الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

أبرز المخاطر الأمنية التي تهدد روسيا جراء انضمام فنلندا والسويد للناتو

النهار الاخباريه وكالات
اختراق للخط الأحمر الروسي".. هكذا يمكن وصف انضمام السويد وفنلندا للناتو، وهي خطوة تثير تساؤلات حول ردود فعل روسيا على القرار، وهل يؤدي الى مزيد من التصعيد في أوروبا.
ودعا حلف شمال الأطلسي  الناتو السويد وفنلندا إلى الانضمام لعضويته، عقب موافقة تركيا على انضمام الدولتين، وذلك بعدما وافقت الدولتان على مطالب انقره
لمتعلقة بمكافحة التنظيمات الإرهابية، ودعت تركيا البلدين إلى تسليم عشرات المطلوبين لديها
جاء ذلك في بيان نشرته قمة الحلف المنعقدة في مدريد، وقال البيان إن "ضم فنلندا والسويد سيجعل (الحلفاء) أكثر أمناً، وسيزيد من قوة حلف شمال الأطلسي، وسيزيد من أمن منطقة أوروبا والأطلسي"، مضيفاً أن الحلف وافق أيضاً على مفهوم استراتيجي جديد.

وعكس التهديدات الروسية السابقة للدولتين في حال انضمامهما إلى الناتو، فإن الرئيس الروسي فلاديمر بوتين قلل من تداعيات القرار على بلاده، قائلاً إن روسيا "لن تنزعج" إذا انضمت السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لكنه حذَّر من أنها ستردُّ على أي "تهديدات"، حسب تعبيره.
وموقع فنلندا والسويد يمثل أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، فالدولتان قريبتان من مناطق روسية حيوية ومناطق أخرى يمكن وصفها بأنها مكشوفة لأي هجمات عسكرية.
ففنلندا تقع على بعد مسافة قليلة من مدينة سان بطرسبرغ كبرى المدن الروسية بعد موسكو، كما أنها تجاور روسيا من ناحية حدوده القطبية التي تمثل منطقة خالية من السكان وذات أهمية استراتيجية وأمنية كبيرة لموسكو.
أما السويد فإنها يمكن أن تغلق منطقة بحر البلطيق أمام الأساطيل الروسية.
كما أن الدولتين- رغم صغر عدد سكانهما- من أكثر دول العالم تقدماً ولديهما جيشان قويان ومحترفان، كما أن لديهما صناعات عسكرية متطورة وتقاليد عسكرية قوية.
ففنلندا هي إحدى الدول القليلة في أوروبا التي مازالت تعتمد على التجنيد الإجباري في جيشها، ولديها واحد من أقوى  الاسلحة المدفعيه في أوروبا، إن لم يكن العالم.
كما أن لدى فنلندا والسويد عقيدة عسكرية تراعي فارق القوة الهائل بين الدولتين وروسيا العدو المفترض دائماً في خطط البلدين العسكرية.
والسويد تحديداً منتج مهم للأسلحة، وهي إحدى الدول القليلة في العالم التي تصنع طائرات مقاتلة وهي طائرات "غريبين" الشهيرة، التي لا تُعرف فقط بكفاءتها وانخفاض تكلفتها وسهولة صيانتها، ولكنها مؤهلة للعمل من الطرق العامة؛ تحسباً لأي غزو روسي يستولي على المطارات.
ما يقرب من القرنين، وكانت فيه فنلندا إما تابعة لروسيا وإما تراعي مصالحها، بينما السويد محايدة.
وتاريخياً كانت فنلندا جزءاً من السويد ثم انتقلت إلى أيدي روسيا قبل أن تحصل على استقلالها إثر الثورة البلشفية، وكانت فنلندا دوماً مطمعاً للروس.
ولكن البلدين توصلا إلى توافق بعد الحرب العالمية الثانية تضمَّن تأكيد حياد هلسنكي وعدم اعتداء الاتحاد السوفييتي عليها، مقابل مراعاتها للمصالح السوفييتية. 
أما السويد فهي محافظة على حيادها لما يقرب من قرنين من الزمان، مما جعلها بالنسبة لموسكو منطقة لا تمثل خطراً محتملاً باعتبار أن تقاليد الحياد السويدية  هذه التي صمدت خلال الحربين العالميتين، كانت قوية وتشبه إلى حد كبير، تقاليد الحياد السويسرية.
اليوم تغيَّر هذا المشهد فأصبح على حدود روسيا دولتان صغيرتان ولكنهما قويتان ينتميان إلى حلف الناتو الذي يتخذ موسكو رسمياً عدواً له.
ويعطي موقع الدولتين وقدراتهما العسكرية أفضلية للناتو في مواجهة موسكو.
وإذا كانت روسيا بررت غزوها لأوكرانيا بسبب خوفها من انضمامها إلى الناتو، فإنها اليوم تواجه عضوين بالناتو يقع أحدهما- وهو فنلندا تحديداً- على مسافةٍ أقرب بعض المدن الروسية الرئيسية من أوكرانيا.
كما أن الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تفصل بين روسيا والدول الإسكندنافية تجعلها أكثر صعوبة بالنسبة للروس في حدوث أي معارك، كما ظهر في حرب الشتاء مع فنلندا والتي وقعت عشية الحرب العالمية الثانية وصمدت فيها هلسنكي بشكل فاجأ الجميع وضمن ذلك موسكو، أمام القوة السوفييتية الغاشمة.
