5500 عميل فرنسي لمواجهة التطرف الإسلاموي
فيما لا تزال الحكومة الفرنسية تعتبر أنّ الإسلاموية كانت وستبقى الخطر الأكبر الذي يهدد البلاد، حذّر الأكاديمي ومُستشار الإليزيه في شؤون الإسلام الفرنسي، حكيم القروي، من أنّ فرنسا مرشحة لأن تكون مسرح جيل جديد من الجهاديين، لن يُغادر الأراضي الفرنسية نحو سوريا أو ليبيا أو مالي، بل سينفذ عملياته في الداخل، مُشيراً إلى أنّ نحو 50% من الجهاديين الذين درس حالاتهم قد مرّوا بتجربة انفصال ديني غيّرت معتقداتهم وجرّتهم إلى السلفية التي تعتبر غير المُنتمين لها كفاراً.
وأكد القروي، في بحث جديد له أنّ "المسلمين هم وحدهم القادرون على نشر فكر مخالف للسلفية والجهادية"، داعياً إلى تأسيس تعاون بين المسلمين المتنورين والدولة الفرنسية لإنتاج خطاب بديل مع الشباب في الأحياء الأكثر فقراً، وفي السجون حيث الخطر الكامن، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
التيارات العنيفة
ويرى مستشار الإليزيه، الذي يوصف بأنه مهندس تفكيك الجماعات الإسلاموية في فرنسا، في تصريحات لـِ 24، أنّ أولوية فرنسا هي العمل على أن لا يترك المسلمون الحقيقيون دينهم في أيدي الإخوان المُسلمين والسلفيين، فالبعض يستمر بممارسة شعائر الدين فيما يترك أمور التحدث باسم الإسلام لتلك التيارات العنيفة التي تعمل بأموال أجنبية وأئمة يُدارون من الخارج. وهو يدعو كذلك لتنظيم حوارات حول الإسلام المُعتدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم ترك المجال للمُتطرّفين.
يأتي ذلك بينما باتت أجهزة المخابرات الفرنسية قلقة من ظهور متطرفين ومتشددين آخرين منعزلين بالإضافة لمن تعتبرهم أصلا "جهاديين سنّيين"، وهم من صغار السن غير المعروفين لأجهزة الاستخبارات ومن الصعب اكتشافهم إلا من خلال تتبع نشاطهم وحضورهم في وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً عن اتهامات مراقبة البيانات الشخصية وتقييد الحريات الفردية.
وفي إطار هذه الجهود، افتتحت المديرية العامة للأمن الداخلي في فرنسا، قبل أيام في يوليو(تموز) الجاري، موقعاً إلكترونياً لسدّ النقص الحاصل في جهود مكافحة الإرهاب، والتي انطلقت بشكل خاص منذ ابتلاء فرنسا بموجة الهجمات الجهادية بدءاً من العامين 2014-2015.
كما وتمّ تعزيز المديرية العامة للأمن الداخلي من حيث الموارد المالية والقدرات البشرية، إذ زاد عدد موظفيها من 3200 إلى 5500 عميل استخباراتي. وتنعكس هذه الزيادة في القوة على الأرض، من خلال النجاحات في محاربة التهديد الجهادي.
بالمقابل تمّ الكشف أنّ عدد الأشخاص المسجلين كخطر إرهابي محتمل في فرنسا، في ملف الاستخبارات المعني بمنع التطرف الديني والتنبيه لوجود إرهابيين مستقبليين، بلغ اليوم 7768 شخصاً في 2021، مقابل ما يزيد عن 10000 في عام 2017. كما ويوجد في السجون الفرنسية اليوم 467 متهماً في عمليات إرهابية إضافة إلى 703 سجناء متهمين بالتطرف الديني.
"جبهة النصرة" وتركيا.
إرهابيون فرنسيون
وحول ذلك، تقول صحيفة "لو موند" إنّه في حين أنّ محاكمة منفذي هجمات 13 نوفمبر 2015، وهي الأكثر دموية في تاريخ فرنسا، من المقرر أن تُستأنف أوائل سبتمبر القادم، فقد انخفض التهديد بتنفيذ عملية إرهابية معقدة مخطط لها من الخارج بشكل ملحوظ بعد سقوط "خلافة" تنظيم داعش في مارس(آذار) 2019، بينما لا يزال نحو 150 إرهابياً فرنسياً ينشطون بشكل رئيسي في منطقة إدلب (شمال سوريا) التي تُسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة) والتي تدعمها وتحميها القوات والاستخبارات التركية، وتحاول أنقرة تجميل صورة زعيمها أبومحمد الجولاني في نظر المجتمع الدولي.
من ناحية أخرى، يعتبر خبراء فرنسيون في مكافحة التطرف، أنّ التهديد الإرهابي الحقيقي اليوم هو الذي يشكله الأفراد الذين يعيشون في فرنسا بشكل معزول وبدون انتماء، مثل الإرهابي الذي قتل ضابط شرطة في مركز شرطة رامبوييه (إيفلين) في أبريل(نيسان) الماضي. وذلك بينما كان للإرهابي الشيشاني الذي قطع رأس مدرس فرنسي نهاية العام الماضي، صلات مع أعضاء في هيئة تحرير الشام في إدلب.
ومنذ عام 2020، وقعت 7 هجمات في فرنسا، أحدها في عام 2021. وتم إحباط ستة خطط لهجمات جهادية أخرى خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. وشدد مصدر أمني على أن "هذه الهجمات جاءت نتيجة أجواء معادية للدولة الفرنسية انعكاساً للتحريض الذي ما زال مستمراً عبر المواد الإلكترونية القديمة لتنظيم داعش، وبسبب ظهور خطاب خادع يحافظ على فكرة أن فرنسا معادية للإسلام ويؤدي إلى تفاقم الاستياء والكراهية، في إشارة للتحريض الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا.
المتطرفون دينياً
ويقول "برنار روجير" الخبير في الفكر الجهادي وشؤون الشرق الأوسط، إنّ المتطرفين دينياً يرون في الشرطة رمزاً من رموز الدولة العلمانية التي يعتبرونها آلة لتدمير الإسلام، مُستمدّين أفكارهم هذه من الخطاب الخارجي الذي يتهم باريس بالإسلاموفوبيا.
وتنقل صحيفة "لو فيغارو" عن مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات الفرنسية، قوله إنّ أحد أنواع الأيديولوجية المعادية للجمهورية، الذي يعتبر فرنسا والفرنسيين أعداء للإسلام، يدعو إلى العنف ويتواجد بشكل خاص لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف الشخصية. وهو يرى أنّ من قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في فرنسا مؤخراً كانوا يشتكون من الاكتئاب والاضطراب النفسي والتهميش داخل المجتمع.
من جهتها، كشفت "لوبينيون" أن الحكومة الفرنسية تعمل هذا الصيف على إعداد قانون جديد يضع تدابير وإجراءات جديدة لضمان مراقبة إجبارية للمتهمين في قضايا إرهابية أو المشتبه بتطرفهم عند خروجهم من السجن. إذ سيخضع هؤلاء بمجرد الإفراج عنهم، لالتزامات المتابعة الأمنية والرعاية من قبل مختصين في إعادة التأهيل ومتابعة السلوك، فضلاً عن قيود ستفرض على المتطرفين والإرهابيين الخارجين من السجن تتمثل في اختيار محكمة باريس مكان إقامتهم، وضرورة استجابتهم لاستدعاءات القضاء، واحترام الدعم الاجتماعي والنفسي المُقدّم لهم من أجل إعادة اندماجهم في المجتمع الفرنسي، واكتساب قيم المواطنة.