الخميس 16 تشرين الأول 2025

نعم لإعدام الخونة… ولكن ضمن إطار القانون



بقلم : صائب قبيعة

أتذكّر قول المناضل الأممي تشي غيفارا:

 "إذا أردتَ تحريرَ وطنك، فضع في مسدسك عشر رصاصات، تسع منها للخونة، وواحدة لعدوك."
نحن، وبكل تأكيد، نتفق مع هذا القول جملةً وتفصيلًا، ولكن بشرطٍ جوهريٍّ لا يجوز تجاوزه: أن يكون كلُّ ذلك ضمن إطار القانون، لا أن يُتَّخذ ذريعةً للانتقام أو لتكميم الأصوات المعارضة وفرض السيطرة بالقوة.
إن ما يجري اليوم في غزة لا يُمكن أن يُسمّى "إعدامًا للخونة" الذين يجب أن يُقدَّموا للمحاكمة العادلة، ولا حتى محاسبةً للمفسدين الذين استغلوا الحرب فسرقوا قوت الناس وتلاعبوا بالأسعار.
ما يجري هو انتهاكٌ صارخٌ لحقوق الإنسان وتعدٍّ سافر على سيادة القانون.
فقد بات معروفًا أن هذه العمليات لم تقف عند حدود عائلةٍ واحدة، إذ سُبقت باستهدافاتٍ مشابهة طالت عائلات المجايدة وبكر، وها هي اليوم تطال عائلة أبو سمرة في دير البلح.
وللتاريخ والإنصاف، فإن عائلة دغمش – التي تعرّضت للهجوم الأخير – تضم في صفوفها المناضلين والشرفاء مثلما تضم من أساء، وفيها من ينتمي إلى مختلف الفصائل من فتح وحماس والتيار الإصلاحي.
وقد أصدرت العائلة بيانًا واضحًا قبل الهجمة أعلنت فيه التبرؤ من تسعة أشخاص متهمين بالتعامل مع الاحتلال ورفعت الغطاء عنهم، في خطوةٍ تُثبت حرصها على المصلحة الوطنية.
من هنا، فإن ما جرى لم يكن "إعدامًا لخونةٍ"، بل رسائل نارية موجّهة إلى العشائر والعائلات في القطاع التي عارضت سلطة الأمر الواقع على مدى سبعة عشر عامًا عانى خلالها الناس القهر والظلم والإذلال.
وقد عبّرت مؤسسات حقوقية عن صدمتها مما يجري، إذ أصدرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بيانًا واضحًا أكدت فيه أن هذه الأفعال تمثل انتهاكًا جسيمًا للحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة وتشكل مظهرًا خطيرًا لانهيار القانون.
إن أخطر ما في هذه الإعدامات خارج نطاق القضاء أنها تُضعف الموقف الوطني وتضرّ بصورة النضال الفلسطيني أمام العالم، خصوصًا في ظل العدوان المستمر على غزة.
فالاحتلال الذي يسعى إلى تلميع روايته عن "محاربة الإرهاب" يجد في هذه الانتهاكات هدية مجانية تُسعفه في إعادة بناء صورته أمام الرأي العام الدولي.
وليس أدلّ على ذلك من تصريحات دونالد ترامب خلال حديثه مع إحدى المراسلات الصحفيات على متن الطائرة الرئاسية:
 المراسلة: "حماس تؤسس نفسها كقوة شرطة وتطلق النار على منافسيها."
ترامب: "أعطيناهم الموافقة، وهم يقومون بذلك لأنهم يريدون إيقاف المشاكل. طلبنا منهم المراقبة كي لا تتفاقم الأمور. نريد أن يكون الوضع آمنًا. كما قلت، حماس قضت على بعض العصابات، ولا يزعجني ذلك كثيرًا."
هذه الكلمات تكشف بوضوح أن المستهدف في هذه الحملات ليس "عملاء الاحتلال" كما يُروَّج، فلو كان الأمر كذلك لرأينا إسرائيل أول من تدافع عنهم، ولما كان الموقف الأمريكي بهذه البرودة والرضا.
المستهدف الحقيقي هو النسيج الاجتماعي الفلسطيني، والوطن ذاته، والإنسان الذي صمد عامين تحت القصف والتجويع ولم ينكسر.
إن العدالة، لا الانتقام، هي الضامن الحقيقي لأمن المجتمع واستقراره.
وغزة اليوم أحوج ما تكون إلى عدالةٍ تُرمّم ما تهدّم، وتعيد الثقة بين الناس، وتُرسّخ سيادة القانون.
أما عمليات القتل الثأرية فإنها لا تبني وطنًا ولا تحفظ أمنًا، بل تفتح أبواب الفوضى وتُعمّق الجراح.
فلنقلها بصوتٍ واحد:
نعم لإعدام الخونة ضمن إطار القانون، ولا لاغتيال العدالة باسم الوطن.