الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الصين تراهن.. الغرب فى حالة تدهور بلا رجعة

الصين تراهن.. الغرب فى حالة تدهور بلا رجعة

حكام الصين يستعدون على النحو الواجب لصراع طويل الأمد والمخاطر واضحة سواء بالنسبة للصين أو للغرب.

تحول حسابات المخاطر فى السياسة الخارجية الصينية واتباعها نهجا قوميا طويل الأمد ومنافسا لدول الغرب والولايات المتحدة.

تمثل الصين تحديًا صعبًا للديمقراطيين الليبراليين لأن طغيانها باسم الأغلبية مدعوم من قبل كثير من الصينيين وله تكلفة باهظة ستنعكس على القيم والأقليات.

تؤكد الصين باطراد أن أمريكا والغرب فى تدهور طويل الأمد حتى لو كانت دول الغرب متعجرفة بدرجة لا تقبل أن "الشرق فى صعود والغرب فى تدهور".

*     *     *

لطالما كانت نظرة الصين ثاقبة ومثبتة على هدف محدد: أن تصبح غنية وقوية، فقد أمضت الصين السنوات الأربعين الماضية فى البعد عن المخاطرة وتجنبها. كانت تنافس وتواجه قوى أصغر منها، إلا أنها كانت أكثر حذرًا فى علاقاتها مع أى دولة قادرة على رد ضرباتها.

لكن فى الآونة الأخيرة، يبدو أن حسابات المخاطر فى الصين قد تغيرت؛ حيث ألقى يانج جيتشى، رئيس السياسة الخارجية فى الحزب الشيوعى، محاضرة للدبلوماسيين الأمريكيين فى اجتماع ثنائى فى ألاسكا، مشيرًا إلى إخفاقات الديمقراطية الأمريكية وهذا أكسبه مكانة البطل فى الوطن. كما فرضت الصين عقوبات على سياسيين ودبلوماسيين وأكاديميين ومحامين ونشطاء الديمقراطية من بريطانيا وكندا وأوروبا. جاءت تلك القيود الشاملة ردا على عقوبات غربية خانقة استهدفت مسئولين متهمين بقمع المسلمين فى مقاطعة شينجيانج الشمالية الغربية.

واستكمالا، أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن الفظائع مثل تجارة الرقيق فى المحيط الأطلسى واستعمار الدول والمحرقة اليهودية (الهولوكوست)، فضلا عن وفاة العديد من الأمريكيين والأوروبيين بسبب فيروس كورونا، يجب أن تجعل الحكومات الغربية تخجل من التشكيك فى سجل الصين فى مجال حقوق الإنسان.

ومؤخرا، استنكر الدبلوماسيون الصينيون والمشتغلون بالدعاية الصينية تقارير «الأكاذيب والتضليل» التى تشير إلى استخدام العمالة القسرية لقطف القطن أو معالجته فى مقاطعة شينجيانغ.

وقد أشادوا بالمواطنين لمقاطعتهم العلامات التجارية الأجنبية التى ترفض استخدام القطن من تلك المنطقة. وأخيرا، غرد قنصل عام صينى بأن رئيس وزراء كندا يرضخ للولايات المتحدة.

*     *     *

يراقب الدبلوماسيون الغربيون فى بكين مثل هذا الأداء القومى بجزع خاصة بعد أن تم استدعاء بعض المبعوثين لتوبيخهم فى وقت متأخر من الليل من قبل المسئولين الصينيين، لإبلاغهم بأن هذه ليست الصين قبل 120 عامًا عندما أجبرت الجيوش والزوارق الأجنبية آخر سلالة إمبراطورية مترنحة فى الصين على فتح البلاد على نطاق واسع للأجانب.

كما يؤمن بعض الدبلوماسيين بأن العالم يشهد نقطة تحول فى السياسة الخارجية الصينية. وفى هذا الصدد يشير دبلوماسى مخضرم إلى أن حكام الصين ينظرون إلى الغرب على أنه غير منضبط، ضعيف وفاسد، يسعون إلى إذلاله وإخضاعه.

وبالنسبة لهواة التاريخ فقد شبهوا هذا التحول الصينى إلى حد كبير بصعود اليابان واتباعها سياسات إصلاحية فى ثلاثينيات القرن الفائت، أو تلك التى شهدتها ألمانيا عندما قادها الطموح الصلب إلى الحرب فى عام 1914.

ليس بخافٍ على أحد أن فى واشنطن والعواصم الأخرى تتعالى أصوات توحى بأن الصين ترتكب أخطاء متهورة وخرقاء ولا يزال هناك غربيون يسعون لإثبات وقوع انتهاكات فى الحقبة الماوية. ومن المؤكد أن الغرب متذمر من الصين لأنها تفسد الرأى العام فى جميع أنحاء أوروبا.

