الأجندة السياسية الزمنية التي لم تتضح بعد ما زالت مهددة بالتطورات في الساحة الأمنية (لم يتحدد ما إذا كان التصويت على الثقة بالحكومة الجديدة سيكون في هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم). ورغم تحذيرات الأجهزة الأمنية الأخرى، لم تعلن الشرطة عن مسار مسيرة الإعلام في القدس الخميس المقبل. في هذه الأثناء عزز حرس الكنيست بالتشاور مع الشاباك حراسة أعضاء الكنيست من حزب "يمينا”، الذين يتلقون التهديدات على حياتهم.
منظمو مسيرة الأعلام الجديدة، أعضاء حزب "الصهيونية الدينية”، قالوا إن هذا نشاط سياسي عادي تحميه حرية التعبير. ولكن تصميمهم على السير في الحي الإسلامي في البلدة القديمة يبرهن على نواياهم الحقيقية، وهي محاولة إلقاء عود ثقاب على أبخرة الوقود المتراكمة أصلاً في القدس.
يزداد قلق الإدارة الأمريكية حول وضع القدس واحتمالية جر تصعيد جديد في المدينة ثم مواجهة أخرى بين "إسرائيل" وحماس في القطاع، مثلما حدث قبل شهر في عملية "حارس الأسوار”. طُرح التخوف الأمريكي في المحادثات التي أجراها وزير الدفاع، بني غانتس، في واشنطن الأسبوع الماضي.
أجرى غانتس، السبت، مشاورات مع ضباط جهاز الأمن، طلب في نهايتها تغيير المسار المخطط له لمسيرة الاعلام. المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، أجرى أمس تقدير وضع خاص به مع الضباط في الشرطة وفي لواء القدس حول الأمر. وقالت مصادر سياسية إن "إسرائيل" عادت إلى الروتين الأمني، لذلك فإن قرار إجراء المسيرة ومسارها موجود في أيدي المستويات المهنية في الشرطة. في المقابل، قالت مصادر أمنية إنه حسب تقديرها، يعرف شبتاي أن القرار الصحيح هو إبعاد المشاركين في المسيرة عن الحي الإسلامي والإعلان عن تغيير المسار.
تواصل الشرطة التعامل بقسوة في شرقي القدس، وبهذا تواصل تسخين الوضع في المدينة. الجمعة، تم اعتقال مراسلة قناة "الجزيرة” بالقوة أثناء مظاهرة في حي الشيخ جراح، واحتاجت إلى وضع الجبص على يدها. أمس، اعتقلت لبضع ساعات ناشطة احتجاج فلسطينية بارزة في الحي. وهذه الناشطة لها 1.2 مليون متابع في الإنترنت، الذين يتم إطلاعهم أولاً بأول، بمساعدة منها، على ما يحدث في القدس.
أشار جهاز الأمن إلى أن الوضع في قطاع غزة حساس جداً وأن زعيم حماس، يحيى السنوار، الذي يبحث عن ذريعة لاستئناف التصعيد، قد يجده في أحداث القدس.
ما زالت "إسرائيل" تحاول فرض ترتيبات جديدة على حماس بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، وتحديد أن الأموال القطرية التي سيتحول إلى القطاع لن تدخل إلا عن طريق السلطة الفلسطينية. تعارض حماس ذلك، وهي قلقة من خطوات "إسرائيل" لتقليص حركة البضائع في الحواجز ومحاولة ربط التسهيلات في الحصار بتحقيق تقدم في صفقة إطلاق سراح الأسرى والمفقودين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع. حدد مصدر أمني، أمس، نسبة استئناف التصعيد في القطاع بـ "50 – 50 في المئة”.
وبصورة متعمدة بشكل جزئي، تولدت حركة كماشة، من جهة عنف في القدس وتوتر متزايد في القطاع، ومن جهة أخرى ضغط شديد على أعضاء الكنيست من "يمينا” للانسحاب من الائتلاف الذي يلوح في الأفق. في الخلفية تهديدات بالعنف ضدهم، والنتيجة تهديد واضح على استكمال العملية الديمقراطية لتشكيل الحكومة.
مثل غانتس، يعبر رئيس الشاباك، نداف أرغمان، عن خوفه بصورة علنية. فقد قُرئ بيانه المفصل كرسالة من رئيس الشاباك إلى لجنة التحقيق المستقبلية. كان يجب أن تنتهي فترة ولاية أرغمان في الشهر الماضي، لكنه استجاب لطلب رئيس الحكومة نتنياهو بالبقاء في منصبه لبضعة أشهر أخرى. مع ذلك، لم يتطرق بيانه إلى المفهوم ضمناً، وهو أن الخطر الأساسي يكمن في عنف مؤيدي نتنياهو وليس معارضيه، الذي يؤجهه أعضاء الليكود ومقربو رئيس الحكومة.
