الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

العراق على فوهة بركان.. والخوف من لعبة الشارع

النهارالاخباريه  وكالات 
تتواصل الأزمة السياسية التي بدأت منذ أكثر من ١٠ أشهر في العراق وتحديداً بعد إجراء الانتخابات البرلمانية في (أكتوبر) تشرين الأول الماضي، واشتعلت الأزمة الأخيرة بين القوى المتناحرة ممثلة بالتيار الصدري من جهة، وقوى "الإطار التنسيقي” الشيعية من جهة أخرى، وأدت إلى فوضى أمنية في بغداد ومحافظات عراقية أخرى، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بالعشرات من الطرفين قبل أن يأمر زعيم التيار الصدري أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء التي كانت شهدت أحداث دموية.
الأزمة بدأت عندما أراد مقتدى الصدر تشكيل حكومة أغلبية سياسية بمشاركة تحالفي السيادة بزعامة الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، برئاسة مسعود بارزاني، لكن الإطار التنسيقي رفض ذلك، وبعد عدم تمكن الصدر من تشكيل تلك الحكومة، أعلن استقالة نوابه من البرلمان وطالب بتشكيل حكومة غير توافقية، وتحظى بالقبول.

لكن ترشيح الإطار للقيادي السابق في حزب الدعوة محمد شياع السوداني، لمنصب رئاسة الحكومة أثار غضب الصدر، الذي أمر أتباعه بالنزول إلى الشارع، واقتحام البرلمان. وتطورت الاعتصامات أمام البرلمان، وصولاً إلى اندلاع اشتباكات مسلحة بين سرايا السلام التابعة للصدر، والحشد الشعبي، وهو ما شكل علامة فارقة في الأزمة السياسية.
أما اليوم فيريد الصدر العودة إلى مجلس النواب، عبر إعادة الانتخابات، لذلك لجأ تياره إلى رفع دعوى قضائية ضد مجلس النواب، بداعي عدم القيام بواجباته الدستورية، لكن المحكمة الاتحادية في العراق ردت الدعوى مستندةً في قرارها إلى أنها ليست ضمن اختصاصاتها، فأي خطوة سيتخذها مقتدى الصدر بعد رد المحكمة؟

يقول متابعون للملف العراقي أن موقفاً صدر بالأمس من مايعرف بوزير مقتدى وهو حساب وهمي عبر تويتر، ويعرف هذا الحساب بوزير القائد وقال فيه نقلاً عن مقتدى الصدر أنه مع الاطراف التي تحالف معها في هذا القرار والمتعلق بعودة النواب من عدمه، لكنه يمنع منعاً باتاً نوابه من العودة والمشاركة لأن ذلك سيؤدي إلى الجلوس مجدداً مع الإطار التنسيقي الذي هو على خصومة معه في الأصل، وفيما لم يذهب الصدر إلى خطوة حل البرلمان ولا الانعقاد ترجح المصادر أن يستعمل الصدر ورقة الشارع، وقد يشهد العراق حراكاً مدنياً يقوم به من يعرفون ب "التشارنة” أو "التشرينيين” أو من تبقى منهم، ويُعتقد أن هؤلاء ينسقون مع التيار الصدري وبالتالي السلاح الأنجع للصدر اليوم هو تصفية الحسابات في الشارع.

وسط هذا التشنج انعقدت جلسة حوار بين القوى السياسية العراقية بدعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بغياب التيار الصدري، الحوار هدف لتقريب وجهات النظر؛ بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، في ظل معارضة الصدر.
وتقول المصادر أن ثمة احتمالات لحصول انتخابات مبكرة لا سيما أن البعض يعتبر أن الندوات والمؤتمرات والحوار الذي دعا إليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي واجتمعت به كل الأقطاب باستثناء القطب الأبرز في المعادلة السياسية أي مقتدى الصدر وهو المعترض والممتنع عن المشاركة حتى في البرلمان وبالتالي فإنّ هذه الموتمرات لن تؤتي أكلها، باعتبار أن الأزمة السياسية هي مع مقتدى الصدر ومشكلة مقتدى الصدر مع القوى السياسية الأخرى، وعليه فإن غيابه عن هذه الموتمرات لن تُمكّن أي طرف سياسي أن يملي شروطاً على مقتدى الصدر، وهكذا يدخل الجميع في دائرة المراوحة والمراوغة حتى تنضج بعض الأمور، وأهمها إقرار قانون جديد للانتخابات تتكفل به رئاسة البرلمان والبرلمانيين في حال تم الاتفاق على عقد جلسة لمجلس النواب، وفي هذا الإطار شدّد رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على ضرورة أن تلجأ القوى السياسية الى اختيار قانون جديد تعرضه على البرلمان وتسمي رئيس كامل الصلاحيات للحكومة العراقية وأن يحدّد البرلمان موعداً لحله بانعقاد جلسة علنية تؤسس لتاريخ محدد للانتخابات المبكرة مع قانون انتخابي معدّل. وبالتالي فإن الكرة في مرمى الإطار التنسيقي الذي يشير في تصريحاته إلى قناعاته فيما يتعلق  بانعقاد جلسة البرلمان وانتخاب رئيس الجمهورية ومرشحه لرئاسة ال وزراء محمد شياع السوداني.

إلا أن كل مساعي الحوار والتهدئة يقابلها خشية من تجدد التصعيد بين القوى المتخاصمة، "التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي”، ومخاوف من خروج الأزمة عن السيطرة، وتكرار المشهد الدموي الذي حصل في المنطقة الخضراء، وسط تحذير من اغتيالات وتفجيرات.
تقول المصادر أن اللحظة المفصلية فيما يتعلق بالتصعيد ترتبط مباشرةً بالمرجع السيد السيستاني الذي كانت له الكلمة الفصل في إنهاء الاشتباك بين التيار و الإطار، فكلمة واحدة مع مقتدى الصدر دفعت الأخير إلى سحب مناصريه من الشارع وإعطائهم مهلة ستين دقيقة، ولم يكتفي بذلك فحسب بل هو (أي الصدر) عاتب أنصاره وقال لهم "أسأتم لي” وشجب استخدام السلاح والعنف ضد القوات المدنية، لكن إذا كان مقتدى الصدر لا يريد العنف وأعمال الشغب فهل يعود مجددًا إلى الشارع مع ما يحمله من أعمال فوضى ودخول طابور خامس قد يكون لقوى خارجية اليد الطولى به، وفي هذا الصدد فإن أمريكا التي لاتزال قواعدها العسكرية في العراق هي تريد أن تجري رياح السياسة كما تشتهي سفنها العسكرية، ولو جرب البعض أن يعطي الأزمة جنسية عراقية بحتة لكن ذلك يبدو خيالياً.
حبس الأنفاس يخيّم اليوم على المشهد العراقي، الداخل منقسم لكنه لايريد تصادماً في الشارع لأن الضحية هم المواطنين العُزّل الذين أدت بهم الأوضاع المعيشية المتدهورة في بلدٍ يمتلك ثروات هائلة، أدت بهم إلى السير وراء أهواء بعض القوى السياسية لغايات في نفس القوى التي تستعملهم كبش محرقة، وتبقى الكلمة الفصل لميثاق الشرف الذي احتكمت إليه القوى السياسية العراقية لعدم الاحتكام الى الشارع وعودة المؤسسات للعمل وانعقاد البرلمان وتفعيل عمل الحكومة حتى يتسنى للجميع العمل وسط أجواءٍ هادئة، وماعلينا سوى الانتظار حتى تأتي كلمة السر.
صحافية وأستاذة جامعية