وكالة النهار الإخبارية/خاص
فلسطين/ وهيبة زيّاد
مشهد خريفي يتكرر عاما بعد عام، ومنذ أن وُجد الفلسطيني على هذه الأرض. ينطلق موسم الزيتون في خريف كل عام، حاملا معه أجواء البهجة والفرح، حيث تخرج العائلات إلى أراضيها لجني ثمار حقولها، التي هي مصدر رزقها الذي يعينها على متطلبات الحياة الى أن يحين الموسم القادم. إلّا أن هذا المشهد قد تغير في السنوات الأخيرة، إذ بدّلت اعتداءات المستوطنين المتكرّرة على الأرض وأصحابها أجواء الفرح والغبطة بأخرى يخيّم عليها الخوف والترقب والقلق.
يشهد فصل الخريف أحد أبرز المواسم الزراعية الفلسطينية، حيث ينطلق موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية، الموسم الذي اعتادت فيه العائلات الفلسطينية التوجه سنويا إلى أراضيها لتجني ثمار شجرها المبارك. هذه الأشجار التي توارثها الفلسطينيون أبا عن جد هي كنزهم الحقيقي، إذ تمثل أكثر من مجرد مصدر رزق بالنسبة لهم، فهي جزء هام من هويتهم وصمودهم وتجذرهم على أرضهم. يقيمون في الأرض طوال موسم القطاف، يعملون بجد وصبر، ويجنون زيتهم وزيتونهم بحب وفرح، بينما تعلوا أصواتهم بأهازيج وأغان تراثية: "على دلعونا، على دلعونا.... زيتون بلادي أطيب زيتونا".
كان هذا قبل أن يأتوا ذات نكبة، غرباء، لا تعني لهم الأرض شيئا ولم يحملوها في حقائب سفرهم، ليقلبوا المشهد رأسا على عقب.
في العامين الأخيرين تحول هذا المشهد الاحتفالي الى مشهد يخيم عليه الخوف والقلق. فبينما قضت آلة الحرب الإسرائيليّة على الغالبية العظمى من حقول الزيتون في قطاع غزة، تشتد وتيرة اقتلاع وتكسير الأشجار وحرق كروم الزيتون في مناطق عديدة في الضفة الغربية، وبالتوازي مع الاعتداءات اليومية التي يمارسها الجيش تتصاعد اعتداءات "فتيان التلال" -كما يطلقون على أنفسهم -على المزارعين وحقولهم وتزداد شراسة ودموية.
يشهد موسم الزيتون الحالي ازديادا مقلقًا في هجمات المستوطنين التي لم تقتصر على أصحاب الأرض وأشجارهم فحسب، بل طالت أيضا المتضامنين الأجانب، إذ منعوهم من الوصول الى الأراضي وهاجموهم بالعصي والحجارة، وأضرموا النار في سياراتهم، على مرأى ومسمع الجيش وبمساندته، وشملت هذه الهجمات مناطق واسعة في الضفة الغربية، مثل قرى شمال رام الله، جنوب نابلس، ترمسعيا ومناطق كثيرة أخرى.
يقول المزارع أبو خالد من قرية بورين:" لم نتمكن من الدخول لأرضنا الّا لمدة يومين، وعندما وصلنا وجدنا أن معظم الثمار قد سُرقت، وبعض الأشجار قد اقتلعت من جذورها".
ويروي المزارع حميد البدوي من بلدة "قريوت" عن أجواء مروّعة في هذا العام، مؤكدا أن خروج المزارعين من بيوتهم، لا تعني بالضرورة عودتهم سالمين، اذ يودع الكثيرون أهلهم تاركين وصاياهم خلفهم، خشية أن يتعرضوا لاعتداءات المستوطنين وجرائمهم.
ويحذر الناشط في مواجهة الاستيطان بشار القريوتي من الخطر المتنامي على حياة المزارعين، ومن احتمال ارتكاب المجازر بحقهم، عبر إطلاق العنان لهذه المجموعات المتطرفة لممارسة جرائمها دون رادع.
يصف سليمان عصفور من قرية سنجل في محافظة رام الله والبيرة اللحظات التي عاشها خلال محاولته اسعاف أحد المصابين من قريته بعدما أصيب بإطلاق النار من المسلحين بأنها: "لحظات رعب حقيقية، ولولا رحمة الله لكنت أنا الشهيد الثالث". ويقول عصفور أن أكثر من عشرين مستوطنا هاجموه أثناء محاولته إجلاء أحد المصابين في المنطقة التي وقع فيها الاعتداء، والذي أسفر عن استشهاد شخصين.
وبحسب وحدة التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن عدد اعتداءات المستوطنين منذ بداية العام الحالي تجاوز 2150 اعتداء، أي ما يقارب ضعف ما سُجل في العام الفائت. كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بإصابة نحو 350 فلسطينيا جراء هذه الاعتداءات.
إن ما يجري في الضفة الغربية ليس حدثا عابرا أو طارئا، بل يدخل ضمن سياسة احتلالية ممنهجة ومتواصلة منذ سنة 1967، تهدف إلى إفراغ الأرض من أصحابها الأصليين، عبر تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم لا يٌطاق لدفعهم نحو الرّحيل، الأمر الذي يخدم مشروعهم الصهيوني الساعي الى سرقة الأرض وتوسيع والاستيطان. ويبقى الرهان على تشبث الفلسطينيين بأرضهم في وجه هذا المشروع الاستعماري الذي يستهدف البشر والشجر والحجر.