عبد معروف
كما كانت (سريالية) حرب الابادة وحرب التجويع التي مارسها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وبدعم الرئيس الأمريكي المباشر رونالد ترامب، ما يعني أنها كانت فوق الواقع والمتوقع وفوق الخيال، كانت إتفاقية قمة شرم الشيخ برعاية الرئيس ترامب إتفاقية "سريالية" ما وراء وفوق الواقع.
فما تعرض له قطاع غزة لمدة عامين، بآلة الحرب الاسرائيلية كان خياليا وسرياليا، ولم يتوقعه الضمير الانساني، كذلك جاءت بنود مقترح ترامب لوقف الحرب بشكل غير متوقع، وأن يكرس نتنياهو "بطلا" على أشلاء الأطفال وأمعائهم الخاوية، وأن يكرس ترامب "راع للسلام"، من الطبيعي أن يكون ذلك خياليا، ولا في احتمالات العقول التي كانت تراقب وتتابع حجم المجازر والدمار والحصار والتجويع في قطاع غزة، واعلنت نتنياهو رجل الإجرام وترامب الداعم لآلة الموت التي تقتل الأطفال الفلسطينيين على مساحة القطاع.
ومن استطاع وقف حرب الابادة اليوم، لماذا لم يوقفها قبل شهرين أو سنة أو أكثر، ومن استطاع فرض مقترحه وإجبار كل أدوات القتل والصمت، لماذا لم يفرض هذا المقترح قبل سنتين أو سنة أو أشهر سابقة حتى لا يتحول دم أطفال أهل غزة إلى سلعة على طاولة القمم والضغط والمفاوضات.
تم التوقيع على مقترح ترامب، ولكن من يخفف عن أهالي غزة مأساتهم ومن يمسح دمعات الأطفال والنساء الثكالى، من يعيد بناء المنازل، ومن يعيد لها أهلها؟
بتوقيع أتفاقية شرم الشيخ، لم يعد نتنياهو مهدد بالمحاكمة والمحاسبة لما فعله على مدى سنتين، قتلا وتجويعا وترويعا ودمارا وتهجيرا ونزوحا، لأن ترامب (راعي السلام) أعلنه فوق المحاسبة وما ارتكبه أنجازا، والسلام المرتقب سيسير على جثث الأطفال ودمائهم التي لم تجف بعد فوق رمال غزة.
لكن اليوم، من سيعيد للشعب الفلسطيني حقوقه وهو يعيش اليوم على مآسي ومجازر نتنياهو، ربما يعاد بناء المنازل المدمرة بأموال عربية، ولكن من سيعيد لهم أطفالهم وأولادهم والجراح التي انحفرت في أجسادهم، من يبعد شبح مشاهد الموت التي عاشها أطفال وشيوخ ونساء أهل غزة؟
القضية اليوم، هي مرحلة ما بعد الحرب، التي حاول ترامب استثمار شلال الدم سياسيا وأمنيا، فالضمير الانساني الذي نظم المظاهرات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية على المجازر وحرب التجويع والتهجير، ربما تصمت لأنها تعتقد أن وقف الحرب ووقف أصوات الطائرات والمدافع يكفي لحياة شعب، لا، طبعا لا، فتحديات الحياة ما بعد الحرب لا تقل خطورة عن تحديات البقاء في زمن الموت والحصار.
والذين خرجوا أحياء بعد سنتين، هم يحتاجون الآن لمتابعة أوضاعهم النفسية والصحية والمستقبل القاتم الذي خيم عليهم بعد اتفاق ترامب لوقف إطلاق النار، وإذا كانت الأموال كفيلة بإعادة إعمار الجدران، فمن يعيد بناء الانسان الذي عاش ويلات الحرب ومشاهدها المرعبة؟.
وحتى لا تكون المرحلة أو الأيام القادمة "سريالية"، وفوق الواقع كما كانت الأوهام خلال جولات الحرب.