النهار الاخباريه وكالات
وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منفذا جديدا للمواجهة مع أوروبا وقودها اللاجئون.
الطرف المعلن الأول، في هذه اللعبة الجغرافية ـ السياسية هو دكتاتور بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، الذي تدور سياسات بلاده، كما هو معلوم، في الفلك الروسي، ويعتبر «رأس حربة بوتين» في وجه «القارة العجوز» ولكن المشاركين المساهمين في العملية يضمون النظامين السوري والعراقي، والطرف الثاني يتضمن بولندا، بشكل رئيسي، ولكنه يفيض أيضا ليشمل ليتوانيا ولاتفيا وأوكرانيا واليونان وكرواتيا.
استخدمت روسيا ورقة اللاجئين سابقا، عبر تسهيلها مرورهم نحو فنلندا، التي استطاعت، عبر نفوذها مع موسكو، استيعاب المسألة وتأطيرها، لكنها قررت، هذه المرة، العمل من وراء كواليس بيلاروسيا، التي تتشارك مع بولندا شريطا حدوديا يبلغ طوله 271 كيلومترا، كطريقة للرد على فرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات على مينسك، في حزيران/يونيو 2021، ردا على «تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بيلاروسيا» وذلك بعد أن أعلن لوكاشينكو فوزه في الانتخابات، في آب/أغسطس 2020، اعتبرها معارضون مزورة، وحين خرجوا الى الشوارع للاحتجاج واجهتهم قوات الأمن بالعنف الشديد.
فتحت سفارة مينسك في دمشق أبواب الفيزا للسوريين، وساعد النظام السوري، وجهات عراقية، بنشر الإعلانات، والترويج للسفر عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتشغيل خطوط «أجنحة الشام» التي تواجه أيضا عقوبات أمريكية عليها منذ عام 2016، وحسب تحقيق استقصائي فقد قامت طائرة ركاب سورية ببدء أولى رحلاتها إلى بيلاروسيا في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، وخلال قرابة شهر سيّرت 54 رحلة، وبذلك أصبح مطار دمشق نقطة عبور أساسية نحو مينسك، وهذا ما أدى إلى وصول آلاف الأشخاص إلى حدود بولندا وليتوانيا.
لم يكتف النظام في بيلاروسيا بتشجيع الهجرة بل استخدم قواته المسلحة لإيصالهم إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وهناك أشرطة فيديو تظهر عناصر مسلحة وملثمين تابعين لبيلاروسيا يدفعون بالمهاجرين نحو السياج الحدودي، حيث يدفع اليأس بعضهم لمحاولة إزالته أو اختراقه.
وجد دكتاتور بيلاروسيا، ومن ورائه بوتين، إذن، في استخدام حيوات ومصائر السوريين والعراقيين واليمنيين أسلوبا لقلب طاولة «حقوق الإنسان» وانتهاكاتها على رأس الأوروبيين، فإن دول أوروبا، من ناحيتها، لم تقصر أيضا في تجاهل العنصر الإنساني والحقوقي للمسألة والنظر إلى المهاجرين كعدو يجب دحره والقضاء عليه.
أحد الساسة الفرنسيين، وعارض الأزياء السابق، جوليان أودول، فضّل أن يتجمد المهاجرون العالقون على الحدود البولندية حتى الموت على أن يسمح لهم بدخول أوروبا، فيما قال أحد ألوية الجيش الأوكراني على صفحته في «فيسبوك» إن «أي أشخاص قد يتظاهرون على أنهم مهاجرون لن يستطيعوا دخول أراضي أوكرانيا، وسيتم القضاء عليهم من قبل وحداتنا» كما تحدثت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية عن قيام مجموعات من الشرطتين اليونانية والكرواتية، بأزياء وأقنعة سوداء، بمهاجمة لاجئين على حدود كرواتيا والبوسنة والهرسك بالهراوات، وكشف تحقيق أن هذا عمل رسمي منظم لاستخدام العنف لطرد المهاجرين، وقد وصل عدد القتلى من المهاجرين على حدود بولندا إلى ثمانية.
قامت بولندا، من جهتها، بنشر آلاف الجنود، ونصبت سياجا شائكا، وهي تتفاوض حاليا مع الاتحاد الأوروبي على تمويل جدار عال لمنع دخول اللاجئين، أما رئيس أركان بريطانيا، التي استقبلت في يوم واحد مؤخرا قرابة ألف مهاجر عبر بحر المانش، فقال إنه «يجب الاستعداد للحرب مع روسيا» وقد وصلت عناصر من الجيش البريطاني فعليا إلى بولندا لتقديم الدعم للجيش البولندي.
يمكن لبوتين ولوكاشينكو والأسد السخرية من أوروبا ومبادئها وتعريضها لامتحان يكشف قابليتها للانحطاط، في بعض الأحيان، إلى أساليب من تنتقدهم من طغاة، لكن هذا لا يجيب على سؤال كبير: لماذا تحولت بلدانهم، بالنسبة لمواطنيهم، أو للمهاجرين العابرين، إلى مراكز طاردة يتمنى البشر الهروب منها ولو تعرضوا لأشكال من القمع والعنف والاضطهاد في أوروبا؟