النهار الاخبارية - وكالات
قبيل القمة العربية التي ستجري منتصف شهر مايو/أيار الجاري بمدينة الرياض السعودية، شهدت الأيام الماضية في لبنان زيارات واتصالات بين المسؤولين المحليين وآخرين من دبلوماسيين عرب وأجانب، بهدف تسريع الحل السياسي في ظل حالة التراجع الملحوظ في حظوظ مرشح حزب الله والنظام السوري سليمان فرنجية لتولي رئاسة البلاد.
تتزامن تلك التحركات مع التحولات الإقليمية المتسارعة، وتحديداً بين السعودية وإيران من جهة، وبين دول عربية والنظام السوري من جهة أخرى، ليعود الحراك السياسي في لبنان خاصة في الملف الرئاسي المتعثر.
أبرز تلك التحركات هي التي يقوم بها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب مع المكونات السياسية للبحث عن اسم توافقي، بالإضافة لجهد نواب التغيير مع باقي مكونات المعارضة للخروج على اتفاق يقضي بترشيح أحد الأسماء المقترحة وعلى رأسها قائد الجيش جوزيف عون.
كذلك الحركة الناشطة للسفيرة الأمريكية والسفير السعودي، والزيارة التي أحيطت بسرية تامة لمبعوث خاص لأمير دولة قطر بهدف مساعدة الأطراف على الخروج من الأزمة.
واشنطن تقول كلمتها
بالتوازي عادت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا للقاء المسؤولين وإبلاغهم الموقف الأمريكي الواضح، وهو وفقاً – لمصادر سياسية مطلعة – يقوم على المواصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيسا الجمهورية والحكومة.
وبحسب المعلومات، فإن شيا ولأول مرة أبلغت كل المسؤولين السياسيين الذين التقهم في بيروت منذ يومين، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن مرشح الثنائي الشيعي لا يتوافق مع المواصفات التي جرى إعدادها والتوافق عليها بين ممثلي الولايات المتحدة والسعودية وقطر إضافة إلى مصر.
وتشير المصادر لـ"عربي بوست" إلى أن مواقف المسؤولة الأمريكية تزامنت مع الرسالة النقدية التي أرسلها كل من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي الديمقراطي روبرت مانديز وزعيم الأقلية في اللجنة الجمهوري جايمس ريتش إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، حول الوضع في لبنان والسياسة المتّبعة تجاه الأزمة اللبنانية.
الفقرة الأهمّ في الرسالة هي التي تعبر عن "إحباط من الجمود السياسي المستمرّ الذي صمّمه حزب الله وحلفاؤه، مثل نبيه بري، لإضعاف المعارضة في مواجهة مرشّحه المفضّل على حساب المرشّحين الذين يتمتّعون بدعم أوسع وأكثر استعداداً لمواجهة تحدّيات لبنان العديدة".
وتلاقي هذه الرسالة – بحسب المعلومات – كلاماً سابقاً عن عقوبات أمريكية ستُفرض على مقرّبين من بري في حال استمرار واقع الحال على ما هو عليه.
هذا ما انعكس في صورة ارتباك وتشاؤم بات يعبّر عنه بري أمام زوّاره من الموقفين الأمريكي والعربي والذي بات أكثر تشدداً في التعاطي مع الملف الرئاسي.
كذلك فإن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية حول ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع اللبنانيين وتنفيذ الإصلاحات، ويكون متحرراً من الفساد يعطي مؤشرات عن استعداد أمريكي للدخول بتفاصيل السياسة اللبنانية.
وتشير المعلومات إلى أن السفيرة الأمريكية حثت على ضرورة إنجاز الانتخابات الرئاسية سريعاً، كما أنه لا يغيب عن اهتماماتها العمل على إعادة أعداد من اللاجئين السوريين من لبنان، ووفق أي معيار.
وعليه فإن الأطراف السياسية باتت تعتقد أن هذه التطورات باتت تشكل مدخلاً لممارسة المزيد من الضغوط الخارجية والداخلية على القوى السياسية في سبيل الوصول إلى تفاهمات رئاسية، أو بالحد الأدنى للوصول إلى مرحلة يتم فيها الاتفاق على مرشح قادر على الوصول بالنصاب القانوني، ويمكن أن يحصل حوله تقاطع بين الأطراف المتفقة على رفض وصول مرشح "لقوى الممانعة"، باعتبار أن الحركة الدولية ستتسارع في المرحلة المقبلة في سبيل تحقيق الهدف المتمثل بحل الملف اللبناني.
سقوط المبادرة الفرنسية؟
في هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي اللبناني جوني منير أن المبادرة الفرنسية سقطت بالضربة القاضية الأمريكية، لأنه لا شك في أنّ الاعتراض الأمريكي على مسارات الأداء الفرنسي، سيخفف الاندفاعة الفرنسية، والتي اعترضتها أصلاً عوائق داخلية عدة، وخصوصاً مسيحية، ولم يكن من السهل تفتيتها.
بالمقابل يعتقد منير أنه ثمة مرحلة جمود قد تحصل على مستوى الملف الرئاسي، وسيتم تعويضها بانتظار ما سيخرج عن القمة العربية بعد أكثر من أسبوعين، وأيضاً ما سيُستجد على مستوى الحركة الايرانية ـ السعودية خصوصاً في اتجاه سوريا.