يمنح موقعا فنلندا والسويد أيضاً الناتو أفضلية كبيرة في المجال البحري أمام روسيا، خاصةً أن الدولتين لديهما تقاليد بحرية قوية، حيث تعتبر السويد واحدة من أكثر الدول العالم تقدماً في صناعة الغواصات التقليدية العاملة بالديزل.
وعكس دول البلطيق الضعيفة قليلة السكان والمتأخرة نسبياً، فإن انضمام السويد وفنلندا يمثل إضافة استراتيجية حقيقية للناتو ويمكن وصفه بإحدى خسارات روسيا الاستراتيجية من الأزمة الأوكرانية.
كما أن علاقة موسكو مع فنلندا تحديداً، منذ العهد السوفييتي، كانت تمثل استثناء في علاقتها مع بقية الدول الغربية، حيث كانت بمثابة نافذة للحضارة الغربية مفتوحة بشكل محكوم على روسيا.
ولكن اليوم هذه الدولة باتت رسمياً عدواً وخصماً لروسيا، بعدما كان يُنظر إليها خلال الحرب الباردة على أنها أقرب إلى الاتحاد السوفييتي، وأنها تسمح له بمساحة من التدخل في شؤونها بشكل لم يتكرر في أي دوله أوروبية أخرى. 
يعني انضمام السويد وفنلندا للناتو أن روسيا تحتاج إلى تعزيز دفاعاتها العسكرية في شمالها الغربي وفي الجزء الغربي من ساحلها القطبي، كما تحتاج إلى تقوية أنظمة الدفاع الجوي في شمال غرب البلاد لمواجهة أي هجمات جوية أو صاروخية محتملة تنطلق من فنلندا أو السويد
وقد لوَّحت روسيا بأنها قد تُدخل السلاح النووي إلى منطقة بحر البلطيق؛ رداً على هذه الخطوة
أما احتمال تحوُّل رد الفعل الروسي إلى مواجهة عسكرية أو اعتداء مباشر على فنلندا والسويد، فيبدو مستبعداً، خاصة إذا انضمت الدولتان بشكل رسمي إلى الناتو
فموسكو مشغولة بحربها مع أوكرانيا، ويبدو أن خطط الأمريكيين لإشغالها في هذه الحرب وإنهاكها لدرجة قد تجعلها غير قادرة على تنفيذ أي هجوم على دولة أوروبية أخرى- قد حققت قدراً من النجاح حتى لو كان هذا النجاح على حساب مستقبل أوكرانيا التي ستخرج غالباً مدمّرة من الحرب.
ويبقى أمام روسيا فترة قليلة، قبل انضمام السويد وفنلندا للناتو رسمياً، وهي الفترة التي تستطيع فيها روسيا نظرياً تنفيذ عمل ذي طبيعة هجومية ضد الدولتين دون رد فعل من الناتو.
ولكن من الواضح أن موسكو لا تنحو إلى هذا الاتجاه، وأنها بدلاً من ذلك تفكر في نقل السجال إلى مستوى آخر وهو التركيز ليس على انضمام السويد وفنلندا للناتو الذي أصبح حتمياً، ولكن على الحصول على شكل من أشكال الضمانات أو التفاهمات بعدم تأسيس الناتو بنية عسكرية ثقيلة في الدولتين كما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال: "لا يوجد شيء يمكن أن يزعجنا بشأن انضمام السويد وفنلندا للناتو، ولكن في حالة نشر وحدات وإقامة بنية تحتية عسكرية هناك، سيتعين علينا الرد بشكل متماثل وإثارة التهديدات نفسها في تلك الأراضي التي نشأت منها التهديدات بالنسبة لنا".
ولكن يبقى لروسيا خيارات للرد، قد تبدأ بقيام موسكو ببعض الانتهاكات للأجواء والحدود البحرية للدولتين بطريقة لا تؤدي إلى تصعيد الأمور، وهو أسلوب عادةً ما تجيده روسيا وإن كانت لا تصل فيه إلى حد انتهاك الأجواء عادةً، ولكنها كثيراً ما ترسل طائراتها القاذفة قرب حدود أو أجواء دول أعضاء بالناتو.
وقد تصل روسيا إلى حشد بعض قواتها في المنطقة قرب الحدود مع فنلندا؛ للضغط عليها في إطار مطالبها بتقديم ضمانات بعدم إنشاء قواعد عسكرية أمريكية لديها.
أما أسهل الوسائل التي يمكن أن تعاقب روسيا بها الدولتين، خاصةً فنلندا، فهي الوسيلة التي استخدمتها بيلاروسيا مع بولندا العام الماضي، وهي تشجيع الهجرة غير الشرعية من منطقة الشرق الأوسط وحتى إفريقيا وآسيا إلى فنلندا العضو في الاتحاد الأوروبي (وهذا مسار هجرة موجود فعلاً).
وهذا الخيار يمثل شكلاً من أشكال المضايقات التي لا تصل إلى مستوى التهديد العسكري؛ ومن ثم فإنها لا تحمل خطر تحويل الأزمة إلى نزاع بين روسيا والناتو.
في النهاية فإن الضمانة الحقيقية للأمن القومي الروسي، تظل السلاحَ النوويَّ وقدرات البلاد العسكرية الجبارة التي تجعل الناتو يفكر ألف مرة قبل تنفيذ أي عمل عدواني ضد موسكو.
ولكن ما يجب أن تخشاه روسيا حقاً من الدول الغربية ليس عملاً عسكرياً مباشراً ولكن تدخُّلها لإثارة نقمة شعبية ضد النظام الروسي باعتبار أن هذه النقطة تقليدياً كانت إحدى نقاط ضعف روسيا، الدولة المستبدة والأكثر فقراً من الغرب.
وفي ظل الحصار الغربي على موسكو وتشديد القبضة الأمنية لبوتين داخلياً بعد حرب أوكرانيا، فإن هذا قد يزيد من إمكانية زعزعة الدول الغربية الرأي العام الروسي، الذي يُعتقد أن جزءاً منه غير موافق أو متحمس للحرب على أوكرانيا.