الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الانتخابات الإيرانية.. قواعد صارمة وكلمة السر في المؤسسات

الانتخابات الإيرانية.. قواعد صارمة وكلمة السر في المؤسسات
تغرق وسائل الإعلام الإيرانية والدولية حاليًا بالتكهنات المتعلقة بالفائز المحتمل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 18 يونيو/حزيران، وكيفية تأثير ذلك على علاقات إيران مع الولايات المتحدة، ولكن أي تكهنات حاليًا تعد سابقة لأوانها وغير ناضجة، بالنظر لعدة عوامل مهمة.

فعند التأمل في الإجراءات الأساسية والديناميات السياسية للانتخابات الرئاسية الإيرانية بالإضافة إلى طريقة اتخاذ القرارات الاستراتيجية في إيران منذ عام 1979، وعند تأمل السياق التاريخي في إيران، فإن المتنافسين الجديين في الانتخابات الرئاسية لن ينضموا إلى السباق حتى قبل 5 أسابيع من الانتخابات، كما إن الرئيس ليس سوى شخص واحد من صانعي القرار المؤسسي في أعلى هيئة لصناعة القرار الاستراتيجي في إيران، وهي مجلس الأمن القومي الأعلى.
وبالرغم من صخب وسائل الإعلام، لا يبدأ تسجيل المرشحين حتى 11 مايو/أيار ويستمر حتى 15 مايو/أيار، وخلال هذه الأيام الخمسة، فإن مجلس صيانة الدستور سيفحص كفاءة المرشحين ويعلن حكمه بشأنهم وفقا للمتطلبات الدستورية المفصلة في قانون 26 يونيو/حزيران 1984 بشأن الانتخابات الرئاسية وتعديلاتها اللاحقة.
قواعد ترشح صارمة
وتتضمن هذه المتطلبات معايير موضوعية وغير موضوعية، وتشمل المتطلبات الموضوعية الالتزام بالشيعية الاثنا عشرية والجنسية الإيرانية، وألا يكون حاملا لجنسية بلد أجنبي سابقا أو حاليا، وأن يكون حاصلا على درجة ماجستير أو ما يعادلها، وأن يكون ما بين 40 و 70 عاما في وقت التسجيل، وأن يكون قد أنهى الخدمة العسكرية (أو أعفي منها بشكل قانوني).
أما تلك المعايير غير الموضوعية فتتضمن الولاء للنخبة الدينية والسياسية، وامتلاك مهارات قيادية، والإيمان بمبادئ الجمهورية الإسلامية، وأن يكون لديه سمعة طيبة من "الصدق والتقوى".
وتمنع المعايير الموضوعية وحدها أكثر من نصف سكان إيران من الترشح للرئاسة؛ حيث تستلزم ضمنا أن يكون المرشح من الرجال، مما يستبعد النساء.
كما تستبعد متطلبات الشيعية الاثنا عشرية الأقلية السنية الإيرانية، والتي تشكل حوالي 10% من السكان، والأقليات الدينية الأصغر، مثل المسيحيين واليهود والزرادشتية، وكذلك الإيرانيين العلمانيين.
أما المعايير غير الموضوعية فتؤدي إلى مزيد من التمكين لمجلس صيانة الدستور -وبالتالي المرشد الأعلى "علي خامنئي"- فيما يتعلق باستبعاد غير المرغوب فيهم سياسيا، كما تضمن هذه المعايير الوحدة الأيديولوجية بين النخبة.
تأخر المرشحين الجديين
باستثناء أول انتخابات رئاسية في الجمهورية الإسلامية، والتي جرت قبل إنشاء مجلس صيانة الدستور، فعادة ما يسمح لعدد قليل من المرشحين بالمنافسة في الانتخابات فيما يتم استبعاد الآخرين بشكل تعسفي.
أما الاستبعاد الأكثر لفتًا للانتباه فقد حدث في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2013، عندما استبعد مجلس صيانة الدستور لأسباب غير معلنة، الرئيس الأسبق "علي أكبر هاشمي رفسنجاني"، وغيره من الشخصيات البارزة في النظام.