إذا أخذ نتنياهو في الحسبان تحذيرات أرغمان، هذا بالتأكيد لا يظهر في أقواله في جلسة قائمة الليكود أمس بعد الظهيرة. وقد دفع ضريبة كلامية على شكل إدانة لـ"التحريض والعنف من أي جهة كانت”. ولكنه على الفور تذمر كالعادة: "هناك نداءات تهديدية ضدي، بما في ذلك نداءات صريحة لقتلي وقتل زوجتي”. بعد ذلك تطاول نتنياهو على المراسلين الذين، حسب قوله، يشاركون في آلة الدعاية ضده. "لا يجب أن تخافوا من التصادم معهم”، قال لأعضاء الكنيست.
هذا التصريح غير المسبوق لزعيم "إسرائيلي"، الذي سيترجم كانقضاض على مراسل التلفزيون المناوب في الميدان، ذكّر بالخطاب المسموم الذي أسمعه بعض أصدقاء نتنياهو مثل الديكتاتور الفلبيني رودريغو دوتيرتا، ورئيس حكومة هنغاريا فيكتور اوربان. في أحد حسابات نتنياهو في الشبكات الاجتماعية، نشر أمس تصريح إخلاص وتقدير لزعيم، بجانب صورة له وهو على حصان (!)، وكأنه الرئيس الروسي فلادمير بوتين. لا شك بأن نتنياهو في صحبة جيدة هذه الأيام.
ما تبقى هو أن نرى إذا كانت لأقوال رئيس الحكومة تأثيرات مخففة على النظام السياسي. في هذه الأثناء تم نشر رسالة متطرفة لحاخامات بارزين في "الصهيونية الدينية”، في المعسكر وليس الحزب، تدعو إلى "فعل كل شيء” من أجل عدم تشكيل حكومة التغيير.
الحاخام حاييم دروكمان، أحد الذين وقعوا على الرسالة والذي يدهش بسيره على حدود التحريض منذ قتل رابين، شرح أمس بأن "فعل كل شيء” لا يتضمن استخدام العنف. والسؤال مرة أخرى: هل سيفسر كل من يقرأ الرسالة بالضرورة مثلما فسرها دروكمان؟
المشاركة في المظاهرات، التي يجري عدد منها أمام منازل أعضاء الكنيست من "يمينا”، مقلصة جداً الآن. معظم من يأتون إليها من مؤيدي بيبي المعروفين، غير مصوتين خائبي الأمل من معتمري القبعات المنسوجة. تسمع الشتائم والصرخات في أفلام قصيرة من المظاهرات، لكن هذا لا يقترب من المشاعر التي كانت في زمن العمليات في ذروة عملية أوسلو.
يحلق في الأجواء حتى الآن تهديد واضح للعنف. عضوة الكنيست عيديت سولمان، تحدثت عن مجهولين يلاحقونها بسيارة. أربعة أعضاء من بين الستة الذين بقوا في "يمينا” (عميحاي شكلي استقال وذهب إلى أحضان نتنياهو، ويفكر بتشكيل قائمة مستقلة)، يتجولون الآن مع حراس. منذ الخميس، ونفتالي بينيت نفسه تحت الحراسة المشددة وتحت حراسة دائمة من "الشاباك”. يتعلق الخوف بأعضاء كنيست من قائمته. وهذا لا يستوجب مسدساً يوجه إليه. أحياناً، وكما شهدنا سابقاً، يكفي فنجان شاي يغلي لنقل الرسالة.
الكثير مما سيحدث يتعلق باستعداد الشرطة التكتيكي والقدرة على الدفاع عن أي هدف مهدد. في هذه الأثناء، يبدو أن الشرطة موجودة في كل مكان احتكاك، وتتخذ خطاً متشدداً. تحدث أرغمان بكلمات لاذعة، لكن الغريب أنه لم ترافقها بيانات عن استدعاء للتحقيق لمن يرسلون تهديدات فظة في الشبكات الاجتماعية. إن الردود المهينة والمحذرة تذكر بدرجة معينة بما حدث بعد التحذير الذي أرسله أحد أسلافه في المنصب، كرمي غيلون، في تشرين الأول 1995، عشية قتل رابين. اريئيل شارون، الذي هو نفسه غازل التحريض ضد رابين وشمعون بيرس، أجريت معه مقابلة مع مجلة أسبوعية للمتدينين، وقال إن أقوال غيلون تحريض متعمد استهدف وضع صعوبات أمام معارضي الحكومة. وقال شارون إن التحذير مناورة ستالينية. وقد خاب أمله بعد بضعة أسابيع.
وأرغمان اليوم مثل غيلون، لا يعمل من خلال بارانويا، بل بدافع القلق الحقيقي. هذا لا يجب أن يكون اغتيالاً، كما قلنا. والنطاق المحتمل لأعمال العنف واسع، وبدأ الشعور بالاحترار فعلياً في الأطراف النائمة. سلوك بعض البيبيين يذكر بنشطاء في مجموعة دينية، يظهرون أن الواقع يحاصرهم من كل جهة، وهم يصممون على فعل شيء لوقف ذلك.
------------------
الكاتب: عاموس هرئيل
المصدر: هآرتس العبرية
التاريخ: 7/6/2021