النهار الاخبارية - وكالات
حصل ما كان يخشاه اللبنانيون من فراغين متزامنين؛ فراغ رئاسي معطوف على تعنت فريق رئيس الجمهورية على محاولات فرض تشكيلة حكومية على ميقاتي؛ ما تسبب بدخول البلاد فراغاً مزدوجاً غير معلوم النتائج في ظل تفسيرات دستورية متعددة.
وكل الاستعراضات التي يقوم بها الأفرقاء على اختلافهم، تهدف إلى خلق مسارات سياسية جديدة على ركام ما تبقى من دولة منهارة وتتزايد بها الأزمات في كل قطاعاتها ومؤسساتها، ويحصل ذلك على وقع الانتظار والترقب.. انتظار طرف خارجي ما يأتي ويبدي كل الاهتمام لرعاية التسوية، مع توفير بعض المقومات للخروج من الأزمة.
وأمام هذا الفراغ المجهول التوقيت تشير المعطيات والمؤشرات إلى أن لبنان الذي يدخل رابع فراغ رئاسي في تاريخه يتحضر لمرحلة سياسية مستقبلية تحمل في طياتها أحداثاً وتفاهمات كبيرة تؤدي لفتح الباب أمام وصول رئيس جديد للجمهورية، وتدشين حقبة جديدة من تاريخ لبنان الحديث، وهذا الاهتمام الدولي بالملف اللبناني تجسد مؤخراً في صفقة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن هذا الاتفاق هو مسار في مسارات المعادلات والتحولات الإقليمية في المنطقة، ويعبر عن صيغة تسوية رعتها قطر وفرنسا بين الولايات المتحدة وإيران، عبر منع سيناريو الحرب والتصعيد وإرساء استقرار بحري متوسط المدى ريثما تنتهي الأزمة الخانقة التي تعيشها أوروبا بعد تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما نتج عنها من أزمات الطاقة والغاز.
ما يعني أن طهران وعبر حزب الله ومواكبته لسير عملية الترسيم أبلغ بجهوزية المحور لفتح الطريق أمام تسويات مستقبلية، وما جرى في البحر والغاز هو مرحلة تحضيرية لإعادة هندسة المرحلة المقبلة، وتجلى هذا السياق في العراق عبر التوافق على انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة، ما يعني استفادة بغداد من مناخ التسوية الحاصل بين الغرب وإيران، لكن الاتفاق الذي نشأ في العراق وأنتج ولادة للحكومة لا يبدو ثابتاً ومتيناً وقد لا يصمد كثيراً مع مرور الزمن. والأكثر منطقية التدقيق في ارتفاع كمية تصدير إيران لنفطها في السوق السوداء خلال المرحلة الأخيرة.
داخلياً أمام موجة الاحتدام الداخلي بين العونية السياسية وبين خصومها التاريخية، وتحديداً ثلاثي بري-جنبلاط والسنية التقليدية، يبدو أن القلق الداخلي بات يتفشى وفقاً لمراقبين، وخاصة أن البلاد دخلت عنوة في أزمة مداها سيشمل بعض الإنجازات التي تحققت، وخاصة مشروع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وما قطعته التحضيرات التي أجريت منذ بداية العام الجاري باتت اليوم على مفترق طرق، كذلك الإجراءات الخاصة بالمشروع الممول من البنك الدولي حيال استجرار الغاز المصري من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.
وحتى اتفاق الترسيم والذي تم برعاية دولية كبرى سيدخل في مراحل مجهولة إذا ما جرت تسوية رئاسية وحكومية قريبة تتيح للجهات المعنية إجراء توقيعات التلزيم لشركات الاستخراج؛ لأن الهدف من وراء الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل هو لمساعدة الأوروبيين بإيجاد مصادر أخرى من الحقول الإسرائيلية واللبنانية، على حساب مصلحة روسيا. وهو ما يثبت مرة إضافية أنّ التحالف الروسي – الإيراني ليس كاملاً بل تفرضه تقاطعات جزئية.
وهذه التقاطعات هي التي جعلت من حزب الله أكثر التحاماً مع إيجاد حلول مرحلية لملفات الحكومة، ومن ثم التوافق على رئيس للجمهورية، بالمقابل نقل لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم وجود رغبة دولية بتشكيل حكومة، وهذا الأمر جرى نقله والذي كان حريصاً بالساعات الأخيرة على إقفال كل الخطوط باتجاه ذلك، وهذا الأمر مرده ما سمعه الأخير من جهات دولية نافذة من أن يكون تشكيل الحكومة سبباً لتأخير انتخاب رئيس للجمهورية، بالمقابل فإن حزب الله كان حريصاً على تشكيلها لخلق آليات مناورة سياسية في الرئاسة والمرحلة المقبلة.
فيما حسابات ميقاتي مختلفة ومردها إلى تمترس الأخير في غالبية النواب السنة ودار الفتوى ووزراء حكومته في أن يتولى هو صلاحيات الرئيس، بالإضافة إلى دعم تلقاه ميقاتي من بري وجنبلاط وفرنجية وموقف داعم من القوات اللبنانية والكتائب، وهؤلاء جميعاً يؤكدون دستورية أن تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس، انطلاقاً من ثابتة رئيسية هي أنهم خصوم عون وباسيل، وذلك ما يبرر، سواء صدّقوا الحجج والفتاوى الدستورية أم لا، أن يكونوا في الطرف الآخر المواجه لعون مع أنهم يتمسكون بأولوية انتخاب الرئيس، إلا أن المفاضلة الراهنة في مكان آخر.
وحزب الله نفسه ينظر لهذه الجبهة بعين الريبة؛ لذا فإنه بات مضطراً للبحث عن حلول تناسبه وحليفه، وترجم ذلك باللقاء بين نصرالله-باسيل والذي بات واضحاً أنه ذو نتيجة مرضية للحزب، لكن الحزب إياه سيحرص على هذه الجلسات، لكن ما قاله باسيل بشأن حماسته للترشح، هو أنّ إعلانه الأولي عن الدخول في معركة الرئاسة، وهو يتعاطى على هذا الأساس وقد مهّد له عون بتوقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة، والحديث عن أن انتخابه سيزيل العقوبات الأمريكية المفروضة عليه حكماً.
كذلك يعتقد باسيل أن اتفاق الترسيم سيمنحه حماية تسمح له باللعب أكثر دون سقوف، وهو ما يستشف من بعض مواقفه.
في الواقع، فإنّ الشروع في هذا السلوك سيكون خاطئاً، خصوصاً أنّ السياسة الأمريكية أثبتت أنّها تعمل على الملفات وليس بالجملة، وهو ما يعني أنّ سياسة العقوبات لن تعود إلى الوراء إذا اقتضت الحاجة، إذا ما سعى أحد للشغب بهدف تأمين مصالحه.
كذلك، فإن الظروف الإقليمية غير سانحة لباسيل ولا لفرنجية حتى، فالسعوديون سيخوضون معركة إبعاده بكل ما أوتوا من قوة، والفرنسيون لديهم حساباتهم مع واشنطن، فيما قطر ترغب بقائد الجيش وعلاقتها الجيدة مع باسيل وغيره من الأطراف لن تجعلها تغامر بدعمه في ظل جبهة معارضة داخلية وخارجية له.