وهكذا فإن هذه العملية تحاول إيهام الناس بأن هناك حرية اختيار لدى الناخبين، بينما يكون المرشحين المعروضين عليهم هم قائمة محدودة ومختارة بعناية.
وفي ظل رغبة المرشحين الجديين في أن يكونوا من بين القلائل المختارين، فإنهم لا يتعجلون بإعلان ترشيحهم ولا يسجلون رسميا كمرشحين حتى بضع ساعات قبل الموعد النهائي. وفي غضون ذلك، ينخرطون في الضغط الخفي بين زملائهم من النخب وإرسال الرسائل غير المباشرة للجمهور لاستدعاء مطالبة الجمهور لهم بالمشاركة.
وبمجرد أن يثقوا بالحصول على الدعم بين النخب أو ضوء أخضر من "خامنئي" شخصيا، ويتمكنوا من حشد درجة من الحماس العام، فإنهم يسجلون رسميا كمرشحين.
وفي مثل هذه الظروف، سيجد المجلس صعوبة في استبعادهم، ما لم يكن الضوء الأخضر من "خامنئي" خداعًا خالصًا لإغراء الشخص بالتسجيل ثم استبعاده في وقت لاحق وإحراجه لتدمير المستقبل السياسي للمرشح، وهو ما ادعى "رفسانجاني" أنه حدث في عام 2013.
أما المرشحون الأقل جدية، فإنهم ليسوا مقيدين بهذه الاعتبارات ويعلنون ترشيحهم في وقت مبكر لتعظيم التغطية الإعلامية.
شخصيات الحرس الثوري
وخلال الأشهر الأخيرة، سيطر 3 ضباط من الحرس الثوري على التكهنات الإعلامية كمرشحين محتملين، وهم "محمد باقر قاليباف" الذي شغل سابقا منصب قائد القوات الجوية للحرس الثوري وكذلك قائد الشرطة، ويشغل حاليا منصب رئيس البرلمان، وهو منصب لن يتخلى عنه على الأرجح في سبيل النتيجة غير المؤكدة للانتخابات الرئاسية.
وهناك أيضًا "حسين دهقاني"، الذي كان من بين أولئك الذين احتجزوا الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979، وشغل منصب قائد لبنان في الحرس الثوري في الثمانينيات ثم وزير الدفاع، وهو مرشح ذو وزن قليل أيضًا، حيث يبدو كمن يرغب بتزيين سيرته الذاتية بالترشيح الرئاسي أكثر من السعي الفعلي للرئاسة.
أما الثالث "سعيد محمد"، فهو وجه شاب من الحرس الثوري، وترك مؤخرًا منصبه كقائد لمقر "خاتم الأنبياء" التابع للحرس، والتي تعد أكبر شركة مقاولات في إيران. وقد طُرح اسمه في المنافسة في البداية بشكل سيء، حيث انتشرت شائعات كثيرة بأنه جرى طرده من "خاتم الأنبياء" بسبب "مخالفات سلوكية". 
وإذا وافق المجلس على ترشح هؤلاء الثلاثة، فربما تكون هناك فرصة لوزير الخارجية "محمد جواد ظريف" وأعضاء فريق الرئيس "حسن روحاني" التكنوقراط للفوز على الضباط في الانتخابات. وقد يتحقق ذلك بالرغم من وعودهم غير المضمونة بأرباح السلام للناخبين، والمتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع ذلك، ففي الوقت الحالي، يضغط فريق "روحاني" بهدوء في أروقة السلطة لاستطلاع ميول النخبة وطبيعة المرشحين الذين يجدهم النظام مقبولين.
وقد تكون نتيجة هذه المناورات مهمة في سياق النضال من أجل خلافة "خامنئي"، مما يفسر التنافس بين الحرس الثوري الإيراني من ناحية والتكنوقراط من ناحية أخرى. ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن نتوقع تحولًا جذريا في العلاقات الأمريكية الإيرانية بناء على من يفوز في الانتخابات الرئاسية.
سياسة تتجاوز الأفراد
منذ التعديل الدستوري لعام 1989 الذي أنشأ مجلس الأمن القومي الأعلى، فقد تطور المجلس تدريجيا ليصبح أعلى هيئة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية في الجمهورية الإسلامية.
وصحيح أن من يرأس مجلس الأمن القومي الأعلى هو الرئيس، إلا أن التكوين المفروض دستوريا للمجلس يوفر أيضا لكل قوة من الدولة مقعدا على الطاولة.
وفي حين أن تفاصيل الأعمال الداخلية لهذه المؤسسة لا تزال غامضة، تشير روايات المطلعين إلى اتخاذ قرارات بشكل ديموقراطي بين الأعضاء.
وبعبارة أخرى، سيكون التوجه السياسي السائد بين غالبية أعضاء المجلس، هو ما يشكل سياسة الدولة الإيرانية وليس بالضرورة تفضيلات الرئيس القادم السياسية.
في ضوء هذا، يبدو أن معظم التكهنات حول المرشحين ونتائج الانتخابات سابقة لأوانها، ويبدو أن التقييمات حول التأثير المحتمل على العلاقات الأمريكية الإيرانية مبالغ فيها.
ويجب أن لا يصرفنا التركيز على الشخصيات التي تخوض المعركة الانتخابية، عن التركيز على المؤسسات التي من المحتمل أن يكون لها تأثير أكبر من الأفراد.
المصدر | علي ألفونيه - معهد دول الخليج في واشنطن -