في تقرير أعده مراسل صحيفة "أوبزيرفر” غيث عبد الأحد من العراق أشار إلى إعادة تنظيم الدولة تجميع صفوفه في قلب العراق.
وبعد خسارة التنظيم مدينة الموصل قبل أربعة أعوام أعاد التنظيم تجميع صفوفه في فرق صغيرة تقوم باغتيال القيادات المحلية وتستهدف محطات توليد الكهرباء والمنشآت النفطية والنقاط العسكرية.
ويظل عددهم أقل بكثير مما كانوا عليه عندما حكموا مناطق شاسعة في العراق وسوريا، وهم محرومون من الدعم في المدن والبلدات بسبب الدمار الذي تسببوا به عندما سيطروا عليها، ولهذا يعيشون حياة تشبه حياة البدو الرحل تقريبا، حسب مشايخ العشائر والمسؤولين الأمنيين. ولجأوا إلى الجبال والوديان الضيقة للاحتماء بها بسبب قلة مصادرهم المالية وينتظرون لحين توفر المصادر والرجال والقيام بهجوم.
وقال مسؤول أمني في منطقة كركوك إن المنطقة وهي مثلث ما بين كركوك وبيجي وسامراء في الجنوب تعتبر مهمة للتنظيم. فهي كما يقول "في مركز العراق وتربط التلال والجبال مع الشرق، وهو مكان جيد للاختباء فيه ويربطهم مع الغرب بسوريا ولهذا لن يسمحوا بخسارة المنطقة”.
قال شيخ قبيلة قاتل رجاله تنظيم الدولة سابقا إن عددهم الحالي قليل ولكنهم يحاولون خلق الظروف التي سمحت لهم بالسيطرة على المنطقة
وقال شيخ قبيلة قاتل رجاله تنظيم الدولة سابقا إن عددهم الحالي قليل ولكنهم يحاولون خلق الظروف التي سمحت لهم بالسيطرة على المنطقة، ولو تركوا بدون رقابة فسيكون بمقدورهم التنظيم والتجميع من جديد.
وقال الشيخ "وضع تنظيم الدولة يشبه وضع القاعدة بعد هزيمتها عام 2009″ و”اختفت تحت الأرض وأعادت التجميع والتنظيم وبعد ثلاثة أعوام عادوا أكثر قوة”. وأضاف الشيخ أن الظروف التي سمحت لتنظيم الدولة استغلال الغضب المحلي والحصول على الدعم لا تزال موجودة، و”لا توجد ثقة وإن وجدت فهي قليلة بالحكومة، وتتم معاقبة المجتمعات المحلية ومعاملتها وكأنها جزء من تنظيم الدولة حتى تثبت براءتها”.
وأشار الكاتب إلى عملية لفوج القوات الخاصة في جنوب كركوك والذي قاده إيهاب جليل حيث جمع جنوده في القاعدة قبل العملية وحثهم على عدم التعجل أو المشي بانفراد وإلا تخلفوا عن رفاقهم، وحذرهم من الطبيعة الصعبة للمنطقة التي كان يخطط لمهاجمتها وهي جبال الحمرين.
وفي هذه العملية كان الشك المتبادل بين السلطات والناس واضحا. فقد مرت القافلة المكونة من عربات همفي في قرى مهجورة أو دمرت أثناء الحرب مع تنظيم الدولة، وتوقفت عند قرية صغيرة يعتقد أن محمد دحام، نائب حاكم المنطقة في التنظيم جاء منها. وحتى بعد خسارته الخلافة لا يزال يعين أمراء وقادة للمناطق مهمتهم الإشراف على المحافظات والبلدات التي لم تعد تحت سيطرته. وتدفق الجنود بالزي والأقنعة من جميع الجهات على القرية. وانتشروا بين البيوت الطينية وحظائر الماشية واحتموا بالجدران وبنادقهم موجهة في عدة جهات. واعتلى قناصان حظيرة واستلقيا على سقفها من القش، حيث يمكن مسح المنطقة، وبدأت الكلاب بالنباح وهي تلاحق مروحية كانت تحلق على مستوى منخفض.
