الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الحماية الأميركية ليست بديلا عن إصلاح حقيقي وشفاف من داخل الأردن نفسه

نشرت مجلة "فورين بوليسي” مقالا للأستاذ المشارك في العلوم السياسية بجامعة تيمبل الأمريكية شين يوم خصصه للوضع في الأردن. واختار الباحث عنوانا لمقالته "الأردن أصبح مملكة موز” وحذر فيه من أن البلد ينهار أمام سمع ونظر أمريكا.

وأشار في بداية المقال إلى احتفال الأردن بالمئوية الأولى على إنشاء المملكة الأردنية الهاشمية والتي غطت عليها "قضية حمزة”، حيث بدأت الهزة الأرضية قبل أسبوعين عندما اعتقلت الأجهزة الأمنية عددا من الرموز البارزة بتهمة الترويج لانقلاب، ومن بين هؤلاء الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، الأمير حمزة، والذي طلب منه قطع الاتصالات مع مشايخ العشائر الساخطين على الوضع المعيشي الصعب والفساد المستشري بشكل بات بعضهم يرى فيه اختيارا أحسن من أخيه.

ويضيف أن البريطانيين قاموا برسم المملكة في 1921 ونصبوا عليها الهاشميين، ومع أنها افتقدت المصادر والمكانة إلا أن الملكية حافظت على الاستقرار عبر رعاية وحماية العشائر، وتحديدا بعد موجات اللاجئين من فلسطين في 1948 و1967. وكانت الصفقة متقشفة ولكنها نجحت وقامت على "الخبز مقابل الولاء”، ومنذ وصول الملك عبد الله الثاني إلى الحكم في 1999 رأى قادة العشائر أن الكثير من الوظائف والخدمات قد اختفت. ودخل الأمير حمزة إلى داخل هذه العلاقة المتوترة بين الملكية والعشائر. ويعتقد الكثيرون أن القضية مصطنعة صممت لحرف نظر الرأي العام عن سوء الإدارة للبلاد خلال العقد الماضي، رغم أن هناك من تحدث عن مؤامرة حقيقية وتدخل سعودي. وزاد انتشار فيروس كورونا من الأوضاع سوءا، حيث ارتفعت معدلات البطالة من 15% إلى 25% وزاد معدل الفقر من 16% إلى 37%، ولم تؤد الوعود الكثيرة من الملك عبد الله بالإصلاح الديمقراطي إلى ثمار حقيقية.

