمين لكل مدافع، مع افتراض تشابه مستوى المعدات والجنود.
وقد يكون جزءاً من الحساب الخاطئ للروس، أنهم توقعوا نوعية الجندي الروسي مقابل الأوكراني، ولم يكن توقعهم صحيحاً، فرغم أن الجيش الروسي خضع لعملية إصلاح عميقة منذ أدائه المتعثر في حرب جورجيا عام 2008 وحرب الشيشان الأولى، ولكن يبدو أن عملية إصلاح لم تكن بالعمق الكافي، كما على الجانب الآخر، من الواضح أن عملية الإصلاح التي خاضها الجيش الأوكراني منذ أزمة القرم عام 2014، والتدريبات التي تلقاها على يد الجيوش الغربية، وتزايد حدة الشعور القومي الأوكراني بعد ضم روسيا للقرم، وانفصال إقليم دونباس، كانت عوامل مؤثرة بشكل كبير على أداء القوات الأوكرانية الذي جاء أفضل كثيراً مما حدث عام 2014.
قد يكون الروس والخبراء الغربيون قد بالغوا في وصف الفجوة بين الأسلحة الأوكرانية التي هي أغلبها سوفييتية قديمة نسبياً، وبين الأسلحة الروسية الأحدث، علماً بأن كثيراً من الأسلحة الروسية، هي مجرد تطوير للنسخ الموجودة لدى الأوكرانيين، فطائرات سوخوي 30 و35 الأحدث لدى موسكو هي تطوير يقول الروس والخبراء الغربيون إنها تطوير كبير للمقاتلات سوخوي 27 السوفييتية الموجود لدى موسكو.
على الأرض ثبت أن التطويرات التي أدخلتها روسيا على المعدات والتصميمات الموروثة عن الاتحاد السوفييتي لم تكن كبيرة كما كان يتوقع أغلب الخبراء.
كما أن أداء القوات الجوية الروسية كان مخيباً للآمال، ولم تقدم الدعم الكافي للجيش الروسي.
على الجانب الآخر، تكيف الأوكرانيون مع طبيعة الحرب ضد عدو أكبر وأكثر تقدماً، فلجأوا بالأخص في المرحلة الأولى للحرب حول كييف لما يشبه حرب عصابات نظامية عبر استهداف الطائرات والدبابات الروسية بالأسلحة المحمولة على الكتف التي زودهم بها الغرب.

والتقليل من الأوكرانيين

يبدو أن بوتين قرر شن الغزو على أساس توقع أن المواطنين الأوكرانيين سيستسلمون دون قتال وأن قادتهم السياسيين سيهربون. من الواضح أن البيانات التي استندت إليها هذه التقييمات الروسية، كانت معيبة للغاية. 
ولقد أظهرت العديد من الدراسات المتاحة للجمهور التي أجريت قبل فترة وجيزة من الغزو الشامل أن الأوكرانيين سيحملون السلاح بحزم للدفاع عن وطنهم. لكن الكرملين- مثل العديد من الخبراء الغربيين- تجاهلوا ذلك ببساطة.
بعد هذه التجربة يرى تقرير موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية  أنه خلال عملية  الدعم الغربي لأوكرانيا، سيحتاج الغرب أن يأخذ في الحسبان تحيزات بوتين والبيانات غير الكاملة الموجودة تحت تصرفه. 
قد تتحول تهديدات السياسيين الروس المتكررة بالعدوان العسكري ضد دول الناتو- ولا سيما دول البلطيق- إلى أكثر من مجرد دعاية. وسيكون أي هجوم على دولة أوروبية أخرى في صالح أوكرانيا.


الروس فشلوا في الهجوم الخاطف خلال أولى مراحل الحرب على الطريقة الأمريكية

حاول الجيش الروسي في بداية الحرب تقليد نمط قتال الجيشين الأمريكي والإسرائيلي، المعتمد على اختراق خطوط العدو والالتفاف حول مواقعه عبر حرب الأسلحة المشتركة، وهو الأسلوب الذي تعود جذوره للجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية.
في بداية الغزو، دخل الجيش الروسي إلى أوكرانيا في طوابير مسيرة بدلاً من تشكيلات قتالية. تسبب افتراض الروس أنهم لن يواجهوا مقاومة في تكبدهم خسائر فادحة في الأيام القليلة الأولى من الحرب، مما أجبرهم على الانسحاب من مناطق كييف وتشرنيهيف وسومي. 
إن التدريب غير الكافي وعدم كفاءة الأفراد العسكريين الروس، حسب وصف الموقع، جنباً إلى جنب مع التسلسل الهرمي الصارم الذي عملوا فيه، والذي ترك الضباط غير قادرين على التصرف بمبادرة منهم لأنهم ينتظرون الأوامر، يعني أنهم غير قادرين على تنسيق التقدم بسرعة في عمق أراضي العدو.

