النهارالاخباريه وكالات
التهديدات الأمريكية للمحكمة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل ليست مجرد تصريحات جوفاء، بل إنها تستند إلى قانون أمريكي يسمى "قانون غزو لاهاي" يشرعن إمكانية تنفيذ عملية عسكرية ضد المحكمة الجنائية الدولية، فما هذا القانون المثير للجدل؟
ردّت إدارة بايدن بغضب بعد أن أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت إضافة لمسؤولين إسرائيليين كبار وقادة حماس.
وانتقد الرئيس الأمريكي جو بايدن هذه الخطوة، قائلاً إن وضع الاثنين على قدم المساواة أمر "شائن". وفي الوقت نفسه، أشار كبير دبلوماسييه، وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى أن الإدارة مستعدة للعمل مع الكونغرس لفرض عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية والتوصل إلى رد على المحكمة العالمية.
وحذّر ريتشارد غولدبرغ، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، إدارة بايدن من خطورة خطوة المحكمة ضد قادة إسرائيل، ونبه إلى أن واشنطن قد تكون الهدف التالي للمحكمة.
وذهب بعض المدافعين عن إسرائيل إلى أبعد من ذلك، فحذروا المحكمة الجنائية الدولية من متابعة أوامر الاعتقال الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، مستشهدين بقانون مضى عليه عقدان من الزمن يمنح الرئيس الأمريكي سلطة تحدي المحكمة بشكل مباشر.
ووجه 12 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي رسالة تهديد واضحة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان.
إذ كتبوا قائلين: "إذا أصدرت مذكرة اعتقال للقيادة الإسرائيلية، فسنفسر ذلك ليس فقط على أنه تهديد لسيادة إسرائيل ولكن لسيادة الولايات المتحدة، لقد أظهرت بلادنا في قانون حماية أفراد الخدمة الأمريكية المدى الذي سنذهب إليه لحماية تلك السيادة".
ويشير أعضاء الكونغرس إلى قانون أمريكي تم سنه قبل عقدين يستهدف المحكمة الجنائية الدولية على وجه التحديد.
وصدر قانون تضمين قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكية (Aspa)، والذي يُطلق عليه بشكل غير رسمي قانون غزو لاهاي الذي لا يتذكره الكثيرون في عام 2002 بعد أن وقع عليه الرئيس الأمريكي جورج بوش ليصبح قانوناً، رداً على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان سيناتوراً كان من بين مجموعة من المشرعين من الحزبيْن الذين صوتوا لصالح القانون.
ما هو بالضبط قانون غزو لاهاي؟ وما هي آثاره؟
حصل القانون على اسمه من المادة 2008، من قانون حماية أعضاء الخدمة العسكرية الأمريكية، التي تسمح للرئيس الأمريكي باستخدام "جميع الوسائل الضرورية والمناسبة" لإطلاق سراح أفراد الجيش الأمريكي و"الأشخاص المتحالفين المشمولين".
"يعني مصطلح "الأشخاص المتحالفين المشمولين" الأفراد العسكريين والمسؤولين المنتخبين أو المعينين وغيرهم من الأشخاص العاملين أو العاملين بالنيابة عن حكومة دولة عضو في الناتو، أو حليف رئيسي من خارج الناتو (بما في ذلك أستراليا ومصر وإسرائيل واليابان) والأردن والأرجنتين وجمهورية كوريا ونيوزيلندا)" كما يقول القانون.
أدى هذا التفويض الذي منحه القانون للرئيس الأمريكي إلى تسمية القانون بـ"قانون غزو لاهاي"، لأنه يسمح للرئيس بإصدار أمر بعمل عسكري أمريكي، مثل غزو هولندا، حيث تقع لاهاي، لحماية المسؤولين والعسكريين الأمريكيين من محاكمتهم أو إنقاذهم من الحجز.
تم تقديم مشروع القانون من قبل السيناتور الأمريكي جيسي هيلمز (جمهوري من ولاية كارولينا الشمالية) وعضو مجلس النواب الجمهوري توم ديلاي (من تكساس)، كتعديل لقانون المخصصات التكميلية لعام 2002 لمزيد من التعافي من الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة والرد عليها.
وعندما تم إقرار قانون غزو لاهاي، قالت هيومن رايتس ووتش إن لغة القانون تشير ضمناً إلى أن الرئيس الأمريكي يتمتع بسلطات واسعة لمحاربة المحكمة.
وقالت آنذاك إن "القانون الجديد يجيز استخدام القوة العسكرية لتحرير أي أمريكي أو مواطن من دولة حليفة للولايات المتحدة محتجز لدى المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي".
وامتنعت إدارة بايدن عن الاستشهاد بـ"قانون غزو لاهاي" بشكل مباشر في إدانتها لقرار مدعي عام المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت.
وقال بايدن في بيان أصدره البيت الأبيض رداً على الدعوة لإصدار أوامر اعتقال: "سنقف دائماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات لأمنها".
ومع ذلك، استشهد مدافعون آخرون عن إسرائيل بالقانون في دعواتهم إلى رد أمريكي قوي على المدعي العام كريم خان، الذي يعتقدون أنه يستهدف أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وقال الدبلوماسي الأمريكي المخضرم إليوت أبراهامز: "كما يوحي مصطلح "قانون غزو لاهاي"، لا أحد يعرف إلى أي مدى المحكمة الجنائية الدولية مستعدة للذهاب، أو إلى أي مدى يستعد الأمريكيون للذهاب للدفاع عن أنفسهم".
وكان عضو الكونغرس الجمهوري المؤيد لإسرائيل بريان ماست كان أكثر إشكالية، إذ لم يخفِ تهديده للمحكمة حينما قال: "أمريكا لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، لكن المحكمة بالتأكيد ستعرف ماذا سيحدث عندما تستهدف حلفاءنا".
ويرى المنتقدون أن تناقض الولايات المتحدة في التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية يشكل علامة على ازدواجية خطابها. كان السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، الذي هدد بفرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ومسؤولين آخرين في المحكمة بسبب اتهام إسرائيل، هو نفس المشرع الذي دعا العام الماضي إدارة بايدن إلى دعم قضيتها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وتحظى الجوانب الأكثر تطرفاً في القانون بأكبر قدر من الاهتمام، لكن القانون له الكثير من التأثيرات الملموسة الأخرى على سياسة الولايات المتحدة، ويمكن إرجاعها إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.