السبت 5 تشرين الأول 2024

ألمانيا وفرنسا تريدان الاتفاق النووي


يرى نائب رئيس مؤسسة هيريتدج جايمس كارافانو والكاتب السياسي في صحيفة لا فيريتا الإيطالية ستيفانو غراتسيوسي أن دعم أوروبا إحياء الاتفاق النووي مع إيران هو أيضاً مشكلة سياسية إلى جانب المشكلة الكامنة في مسعى إدارة بايدن لإحيائه. لطالما شجعت فرنسا وألمانيا الاتفاق النووي، وقد تحمستا حين أعلن بايدن رغبته بالعودة إليه محفزتين واشنطن وطهران على عدم إضاعة الوقت.
المصالح المالية جزء من السبب. عززت فرنسا بشكل بارز علاقاتها الاقتصادية مع إيران بعد الاتفاق النووي سنة 2015
يكتب كارافانو وغراتسيوسي في موقع "1945" أن الأوروبيين شكلوا أهدافاً لمخططات إرهابية إيرانية عدة. وهم يقلقون أيضاً من التهديد النووي الإيراني ونشاطات النظام المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد. على الرغم من انفتاح أوروبا على طهران، ازداد النظام سوءاً. ومع ذلك، يريد بعض أقوى زعماء أوروبا الإبقاء على الاتفاق النووي. لماذا؟
لم تفقد الأمل
يجيب الكاتبان بأن المصالح المالية جزء من السبب. عززت فرنسا بشكل بارز علاقاتها الاقتصادية مع إيران بعد الاتفاق النووي سنة 2015. بعد عام واحد على التوقيع، أعلنت شركة بي أس أي الفرنسية لتصنيع السيارات عن مشروع مشترك مع صانع السيارات الإيراني إيران خودرو. ووقعت شركة ألستوم الفرنسية مع منظمة التجديد والتنمية الصناعية الإيرانية مذكرة تفاهم من أجل تطوير التعاون الصناعي في مجال النقل الرئيسي والعمراني داخل إيران. ووقعت طهران اتفاقاً مع عملاق إيرباص الأوروبي لشراء 100 طائرة. وفي 2017، حصلت شركة توتال (أصبح اسمها توتال إنرجيز) على مشروع بمليارات الدولارات في قطاع النفط الإيراني. في 2017 وحدها، تضاعفت الصادرات الفرنسية إلى إيران.
عطل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات على المتعاملين مع النظام المارق جميع هذه الترتيبات. غادرت توتال إيران، وتم تعليق المشروع المشترك بقيادة بي أس أي. لكن باريس لم تفقد الآمال بإعادة الاستفادة من هذه المشاريع. مع ذلك، لا تفسر الأرباح المالية لا كل الصورة.
مناورة
أضاف الكاتبان أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتوق إلى أن يكون قطباً مستقلاً في السياسات العالمية. هو يرى النفوذ الإيراني كوسيلة لتعزيز تأثير باريس الهش في الشرق الأوسط خصوصاً في لبنان حيث تعمل إيران عبر ذراعها المتمثل بميليشيا حزب الله. لقد رأى العالم هذه المناورة في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين كرر ماكرون ببغائياً رد إيران على موقف واشنطن المتشدد حيال المنظمة الإرهابية، مطالباً بـ"المزيد من الواقعية الأمريكية" تجاه ما هو ممكن أو غير ممكن بالنسبة إلى ظروف لبنان. إن آفاق عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي تعزز نفوذ فرنسا الاقتصادي والسياسي. لقد وصف ماكرون نفسه بأنه "وسيط نزيه" في الحوار بين واشنطن وطهران.
موقف ألمانيا
تطرق الكاتبان إلى علاقات ألمانيا الاقتصادية مع إيران وإلى معاناة برلين الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية. لقد غادر عملاق صناعة السيارات دايملر إيران سنة 2018. وانخفضت الصادرات الألمانية إلى إيران بحوالي النصف في الأشهر الستة الأولى من سنة 2019. كما هي الحال مع فرنسا، لا تنحصر المسألة بالنسبة إلى ألمانيا في الشق الاقتصادي. رأت برلين دوماً في الاتفاق النووي انتصاراً للتعددية، وهي نهج دعمته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في السياسة الخارجية. عبر دعم إيران، تدعم برلين أيضاً النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وهي إشارة إلى سياسة ألمانيا بتقديم نفسها كقوة موازنة بين الشرق والغرب. كذلك، إن العلاقات الودية بين ألمانيا وفرنسا من جهة وإيران من جهة أخرى، تضعهما في موقف وسطي بين واشنطن وبيجينغ.
هراء
يشير كارافانو وغراتسيوسي إلى أن المشكلة مع كل استراتيجية التوازن والتواصل الاقتصادي لألمانيا وفرنسا هي أنها لا تأخذ بالاعتبار العيوب العميقة في الاتفاق النووي. وقد تبين أن هذه العيوب جعلت الاتفاق بلا فائدة في تقييد مساعي إيران النووية ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار. يبدو أن الإجماع هو التالي: "نعم، من المرجح أن يفشل الاتفاق في النهاية، لكنه سيعطينا الوقت لإعداد رد، وبما أن لدينا نهجاً تعددياً سيكون هنالك رد مشترك ومنسق". يصف الكاتبان هذا المنطق بالهراء.
أسوأ ما يمكن أن يحصل
الواقع هو أن إدارة بايدن تنظر إلى الاتفاق النووي كطريق لفك الارتباط مع الشرق الأوسط. سيؤدي ذلك إلى زيادة الصين وروسيا تدخلهما في المنطقة. سيترك كل ذلك أوروبا مثقلة بالتداعيات السلبية للعيش إلى جانب منطقة أكثر إثارة للقلق والخطر والتقلبات. إن أسوأ ما يمكن أن يحصل لأوروبا هو حصول برلين وباريس على ما تريدانه بالضبط.
جورج عيسى