ومع نقد الناشطين من أبناء العشائر للملك، وهو تجاوز- لم ترد الملكية بسياسات أفضل وشفافية بل وزادت من القمع. ولكن قمع المعارضة أو مكائد القصر ليست القصة الحقيقية، فمثل كل الملكيات الأردن لا يتسامح إلا بالقدر مع المعارضة. وأكثر من هذا تعاني كل الملكيات العربية من الاحتراب الداخلي. وعلى مدي العقد الماضي شهدت السعودية والمغرب والبحرين حملات لتكميم أفواه المعارضة، وعانت عائلة الصباح في الكويت من المؤامرات والخلافات حول الخلافة.
ويقول يوم إن الأردن تحول إلى "ملكية موز” باتت شرعيتها ممزقة وتحتاج للدعم والسلاح من واشنطن للنجاة. وتخلت عن الكثير من سيادتها عبر معاهدة الدفاع التي وقعت في كانون الثاني/يناير بدون معرفة الرأي العام، مما أعطى الجيش الأمريكي حقوقا غير مقيدة للعمل في كل المملكة وتحويلها إلى قاعدة أمريكية ضخمة. كل هذا يجعل النظام بطبيعته غير مستعد للتفكير في أي إصلاحات بدون ضغط أمريكي واضح. وفي الوقت نفسه لا تزال الولايات المتحدة متواطئة في الأخطاء والانتهاكات السياسية والاقتصادية التي تفكك البلاد. والملك عبد الله الثاني هو اليوم أطول زعيم عربي حكما ويتعامل معه المسؤولون الأمريكيون على أنه ملك مؤيد للغرب ويقدمونه على أنه نموذج للاعتدال والإصلاح.
ودعاه بايدن في مكالمة للبقاء قويا، فيما أثنى أنتوني بلينكن على الشراكة الإستراتيجية الأمريكية- الأردنية.
ويعلق الكاتب أن هذه قصة محزنة ولكنها عادية، فكر بإيران في ظل الشاه أو دول غير شرق أوسطية مثل حكومة جنوب فيتنام أو هندوراس في ظل ساموزا. ويظهر التاريخ أنه عندما يتحول الديكتاتور المدعوم جزءا مقدسا من سياسة واشنطن الخارجية، يصبح وغيره أكثر اعتمادا على الدعم الأمريكي، بشكل يجعله يقدم الأولوية لواشنطن على مصالح شعبه. وفي حالة الأردن، حافظت الحكومة على سيادة أمريكا بالمنطقة وحمت إسرائيل وتجاهلت في الوقت نفسه مشاكل الشعب. وحكام كهؤلاء يستسلمون لأسوأ أنواع الاستبداد المفرط ويثرون أنفسهم وينفرون مجتمعهم منهم. ويتجاهلون الإشارات عن الثورة القادمة على اعتقاد منهم أن أمريكا ستنقذهم ولكنها لا تفعل. هذا هو الدافع المهيمن لأنظمة الموز أنها عندما تقوم بتدمير نفسها لا تلتفت إلى عقيدة كيرباتريك والتي تقوم على فكرة أن النظام الفاسد المؤيد للغرب هو أفضل من نظام معاد للديمقراطيات الغربية. ولكنه ينبع من الحقيقة اليومية، فعندما تلتزم الولايات المتحدة ليس فقط بالدفاع عن النظام ولكن إدارة البلاد، فلا تستطيع الخروج. وتواجه الولايات المتحدة تناقضا ظاهريا حيث يخشى صناع السياسة من تخفيض أي جزء من الدعم بشكل يزعزع استقرار الدولة الوكيلة والذي لا تستطيع النجاة بدونه. ومن هنا، فالخيار الوحيد هو استمرار النظام مع أن سياساته هي سبب في عدم الاستقرار.
وتحول اعتماد البلد على أمريكا في أثناء الحرب الباردة، حيث حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا في نهاية الخمسينات من القرن الماضي وأصبحت حاميته. وكان تحركا منطقيا ينبع من دعم كل الأنظمة المعادية للكتلة السوفييتية. ولا يوجد في الأردن نفط، لكنه استمر في لعب دور كاسر جيوسياسي يعزل إسرائيل ودول شبه الجزيرة العربية النفطية عن القوى الشيوعية المتشددة والقومية العربية. وبعد نهاية الحرب الباردة أصبح الأردن جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمريكية عبر مساعدته في دعم "باكس أمريكا” بالشرق الأوسط. وعقد معاهدة سلام مع إسرائيل وساعد في حملات مكافحة الإرهاب وسرع من عملية غزو العراق واستضاف التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية وحول الأسلحة إلى المعارضة السورية المسلحة. وتذهب معاهدة الدفاع الأخيرة خطوة أبعد وهي تجنيد الأردن لخوض حروب الولايات المتحدة في المنطقة. وخلال كل هذه المراحل ساعدت الولايات المتحدة على بناء الدولة الأردنية، وكان الدعم الأجنبي واحدا من الآليات. وتفوق الدعم الاقتصادي الأمريكي على كل الموارد الضريبية المحلية، بحيث كان الشيء الوحيد الذي يحافظ على "قلعة الأردن” ويمنع إفلاسها.
وفي الوقت الذي يحصل فيه الأردن على دعم من عدة مانحين بمن فيهم صندوق النقد الدولي إلا أن الدعم الاقتصادي الأمريكي يظل قابلا للاستبدال على شكل أموال نقدية ومضمون ويزيد عن مليار دولار سنويا. وبنفس السياق، بدأت وكالة التنمية الدولية الأمريكية بتصميم وتشغيل معظم البنى التحتية الأردنية في الستينات من القرن الماضي، ووفرت الإجراءات الأساسية للحكم والبضائع للناس والمجتمع والعائلة المالكة. فعندما يحصل المواطن الأردني على المياه من الصنبور، وهو أمر ليس سهلا في بلد يحتاج الماء، فإن هذا بسبب وكالة التنمية الدولية. وحتى ميناء العقبة والمنطقة الاقتصادية الخاصة، المشروع الضخم الذي هدف لتحويل الميناء لنقطة نشاط إقليمي موله وصممه التكنوقراط الأمريكيون. كما أن المؤسسات الأمنية التي تعمل على تقوية النظام الأردني أصبحت مرتبطة وبشكل تكافلي مع أمريكا. فمديرية المخابرات العامة في الأردن التي يتم تمجيدها في الغرب على أنها النسخة العربية من الموساد قضت معظم وقتها في خنق المعارضة الأردنية مع مكافحة الإرهاب. وكذا الجندي في الجيش مدين للولايات المتحدة بالتدريب، ومعظم أسلحة الجيش- الدبابات والبنادق والمقاتلات مصنع في الولايات المتحدة.