وبدت القرية مهجورة مثل مكان تصوير فيلم قديم. ولكنها لم تكن مهجورة، فقد بدأ الجنود بتجميع الرجال وجعلهم ينحنون على الأرض ورؤوسهم ووجهوهم على الجدار. ووقفت النساء والأطفال أمام البيوت ينظرون بخوف من تعود على عقدين من التحقيق والمداهمات. وبدأ العقيد المسؤول بمساءلة الرجل بعد الآخر عن نائب المحافظ، وأنكروا معرفتهم به، بل وزعم بعضهم أنهم لم يسمعوا باسم عائلته. ثم قال رجل إنه شاهد مجموعة من مقاتلي التنظيم عبروا القرية قبل عدة أسابيع، مشيرا "ترى الأرض هنا.. إنها وديان وقنوات ولا نعرف متى يأتون ويخرجون”. وسأل العقيد "هل أعطيتهم الخبز؟ لا يا سيدي” كان الجواب، مضيفا لم أرهم بنفسي.
ثم جاء دور رجل نحيف يرتدي قميصا بنيا وربط حول وسطه كوفية حمراء. ولعب العقيد بشعره المليء بالقش وطلب منه الوقوف والنظر إليه مباشرة، ووقف الرجل الذي كان يرتجف وخائفا. وسأله الضابط "لماذا أنت خائف؟ لن نؤذيك، تحدث لماذا أنت خائف؟ ممن أنت خائف؟” وقال الرجل "أقسم أنني لا أعرفه ولكنني أعرف والده الذي كان مع الدولة، وهو الآن في السجن”. واستمر التحقيق حيث قال الضابط "ربما كنت واحدا منهم” ثم التفت إلى الجنود وقال "انظروا كم هو هزيل، قد نأخذه معنا”. وعندما سمع الرجل هذا بدأ يتحدث وقال إن بعض العائلات هربت عندما تم طرد تنظيم الدولة "وبعضهم يعيش في الجبال ويعبرون الوادي ويدخلون من هناك” مشيرا إلى جزء بعيد من القرية "ثم يغادرون بهذه الطريقة”. و”بالطبع يريدون الطعام ويأخذون ما يريدون بالقوة، وتعبنا وسئمنا منهم”. و”أقسم بالله أننا سئمنا منهم وتنظيم الدولة يأتي كل ليلة والحكومة لا تفعل شيئا”.
وغادرت القافلة القرية حيث قال قائد العملية إنه يتفهم خوفهم "كلهم يعرفون نائب المحافظ، ويعرفونه جيدا، فهو من نفس القرية، ومع ذلك لا أحد يريد الظهور بمظهر من تحدث إلينا لخوفهم من داعش، وهم محقون، فنحن هنا لساعات قليلة ثم يأتي المسلحون في الليل يبحثون عن إمدادات”.
وقال إن المشكلة هي في قوى الأمن المحلية التي تعيش خلف الجدران المحمية في التلال تاركة القرى والحقول بدون حماية و”السكان عالقون” فعليهم التعامل مع تنظيم الدولة بدون حماية قوات الأمن لهم. ووصلت القافلة العسكرية إلى هدفها في المساء حيث شكلت عربات همفي قوسا حول شبكة ري والقصب الذي نما وارتفع بطول متر. وحلقت المروحيتان فوق القافلة، وقال أحد الطيارين إنه رصد ثلاثة رجال يتحركون عند القناة ومعهم رشاشات، قبل أن يحلق في السماء ويعود لتوجيه ضربة، وانتشر عمود من الدخان في وسط القناة وبعدها تحركت عربات الهمفي.
وقام الجنود بفتح الطريق بين القصب ببنادقهم وخاضوا في المياه الباردة حيث بدأ ذباب أسود بقرصهم، بدرجة لم يكونوا قادرين على رؤية ما هو أمامهم ولم يحددوا العدو المراوغ الذي اختفى بعدما سمع صوت المروحيات. وبعد عدة أمتار في تمشيط الأهوار عثروا على سرير حديدي وسط القناة وكان موضوعا فوق المياه ومغطى بطبقة من الرماد والطين. وكانت الأغطية والملابس سبب اندلاع النيران.
ولم تستطع القوة العثور على أي شيء. وقال جليل "في الواقع، الأمر مثل البحث عن إبرة وسط الأهوار” ولهذا تحركت نحو قرية مهجورة حيث توقفت لقضاء الليل، ويحمل المكان كل آثار الحرب مع تنظيم الدولة: بيوت مدمرة وبقايا سيارة محترقة وأسلاك كهربائية وواجهات بيوت تحمل آثار الرصاص.