ويشير منير إلى أن هذه المحطات تشكّل فرصة زمنية لإنضاج المواقف، وتسمح بانعقاد الاجتماع الخماسي مرة جديدة، ولكن على مستوى وزراء الخارجية، وإصدار بيان ختامي ببنود واضحة، يشكّل خريطة طريق واضحة وفق برنامج زمني محدّد.
ويرى منير أنه قد تشهد هذه المرحلة مطبّات صعبة سيُستفاد منها للدفع في اتجاه التسوية والحل المنتظرين، كمثل استحقاق انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومخاطر ارتفاع حرارة اللهيب النقدي في حال الوصول إلى تاريخ هذا الاستحقاق من دون التوصل إلى الحلول المطلوبة.
في إطار متصل، يعتقد مصدر حكومي لبناني أن هناك احتمال إصدار عقوبات أمريكية جديدة تحمل رسائل سياسية أكثر حدّة وقساوة، خاصة أن إيران باشرت بإعادة تموضعها وفق عنوان الانتقال من مرحلة المواجهات إلى مرحلة تثبيت الحصص والتسويات.
ومن هذه الزاوية لا بدّ من قراءة حقيقة زيارة وزير الخارجية الإيراني للبنان، من حيث السعي الواضح لرسم حدود نفوذ إيران سياسياً وعسكرياً، مع إرسال إشارة الموافقة على تعديل المعادلة السياسية الداخلية القائمة، من خلال منح القوى المعارضة لحزب الله هامشاً أوسع على مستوى الإدارة السياسية للبلاد.
عودة البخاري والتأكيد على الثوابت
تعتبر الكاتبة السياسية اللبنانية غادة حلاوة أن الموقف السعودي يتلاقى مع الموقف الأمريكي وبالمضمون نفسه تقريباً، إذ أعاد السفير السعودي في لبنان تصويب بوصلة موقف بلاده من الاستحقاق الرئاسي حين دعا "الكتل النيابية والقوى السياسية إلى تحمّل مسؤوليتها التاريخية والتّلاقي من دون إبطاء على إنجاز الاستحقاق الرئاسي".
جاء هذا دون أن يستعرض أسماء مرشحين أو يوافق على أي مرشح أو يرفض آخرين. وتعتبر حلاوة أن البخاري رمى عناوين عريضة وترك للبنانيين فك لغزها، فلا هو طمأن ولا وضع "فيتو" باعتبار "أن اللبيب من الإشارة يفهم"، على حد تعبيرها.
وتعتقد حلاوة أنه وفي اليوم الأول لجولته لم يخرج السفير السعودي في لبنان وليد البخاري موقف بلاده المتعلّق برئاسة الجمهورية عن سياقه المعتاد، ومفاده أنّ على اللبنانيين التوافق على انتخاب رئيسهم. كأنّه تعمّد الإبقاء على الضبابية التي تحيط بموقف بلاده المباشر من ترشيح فرنجية.
لكن – وبحسب الكاتبة اللبنانية – فإن ما ينقل عن الموقف السعودي ويتناهى إلى مسامع فرنجية عن مباحثات السفير السعودي، لا يحمل إليها بوادر مطمئنة له.
بالمقابل فإن هناك من ينقل إشارات واضحة عن البخاري سيجري ترجمتها بسقوف سياسية أعلى للقوى الرافضة لفرنجية؛ أي القوات اللبنانية والكتائب والحزب الاشتراكي وقوى التغيير والمعارضة، في ظل مساعي أطراف المعارضة للاتفاق على قائد الجيش جوزيف عون كمرشح اللحظة المناسبة بكونه في حال انسحاب فرنجية باتفاق خارجي فهو المرشح الأكثر حظوظاً.
موفد قطري وورقة حل
وثمة حراك قطري واضح المعالم، وهذا الحراك يبدو أنه منسق بشكل كبير مع واشنطن والرياض، على اعتبار أن علاقات الدوحة في لبنان أكثر متانة مع كل الأطراف وخاصة تلك الأطراف القريبة من حزب الله والتيار الوطني الحر، إضافة لعلاقات الدوحة في الوسط السني.
وعليه كان لافتاً زيارة مسؤول قطري رفيع إلى بيروت ولقاءاته غير المعلنة مع قيادات لبنانية، حيث اجتمع مع رئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد وقائد الجيش جوزيف عون والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب حسن خليل، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إضافة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب عن قوى التغيير إبراهيم منيمنة.
وتشير المعطيات إلى أن الموفد الخاص لقطر يسعى مع الأطراف السياسية اللبنانية، على اختلاف تنوعاتها، للوصول لورقة حل تفضي لانتخاب رئيس للجمهورية قبيل انتهاء الصيف الحالي.
يأتي ذلك بهدف أن يواكب لبنان كل التحولات الإيجابية الحاصلة في المنطقة من منطلق الذهاب نحو معالجة الأزمة الاقتصادية والنقدية عبر إحاطة لبنان بدعم عربي ودولي، شريطة التزامه بخارطة طريق عربية ودولية.