لكن الأردن يظل استثناء بين حلفاء واشنطن، فهو قاعدة أمريكية تديرها ملكية ويعرف أن أهم بناية فيه إلى جانب القصر في عمان هي السفارة الأمريكية. وبالطبع فكونك محمية أمريكية له ثمن. والاعتماد على حسن النية الأمريكية لم يعط، مثلا، الملك عبد الله هامشا لوقف "صفقة القرن” التي قدمتها إدارة دونالد ترامب لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني والتي أغضبت الملك لأنها تبنت مزاعم إسرائيل في الأرض الفلسطينية وهمشت الدور الأردني التقليدي في الوساطة بالنزاع. وحتى في ظل هذه الزوبعة لم تتساءل أبدا إدارة ترامب عن حكمة بقاء الملك عبد الله في الحكم. وهو ما يفسر الدعم الأمريكي حتى عندما قامت الحكومة بالضغط على القبائل واعتقال أحد الأمراء. ولم تتخيل أمريكا أردنا مختلفا عن هذا لأنها ليست مجبرة. والتاريخ يكشف أن أمريكا فشلت في إنقاذ الأنظمة التابعة لها لكن البديل عنها كانت أنظمة معادية لها، فالثورة الإسلامية في إيران هي مثال كلاسيكي، وقريبا من حدودها، النظام الكوبي الذي نتج عن الإطاحة بجمهورية موز أصلية، نظام فلوجينكو باتيستا.

وفي غياب احتمال فرض أمريكا الضغوط عن بعد على النظام الأردني للإصلاح، فإن التغيير يقع على عاتق النظام، وهو يعرف أن العشائر لا ترغب فقط بالتغيير والإصلاح، بل كل المواطنين الأردنيين، لأنهم يحتجون منذ الربيع العربي. ويريدون حملات شفافية وتحمل مصداقية لإنهاء الفساد المستشري. ويتطلعون لاستبدال التبذير العام ببرامج منتجة وتوفر الوظائف. ويرغبون بقمع أقل وديمقراطية أكثر، وهو تعهد قطعه على نفسه الملك عبد الله عام 2011. ولكن الوقت ينفد ولا يزال الشرق الأوسط مكانا للثورة خسر فيه ستة ديكتاتوريين السلطة في انتفاضات جماهيرية في العقد الماضي. وسواء كان الدور على الأردن، فهذا يعتمد على الملكية التي يجب عليها إعادة التفكير في نهجها بدلا من النظر للولايات المتحدة. ولو فعلت فستصبح المملكة الأردنية الهاشمية نموذجا للإصلاح والاعتدال الذي تعلن عنه الآن واشنطن.