فعادوا لطريقتهم التقليدية عبر القصف المدفعي الثقيل الذي حقق لهم مكاسب كبيرة

رد الجيش الروسي على هذه الإخفاقات بالرجوع إلى التكتيكات الكلاسيكية القائمة على نيران وابل: شن غارات مدفعية مكثفة على مواقع أوكرانية استمرت عدة ساعات، مما مهد الطريق لهجمات تضم مشاة وعربات مدرعة. 
استخدم الروس بشكل أساسي هذا التكتيك- الذي أدى إلى مكاسب إقليمية أكثر من أي نهج آخر- في شرق أوكرانيا، حيث ركزوا أكثر من نصف قواتهم، وذلك خلال ما يمكن وصفه بالمرحلة الثانية للحرب.
وخلال هذه المرحلة سيطر الروس على أغلب مقاطعة لوهانسك في إقليم دونباس.

لكن الصواريخ الأمريكية أعادت لأوكرانيا المبادرة

غير أن الوضع تغير في المرحلة الثالثة الحالية للحرب.
بعد أن زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بمنصات إطلاق صواريخ متعددة متحركة مثل نظام  M142 HIMARS التي استخدمتها القوات المسلحة الأوكرانية لتدمير أكثر من 50 مخزن ذخيرة روسي في غضون أسابيع قليلة. 
وقد أدى ذلك إلى إعاقة تسليم الذخيرة لوحدات المدفعية الروسية، مما قلل من شدة القصف في عدة مناطق وأبطأ التقدم الروسي في شرق أوكرانيا. 
ومع ذلك، فإن الصواريخ التي تلقتها أوكرانيا من الدول الغربية يتراوح مداها بين 15 
و92 كم فقط، مما يعني أنها لا تستطيع الوصول إلى العديد من مستودعات الذخيرة الروسية الرئيسية والبنية التحتية الأخرى.

اللوجستيات مشكلة الروس الكبرى

اللوجستيات هي حلقة ضعيفة في الجيش الروسي، حيث تعتمد جميع الحملات العسكرية على الخدمات اللوجستية.
فالدبابة بدون وقود لا نفع منها، وهو ما ظهر في تخلي الروس في الأيام الأولى للحرب عن العديد من المركبات والمعدات الأخرى بسبب نقص الإمدادات. كشفت هذه المرحلة أن الخدمات اللوجستية للجيش الروسي كانت سيئة التنظيم؛ لدرجة أن العديد من الوحدات لم تتمكن ببساطة من الوصول إلى وجهاتها. 
هناك أسباب عديدة لمثل هذه الفوضى- منها عمليات القوات الأوكرانية لتعطيل الخدمات اللوجستية الروسية، والفساد والإهمال في الجيش الروسي، وتراخي الجنرالات الروس، وما إلى ذلك. لكن تظل الحقيقة أن هذه نقطة ضعف صارخة في الحملة الروسية على أوكرانيا.

ولكن تركيزهم في شرق أوكرانيا قلل من مشكلات خطوط الإمدادات

أدى تمركز قوات الجيش الروسي في شرق أوكرانيا إلى تقليص طول الجبهة التي كان يقاتل عليها مع تقليص خطوط الإمداد لروسيا واحتلال لوهانسك ودونيتسك. ولكن، كما سبق الإشارة، أدى استخدام أوكرانيا لاحقاً لنظام HIMARS والأنظمة الأخرى إلى تعطيل الخدمات اللوجستية لروسيا مرة أخرى.
يقدر البنتاغون أن ما يصل إلى 80 ألف جندي روسي قُتلوا أو جرحوا في الحرب. وهذا أكثر مما خسره السوفييت في عشر سنوات من القتال في أفغانستان. 
كما ضحت روسيا، حسب التقديرات الغربية، بكمية هائلة من المعدات، بما في ذلك أكثر من 1700 دبابة (ما يعادل 65% من مخزونها من الدبابات الحديثة قبل الحرب)؛ و4000 مركبة مدرعة و200 طائرة. 
على سبيل المثال، في معركة واحدة في Bilohorivka في مايو/أيار 2022، فقدت روسيا ما يقرب من 1000 جندي وما يقرب من 100 قطعة من المعدات أثناء محاولتها عبور نهر الدونتس.

الكرملين يعطي الأولوية للأهداف السياسية عن العسكرية

أحد الأسباب الرئيسية لتكبد القوات الروسية خسائر فادحة أن الكرملين يعطي الأولوية للأهداف السياسية فوق الأهداف العسكرية- كما يمكن للمرء أن يرى في إيزيوم وسيفيرودونتسك، حيث أصبح الاستيلاء على المدينة الأخيرة هدفاً سياسياً لبوتين لمجرد أنها كانت آخر مدينة ذات عدد كبير من السكان لم تخضع للروس في إقليم لوهانسك الذين سيطروا على معظمه. 

