الاتفاقية الصينية-الإيرانية...الخليج مسرح جديد لتنافس القوى العظمى
رأى الكاتب الايراني بوريا نابيبور أن وثيقة "التعاون الاستراتيجي الشامل" بين الصين وايران تُمثّل خطوة مهمة لتحقيق الأمن في الخليج العربي.
إجراء حوار مستدام وشامل حول أمن الخليج العربي بدعم ووساطة جهات خارجية مثل الصين، يتطلب اتخاذ تدابير عملية لبناء الثقة تدريجياً وتوسيع التعاونوكتب نابيبور، في موقع "مودرن دبلوماسي"، أن المصالح الجيواقتصادية في المنطقة واضحة، حيث ركّز الكثير من الخطابات الإستراتيجية الأخيرة على حاجة الصين للطاقة من الشرق الأوسط. وتبدي الصين اهتماماً كبيراً بالتصدير إلى المنطقة، ولكن هناك أيضاً حماسة كبيرة في المنطقة للاستثمار الصيني.
وظهر الخليج العربي كمسرح جديد للتنافس بين القوى العظمى. وتعتبر الصين المنطقة مصلحة استراتيجية حيوية لتعزز دورها النشط، وتحرص على استقرار البيئة التي ستساعد، من بين أمور أخرى، استثماراتها في البنية التحتية في المنطقة. وهذا يعتمد، من منظور الصين، على استقرار المنطقة. وستكون إيران أكثر ارتباطاً بمبادرة الحزام والطريق الصينية. وتعمل الصين، تحت مظلة مشروع "حزام واحد وطريق واحد"، على توسيع نفوذها السياسي والاستثمار بشكل مطرد، بما في ذلك بمضيق هرمز. وهي تهدف إلى تعميق مشاركتها في المنطقة بناءً على استراتيجية طويلة الأمد تسعى إلى تحسين النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
العلاقات الصينية-الخليجية
وليست ثمة مؤشرات لخفض التوترات بين إيران وخصومها في الخليج. وعلى الرغم من أن الاتفاق الصيني-الإيراني أثار نقاشات مكثفة في وسائل الإعلام الدولية، فإن إيران ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحافظ على شراكة استراتيجية مع الصين. دول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية (منذ 2016) والإمارات (منذ 2018) تفعل ذلك أيضاً. في عام 2020، حلّت الصين محل الاتحاد الأوروبي كشريك تجاري أساسي لدول مجلس التعاون الخليجي.
دور أمني ضامن
ونظراً إلى دورة الأحداث المعاصرة في مضيق هرمز والتي أدت إلى تكثيف التوترات، فقد تضطر الصين إلى الاضطلاع بدور أمني أكبر للحفاظ على حرية الملاحة، وهو أمر ضروري لأمن الطاقة وتدفق إمدادات النفط عبر الخليج العربي. ومع ذلك، وبغض النظر عن التوترات الإقليمية الحالية والمخاطر العالية للصراعات العسكرية مؤخراً، فإن الصين متردّدة تماماً في الانغماس في التوترات الإقليمية ومحاولات تجنب الصراع العسكري.
ويشير إحجام الصين عن العمل كضامن أمني في الخليج العربي إلى أن قوتها الشاملة في الشرق الأوسط لم يتم تحديدها بشكل جيد بعد. ويبدو من غير المرجح أن تعلن بكين عن أي مبادرات سلام لأمن الخليج العربي بخلاف الدعوات الواسعة للسلام في المنطقة، والتي من المحتمل أن تحافظ على سياسة الصين الحالية بعدم التدخل. ومن وجهة نظر الصين، فإن مساهمتها في التطورات الإقليمية من خلال الاتفاقيات الثنائية و"مبادرة الحزام والطريق" هي أفضل طريقة لتحقيق الاستقرار.
موازنة العلاقات
لا شك في أن إيران شريك أساسي في توقّعات بكين الاقتصادية في الشرق الأوسط. وتهدف الدولتان إلى الحفاظ على آليات منتظمة للحوار الحقيقي حول جميع القضايا المشتركة. ومع ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تهدف إلى كبح جماح دعم الصين لإيران.
ومع ذلك، لن تصوغ الصين أي علاقة أحادية الجانب لا مع دول مجلس التعاون الخليجي ولا مع إيران، فهي حريصة على موازنة علاقاتها مع جميع القوى الإقليمية. ومن خلال التحايل على المشاركة المباشرة في المعارك الإقليمية، تهدف الصين إلى توسيع أنشطتها الاقتصادية والعسكرية في منطقة استراتيجية للغاية، وتأمين تدفق صادرات النفط التي تشتد الحاجة إليها في ظل مناخ تنافسي، دون التورط في اضطرابات المواجهات السياسية والأمنية في الخليج العربي.
لاعب عالمي مسؤول
ومع وجود الصين الآن في الخليج العربي، سيتعين على واشنطن الاعتراف بمصالح بكين.
ومن خلال الاتفاقية مع إيران، يمكن للصين أن تحافظ على وجود مستدام على طول مضيق هرمز وسيكون لها وجود موثوق عبر نقطتين رئيسيتين في المحيط الهندي، إضافة إلى باب المندب. ومن شأن الوجود الصيني على طول مضيق هرمز أن يضفي الشرعية على قواعد بكين الخارجية لحماية مصالحها البحرية، ما سيضفي مصداقية على مزاعم بكين بأنها لاعب عالمي مسؤول.
بقدر ما يتعلق الأمر بالأمن الإقليمي، فإن احتمال نشوب صراع أوسع في المنطقة لن يعرض صادرات النفط للخطر فحسب، بل يهدد أيضاً بإبعاد المستثمرين الأجانب، بينما تحتاج إيران ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي إلى رأس مال جديد وتكنولوجيا متطورة ومعرفة إدارية.
وختم بينيابور قائلاً: "يبدو أن إجراء حوار مستدام وشامل حول أمن الخليج العربي بدعم ووساطة جهات خارجية مثل الصين، يتطلب اتخاذ تدابير عملية لبناء الثقة تدريجياً وتوسيع التعاون. يمكن أن تتطور مثل هذه الآلية الشاملة إلى منصة منظمة لبناء الثقة تعالج كلاً من التحديات الخاصة بقضية محددة، والأسئلة الأوسع حول الأمن في الخليج العربي".