هناك حيرة أيضا بشأن الكيفية التى تنظر بها الصين الآن إلى مسودة اتفاقها الأخير مع الاتحاد الأوروبى، اتفاقية الاستثمار الشامل، والتى بدت حريصة جدًا على إبرامها.

فتصديق البرلمان الأوروبى على هذا الاتفاق مجمد الآن، وربما يكون مدفونًا فى الصخور الثلجية، نتيجة للعقوبات التى فرضتها الصين على العديد من المشرعين الأوروبيين.

فى الواقع، يعتقد القادة الصينيون أن تصرفاتهم وتحركاتهم وسياساتهم الحازمة هى أمر عقلانى جدا فهم:

أولا، يعتقدون أن الصين تتمتع برصيد عالٍ حيث يظهر نظام عالمى تطالب فيه الدول النامية بمزيد من النفوذ الصينى. وفى الأمم المتحدة، تدعم معظم الدول الأعضاء الصين بشكل موثوق، كمصدر لا غنى عنه للقروض والبنية التحتية والتكنولوجيا المعقولة، وتأمين وسائل المراقبة فى الأنظمة الاستبدادية.

ثانيًا، تتأكد الصين بشكل متزايد من أن أمريكا والغرب فى حالة تدهور طويل الأمد لا رجوع فيه، حتى ولو كانت الدول الغربية متعجرفة للغاية بحيث لا تقبل أن «الشرق آخذ فى الصعود، والغرب فى حالة تدهور».

*     *     *

يمثل الحزب الشيوعى الصينى الأغلبية فى البلاد. وقبضتهم على السلطة تتضمن إقناع معظم المواطنين بأن الازدهار والأمن والقوة الوطنية تتطلب حكم الحزب الواحد بقبضة من حديد.

إنهم يضعون مصالح الحزب فوق أى اعتبار حتى وإن كان يضر بمصالح الأقلية، سواء أكان هؤلاء الأفراد مزارعين طُردوا لبناء سد، أو أقليات عرقية أعيد تعليمها لتصبح عمالًا بالسخرة، أو منشقين يجب إسكاتهم.

على أى حال، الصين تمثل تحديًا صعبًا للديمقراطيين الليبراليين على وجه التحديد لأن طغيانها باسم الأغلبية مدعوم من قبل الكثير من الصينيين، وبالتالى له تكلفة باهظة سينعكس على القيم والأقليات.

واليوم، تبدأ الأفكار الصينية حول الحكم العالمى فى الصعود وغزو دول العالم. ومع ذلك، نفى روان زونغ تسى، الباحث فى مركز شى جين بينغ للأبحاث الدبلوماسية بوزارة الخارجية، أن تكون الصين تريد تصدير قيمها.

لكنه وضع الخطوط العريضة لرؤية التعددية التى ــ من خلال عدم منح شرعية خاصة للمعايير الليبرالية ــ ستكون ملاذا آمنا للاستبداد الصينى.

كما احتقر السيد روان الحكومات التى تستخدم «ذريعة الديمقراطية لتشكيل تحالفات» ووصف ذلك بـ«التعددية الزائفة»، مضيفًا أن الدول النامية لا تحتاج إلى توجيه أصابع الاتهام إليها من الغرب وذلك يعطى الصين والاقتصادات الناشئة الأخرى، باعتبارها محركات للنمو العالمى، رأى ونفوذ أكبر قائلا: «أولئك الذين يمثلون الاتجاهات المستقبلية يجب أن يكون لهم القوة الرائدة».

لكن يرى أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن جزءًا على الأقل من المؤسسة الصينية مقتنع بأن النظام الليبرالى الذى تأسس بعد عام 1945- المبنى حول حقوق الإنسان العالمية والمعايير والقواعد التى تربط الأقوياء والضعفاء على حد سواء- يشكل عقبة أمام صعود الصين. ويقول إن هؤلاء السياسيين «مقتنعون بأن الصين لن تحقق أهدافها إذا التزمت بالقواعد الليبرالية».

كثير من الدبلوماسيين يصفون الصين بأنها متعجرفة ومذعورة. ويقولون أن بعض المسئولين الصينيين مقتنعون بأن الاتحاد الأوروبى سيسقط قريبا عقوباته المتعلقة بشينجيانغ، لأن أوروبا لا يمكنها التعافى من الوباء دون النمو الصينى.

وعلى النقيض، يشعر المسئولون الصينيون الآخرون بالقلق من أن بلادهم تصنع الكثير من الأعداء. لكن مع الأسف، يفوقهم عددًا أولئك الذين يراهنون على سقوط أمريكا والغرب ويلومون عدم شعبية الصين ضد الاستياء الغربى من النجاح الصينى.

الخلاصة، حكام الصين يستعدون على النحو الواجب لصراع طويل الأمد. والمخاطر واضحة سواء بالنسبة للصين أو للغرب.

المصدر | مجلة الإيكونوميست