أراد الكرملين الاستيلاء على المدينة كدليل على سيطرته على المنطقة بأكملها. ومع ذلك، كانت للعملية قيمة استراتيجية محدودة وتطلبت من الروس إضعاف مواقعهم على الجبهات الأخرى. 
ورد الجيش الأوكراني بإجلاء المدنيين من سيفيرو دونيتسك قبل استخدام الأهمية السياسية للمدينة لجذب عدد كبير من القوات الروسية، الذين أجبروا على القتال في منطقة لم يتمكنوا فيها من استخدام قواتهم المدفعية الكاملة.
ما لم تعلن روسيا عن تعبئة عامة (والتي ستكون مكلفة سياسياً لبوتين)، فإن هذه الخسائر في الأفراد ستؤدي إلى تآكل قدراتها القتالية. ومع ذلك، بدأت روسيا بالفعل في الاستفادة من احتياطياتها الكبيرة من الأنظمة السوفييتية القديمة مثل قاذفات صواريخ غراد المتعددة، ودبابات T-62 التي تعود للستينيات، وناقلات الجند المدرعة MT-LB، والمدافع ذاتية الدفع 2S7 Pion. على الرغم من أن هذه المعدات ليست جديدة، إلا أنها تشكل تهديداً ملموساً من خلال توافر كميات كبيرة منها.

يعتبر موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن ترويع المدنيين هو جزء من استراتيجية الكرملين. منذ بدء الغزو الشامل، أسفر القصف الروسي عن مقتل أكثر من 5000 مدني وإصابة ما لا يقل عن 7000 آخرين. 

يقول الموقع الأوروبي "لقد استهدفت روسيا المدنيين عمداً لترهيبهم، باستخدام الذخائر العنقودية وقاذفات الصواريخ المتعددة، والضربات الجوية والصاروخية (بما في ذلك أنظمة S-300 المضادة للطائرات) والتعذيب والاغتصاب، حسب تعبيره.

وسبق أن استخدم الكرملين استراتيجية مماثلة في حربي الشيشان وسوريا. كما هو الحال مع حملة القصف العشوائي والواسع للجيش الروسي في حلب في عام 2016، هذه الهجمات على المدنيين مصممة أيضاً للتسبب في أزمة مهاجرين في الاتحاد الأوروبي؛ وبالتالي إجبار الاتحاد على التفاوض مع موسكو في أقرب وقت ممكن، بشروط غير مواتية لكييف. 
لكن حتى الآن، قللت هذه الاستراتيجية من احتمال محاولة

الدول الغربية إجبار كييف على تقديم تنازلات. ويرى التقرير أنه علاوة على ذلك، فإن عنف هذه الهجمات على المدنيين يوفر مبرراً لتشديد العقوبات على روسيا وقد يصل إلى الإعلان أنها دولة راعية للإرهاب (وهي خطوة قامت بها بالفعل بعض الدول الغربية وتفكر فيها دول أخرى- بما في ذلك الولايات المتحدة).

كيف ستطور الحرب الروسية الأوكرانية؟

من شأن زيادة إمداد الدول الغربية لأوكرانيا بمدافع ذاتية الدفع مزودة برادارات مضادة لبطاريات المدافع، بما في ذلك الأمريكية M109A6 و M109A7 Paladin (أوكرانيا لديها حالياً M109 الأقل تقدماً) والألمانية PzH 2000 والقيصر الفرنسي، أن تعمل هذه الأنظمة معاً على تعزيز قدرة البطارية المضادة الأوكرانية التي أثبتت بالفعل قيمتها في المعركة.
وإذا استمر الغرب في تزويد أوكرانيا بأنظمة HIMARS و M270 للصواريخ متعددة الإطلاق، بالإضافة إلى ذخائر إضافية لها- خاصة ATACMS، التي يبلغ مداها 300 كيلومتر. سيسمح ذلك لأوكرانيا بمزيد من تعطيل الخدمات اللوجستية الروسية؛ من خلال تدمير مستودعات الذخيرة على بعد مئات الكيلومترات من خط المواجهة.
ودعا تقرير موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الغرب لمواصلة تحسين قدرة الدفاع الصاروخي الأوكرانية، من خلال تزويدها بأنظمة NASAMS المضادة للطائرات، القادرة على اعتراض صواريخ كروز.

وقدر مؤلفو التقرير أن أوكرانيا ستحتاج إلى ما لا يقل عن عشر بطاريات NASAMS لتوفير الحماية الفعالة لأكبر مدن أوكرانيا والمدنيين الذين يعيشون هناك من القصف الروسي. 
كما رأوا أن هناك خياراً آخر يتمثل في تزويد أوكرانيا بطائرات MiG-29 المقاتلة من سلوفاكيا (وهو موضوع ظل قيد المناقشة لعدة أشهر)، مشيرين إلى أن الطيارين الأوكرانيين أثبتوا مراراً أنه يمكنهم إسقاط الصواريخ القادمة إذا كانت لديهم الطائرات للقيام بذلك.
في المقابل، يبدو أن الروس يتكيفون بدورهم عبر التقدم البطئ والقوة النيرانية الساحقة، واستخدام الأسلحة القديمة، الأمر الذي يؤشر إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية قد تطول أكثر مما توقع الجميع.