الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الوجود العسكري الأمريكي بين أفغانستان والعراق


الواقع الاجتماعي يلعب دورا مهما للغاية في دعم أو إضعاف حركات التمرد وهو ما يطلق عليه الضباط الأمريكيون «التضاريس البشرية»
يتساءل المراقبون للوجود العسكري الأمريكي في العراق، لماذا نجحت طالبان في أفغانستان، بما فشل فيه العرب في العراق؟
مقاومة الوجود العسكري الأمريكي بأفغانستان نجحت في 20 عاما بإعادة عقارب الساعة للوراء ويبدو أن عدة عوامل لعبت دورا كبيرا في ذلك.
جبال وغابات وحواجز طبيعية منتشرة بأفغانستان لكنها محدودة بالعراق فلعبت التضاريس البشرية والجغرافية لصالح حركة طالبان المناهضة للوجود الامريكي.
لماذا صمدت طالبان ثم عادت بقوة بينما انهار نظام صدام وتلاشى الحزب الحاكم وأخفقت المقاومة العراقية السنية بمواجهة الاحتلال الأمريكي بل تحولت فصائل منها لتقاتل بدعم وتمويل أمريكي؟
*     *     *
يأتي عنوان عريض في مقال مهم في صحيفة «واشنطن بوست» «طالبان هزمت أمريكا» يتساءل الكثير من القراء العرب المراقبين للوجود العسكري الأمريكي في العراق، لماذا نجحت طالبان في أفغانستان، بما فشل فيه العرب في العراق؟

لماذا صمدت طالبان، ثم عادت بقوة، بينما انهار نظام صدام حسين بسرعة، وتلاشى الحزب الحاكم، وأخفقت المقاومة العراقية السنية لاحقا في مواجهة الاحتلال الأمريكي، بل تحولت فصائل كاملة منها لتقاتل بدعم وتمويل أمريكي؟
الإجابة قد تحتاج لسرد تاريخي وتحليل اجتماعي، وقد لا يتفق كثيرون على مخرجاته، لكن المؤكد أن مقاومة الوجود الأمريكي في أفغانستان، نجحت على مدى 20 عاما في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ويبدو أن عدة عوامل لعبت دورا كبيرا في ذلك منها:
وجود كتلة سكانية وازنة ممثلة في قبائل البشتون، وفّرت دعما اجتماعيا، وحاضنة لحركة طالبان، فبالإضافة إلى قدرات الحركة التنظيمية والعسكرية؛ فإن العامل الاجتماعي يلعب دورا مهما في تهيئة الظروف للحركات المتمردة في نوع كهذا من الحروب، تخوض فيه جماعات مسلحة حربا طويلة في مواجهة جيوش نظامية متفوقة عسكريا.
لكن في العراق مثلا، كانت المقاومة العراقية (في العامين الأولين) تعتمد على مكون سني فقط، لا يمثل سوى نسبة معينة من السكان، بينما كان الأكراد والشيعة، وهم يمثلون ما يقرب من ثلثي السكان في العراق، معارضون بل محاربون، للعمل المسلح ضد الأمريكيين، باعتباره يعارض مصالحهما.
لذلك كانت عمليات وحاضنة الفصائل المتمردة على الوجود الأمريكي، منحصرة في كتلة سكانية وقطاع جغرافي معين، والأهم من ذلك، أنه حتى هذه الكتلة السكانية السنية، انقسمت على نفسها بعد نحو عامين فقط من بدء العمل المسلح ضد الوجود الأمريكي في العراق، أي عام 2006 تقريبا!
فقد استعر النزاع السني السني بين تنظيم «القاعدة» وفصائل سنية أخرى، واقتطع كل طرف مؤيدين له، لتدخل حاضنة المقاومة في حرب داخلية مزقت النسيج المجتمعي، وأصبحت أجزاء من تلك الفصائل منضوية ضمن برامج الصحوات الأمريكية، وباتت عشائر سنية كبيرة منخرطة كذلك في المجهود الأمريكي لمحاربة «القاعدة» وتنظيم الدولة الإسلامية الأصولي لاحقا.
وهكذا فإن الواقع الاجتماعي يلعب دورا مهما للغاية في دعم أو إضعاف حركات التمرد، وهو ما يطلق عليه ضباط المارينز الأمريكيون في مذكراتهم، التي نشروها لاحقا «التضاريس البشرية» تلك التضاريس التي درسها جيدا الجيش الأمريكي ليتمكن من خلال فهمه الاجتماعي لها، من مواجهة التمرد السني وتفتيته.
ونشرت كليات الحرب الأمريكية عشرات الدراسات لاحقا، التي تشرح فيها بالتفاصيل الدقيقة، كيف كان للعامل العشائري والقبلي دور حاسم في فهم حركة التمرد ومواجهتها، ومن ثم إضعافها بشكل كبير، ومن سوء حظ المناطق المتمردة في العراق أنها أيضا غير محظوظة بتضاريس جغرافية داعمة لعمل الجماعات المسلحة الشعبية.

فالجبال والغابات والحواجز الطبيعية المنتشرة في أفغانستان، محدودة في العراق، وهكذا كانت «التضاريس البشرية» و«التضاريس الجغرافية» عوامل لعبت لصالح حركة طالبان المناهضة للوجود الامريكي.
بينما كانت نقاط ضعف حركة التمرد العراقية السنية، التي واجهت الوجود العسكري الأمريكي بعد الاحتلال، قبل ان ينقلب المزاج السني مرة أخرى؛ ويصبح مفضلا للوجود العسكري الأمريكي أمام الهيمنة الشيعية المدعومة من إيران، وهذه مشكلة جديدة في اضطراب «التضاريس البشرية».
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني