الأحد 24 تشرين الثاني 2024

المقاومة حققت غاياتها وأخرى زيادة

انتهت معركة سيف القدس بعد 11 يوما من القصف المتبادل بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال، الذي اضطرت قيادته السياسية للإعلان عن وقف إطلاق النار بشكل أحادي بداية، ثم توالت التقارير الإسرائيلية التي تشير إلى وجود اتفاق برعاية مصرية ومشاركة دولية، وهو ما يعني أن بنيامين نتنياهو بإنكاره وجود اتفاق أراد إخفاء ما فُرض عليه من طرف المقاومة، وهي حقيقة اكتشفها معلقون ومراقبون إسرائيليون.

لكن نتنياهو لم يتجه للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار برضاه أو كما يدعي بعد إنجاز الجيش لمهمته، والحقيقة أن جملة المتغيرات التي حملتها المعركة الأخيرة، والمدخلات التي ناقشتها المستويات السياسية والاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية هي التي قادت إلى هذه الموافقة، التي وصفها سياسيون إسرائيليون من بينهم إيتمار بن جبير وجدعون ساعر وأفيغدور ليبرمان بالمخزية والمذلة. 

لقد أثبتت المقاومة خلال المعركة على قدرتها بالاستمرار في إطلاق الصواريخ بتكتيكات مختلفة، وهو ما اعتبره الإسرائيليون فشلا للأذرع الاستخباراتية التي كان من المفترض أن تكون قد جمعت قدرا مهما من المعلومات ما بعد عدوان 2014، يمكّنها من التعامل سريعا مع البنية التحتية للمقاومة وقدراتها المختلفة، وهو ما لم يتحقق على أرض الميدان، بل ورفعت المقاومة من وتيرة التحدي بإعلانها عن الساعة التي ستستهدف فيها المدن المحتلة ومن بينها الاستراتيجية.

يدور النقاش الإسرائيلي الداخلي اليوم في الساعات الأولى على انتهاء المعركة حول استمرار المقاومة في القصف حتى الساعة الثانية من فجر اليوم الجمعة، وهو الذي حمل رسائل للإسرائيليين بأن المقاومة لا تزال قادرة على ضرب المستوطنات والمدن بالصواريخ. يعني ذلك بالنسبة للإسرائيليين تماما ما قاله رئيس بلدية سديروت المقرب من نتنياهو: لقد تركنا تحت رحمة الصواريخ. 

إذن، حديث نتنياهو اليوم في مؤتمره الصحفي عن تدمير بنية المقاومة التحتية لا معنى له بالنسبة للإسرائيليين، وذهب بعض الإسرائيليين إلى استذكار كلمات نتنياهو بعد حرب 2012 و2014 وجولة 2019 واليوم، ليجدوا أن القاسم المشترك بينها هو تأكيده أنه دمر قدرات المقاومة وأعادها سنين للوراء وخلق حالة من الردع في مقابلها، وهو الثابت الفاشل في سياسة نتنياهو بحسبهم.

وإلى جانب تأثير ضربات المقاومة في غزة وإدارتها الناجحة للمعركة عسكريا وإعلاميا، تفاجأ المستويان العسكري والسياسي الإسرائيليين من انتفاضة الداخل المحتل، والتي اعتبروها خطرا لا يقل عن خطر الصواريخ وجبهة أخرى سيكون لها تداعيات استراتيجية في المستقبل على الأمن الإسرائيلي، الذي حاول على مدار العقود الماضية تطويق الوجود الفلسطيني في الداخل بأحزمة من الأحياء اليهودية التي يسكنها مستوطنون من حملة السلاح.

لقد كسر فلسطينيو معادلات كثيرة بانتفاضهم، أهمها أنهم أكدوا على فلسطينيتهم في مواجهة كل محاولة الأسرلة والدمج الجزئي، وهي حقيقة يحاول الخطاب الإسرائيلي أن يهرب منها عبر وسائل إعلامه بالإشارة إلى أن السبب فيما جرى هو التمييز والفقر، الأمر الذي تنفيه كل الوقائع على الأرض، بدءا من رفع الفلسطينيين للأعلام الفلسطينية على مفترقات الطرق والشوارع الرئيسية بالداخل وصولا لهتافهم للمقاومة مع كل رشقة صواريخ وأخيرا احتفالهم بما حققته المقاومة.

لقد كان فلسطينيو الداخل مدخلا خطيرا على تفكير المنظومة الإسرائيلية ككل، واستطاعوا أن يكونوا رقما صعبا في معادلة المواجهة، مربكين النخبة الإسرائيلية التي لا تزال تعتقد وهما بأن النظريات المسقطة على المجتمعات تلغي الهوية الأصلية، وهذا له ما بعده بالنسبة للإسرائليين وأيضا المقاومة التي واكبت انتفاضتهم بالنار والخطاب وخلقت جسرا معهم يصل للقدس. 

وجاءت مظاهرات الحدود ومحاولات الفلسطينيين والعرب الدخول للأراضي المحتلة من الأردن ولبنان والذين جاء بعضهم من العراق، لتنبه نتنياهو وقادة "إسرائيل" أن إطالة أمد المعركة سيخلق حالة لا يمكن السيطرة عليها على الحدود، وهو أمر في الحقيقة تتخوف منه "إسرائيل" في كل حروبها على غزة، ودائما ما يرد في الدراسات الأمنية الإسرائيلية كخطر قائم باستمرار.

وراكم الوضع في الضفة الغربية والتي توزع فيها الفعل المقاوم بين عمليات إطلاق نار ونقاط اشتباك شعبية من ورطة نتنياهو في وحل غزة، وأدرك أن الضفة برميل بارود قابل للانفجار بفعل عمليته العسكرية في قطاع غزة والإحباط من موقف السلطة الفلسطينية الهزيل وتراكم الخيبات من أدائها السياسي الذي لم يعد مرضيا حتى لقاعدتها.

ومع دوي صافرات الإنذار في شمال فلسطين المحتلة نتيجة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، كان نتنياهو قد أُشبع باللطمات، خاصة في ضوء التحذيرات بأن أي فعل عسكري إسرائيلي غير محسوب في الشمال قد يؤدي إلى مواجهة مع حزب الله ويضع "إسرائيل" في ورطة على جبهات متعددة بجبهة داخلية أصلا منهكة من صواريخ غزة.

لقد تجاوزت المعركة أهدافها من طرف المقاومة، فهي لم تلجم عدوان الاحتلال على القدس فقط، بل أدخلت إلى حسابات الاحتلال ما لم يكن يتوقعه، ونشطت حركة الجماهير الفلسطينية والعربية باتجاه خيار المواجهة في مواجهة خيار الطرف الذي يصر على استجداء الحلول والحماية من "إسرائيل" و"المجتمع الدولي"، وسيكون لكل ذلك تبعات سياسية داخلية وخارجية كلها تصب في مصلحة المقاومة وتمثيلها للشعب الفلسطيني.