الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

كيف تعاملت إسرائيل مع المؤسسات الدوليه منذ بدء الحرب على غزة ولبنان

النهار الاخباريه وكالات
لم تكتفي إسرائيل على مدار عام مضى بشن حرب شرسة على غزة فحسب، والتي أسفرت حتى الآن عن أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطينيّ، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، بل تجاوزت ذلك إلى تبني نهج عداء صارخ تجاه المؤسسات الدولية والأممية.
وقد أثارت الحرب الإسرائيلية على غزة نداءات ومطالبات متتالية من مسئولين أمميين لاتخاذ موقف حاسم تجاه تل أبيب وصلت إلى حد المطالبة بتعليق عضويتها في الأمم المتحدة.
وأوصت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيزي، الخميس 31 أكتوبر 2024، بالنظر في تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، وإعلانها دولة فصل عنصري، بسبب "الإبادة الممنهجة" التي ترتكبها في حق الفلسطينيين. 
وقالت ألبانيزي في تقرير قدمته إلى الأمم المتحدة إن إسرائيل لا ترتكب جرائم حرب في غزة فحسب، بل ترتكب إبادة جماعية "ممنهجة" في صورة مشروع يهدف لمحو الفلسطينيين من الوجود، لإقامة "إسرائيل الكبرى".
وامتد مشهد الانتهاكات التي مارستها إسرائيل بحق المؤسسات الدولية والأممية ليشمل مؤسسات وشخصيات عدة في مقدمتهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومحكمة الجنايات الدولية ومنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، وغيرهم.
في هذا التقرير نستعرض كيف تعاملت إسرائيل بازدراء مع هذه المؤسسات والشخصيات الدولية منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

1- الأونروا
لم يكن العداء الإسرائيلي لمنظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وليد اللحظة مع بداية الحرب على غزة، بل إن التحرش الإسرائيلي بالوكالة يتزايد منذ سنوات ليبلغ ذروة غير مسبوقة في هذه الحرب.
فبعد وقت قصير من أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتَّهمت إسرائيل 12 موظفاً في وكالة الأونروا بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى تعليق نحو 11 دولة غربية مساعدتها للأونروا. فيما لم تقدم إسرائيل أي أدلة على اتهامها لموظفي الوكالة، بحسب تقارير عدة.
لم تكن مزاعم إسرائيل بحق الوكالة والعاملين فيها الأولى من نوعها، بل هي أحدث فصل من فصول التوترات المستمرة منذ عقود بين إسرائيل والأونروا، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
تشكل الأونروا المصدر الأساسي للدعم الإنساني لحوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في فلسطين المحتلة والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين.
قبل عدة أيام، صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، على قانونين يقضيان بوقف أنشطة الأونروا في إسرائيل. ويتطلب أي مشروع قانون التصويت عليه من الكنيست بثلاث قراءات ليصبح قانوناً نافذاً، وأثار قرار الكنيست انتقادات دولية واسعة.
قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، إن القرار الصادر عن الكنيست الإسرائيلي بحظر "أنشطتنا غير مسبوق، ويشكل سابقة خطيرة، ويعارض ميثاق الأمم المتحدة".
في تعليقها على قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر أنشطة الأونروا، قالت صحيفة الغارديان البريطانية إن حظر الأونروا دون إيجاد بديل لها لن يؤدي إلا إلى شل المساعدات المقدمة للفلسطينيين في وقت الشدة. 
وصفت الغارديان في افتتاحيتها القرار بأنه خطوة غير مسؤولة إلى حد كبير من جانب المشرعين الإسرائيليين. وأضافت الصحيفة أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية تُظهر ازدراءً صارخاً للمعايير العالمية التي تحكم حقوق الإنسان والنزاعات والدبلوماسية، مما يجعل إسرائيل تتحول إلى دولة مارقة.
وقال إيريك بيورج، أستاذ القانون في جامعة بريستول، إن القوانين الإسرائيلية الجديدة بحظر الأونروا تشكل خرقاً واضحاً لميثاق الأمم المتحدة، حيث تعتبر المنظمة الأممية قطاع غزة أرضاً تحتلها إسرائيل، ويلزم القانون الدولي القوة المحتلة على الموافقة على برامج الإغاثة لمستحقيها وتسهيل ذلك "بكل الوسائل المتاحة لها".
2- قوات اليونيفيل
منذ الاجتياح البري للبنان في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استهدفت إسرائيل بشكل منهجي عناصر من قوة حفظ السلام الأممية بجنوب لبنان "اليونيفيل". 
رصدت تقارير نشرت حديثاً كيف اقتحم جيش الاحتلال بالقوة قاعدة تابعة لليونيفيل في لبنان، ويُشتبه في استخدامه الفسفور الأبيض الحارق بالقرب من قوات حفظ السلام، على مسافة كافية لإصابة 15 فرداً من قواتها.
التقارير أفادت بأن جيش الاحتلال بدأ بإطلاق النار مباشرة على قواعد اليونيفيل بعد الـ8 من أكتوبر/تشرين الأول. وقدمت اليونيفيل صوراً توثق الأضرار التي لحقت بمخابئ قواتها وأبراج المراقبة والعديد من قواعدها.
يؤكد خبراء قانونيون أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. 
قال تامر موريس من كلية الحقوق بجامعة سيدني، إنه لا ينبغي استهداف أفراد حفظ السلام طالما أنهم لا يشاركون بشكل مباشر في القتال ضد إسرائيل، وفق ما نقلت عنه وكالة الأناضول.
وأضاف موريس أن مهاجمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي. وأوضح موريس أن الهجوم من شأنه أن يشكل خرقاً أيضاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على رد من المجلس على أي انتهاكات، ربما من خلال فرض عقوبات على إسرائيل أو الدعوة إلى تنفيذ القرار.
وتابع أن الهجوم من شأنه أن يؤدي إلى تحقيقات وملاحقات قضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد مسؤولين وقادة عسكريين إسرائيليين. وأضاف أن قوات حفظ السلام تعمل تحت قيادة الأمم المتحدة ولكنها تلتزم بتفويضاتها الوطنية. 
رغم أن الهجوم على قوات اليونيفيل لا يشكل من الناحية الفنية هجوماً على الدولة التي توفر القوات، فإنه ربما يُنظر إليه سياسياً على هذا النحو من قبل الدول المعنية.
3- الأمين العام للأمم المتحدة
لم يقتصر العداء الإسرائيلي وسياسة الازدراء التي مارستها على المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، بل تجاوزت ذلك لتطال رأس المؤسسة الأممية، والحديث يدور هنا عن الأمين العام أنطونو غوتيريش.
شغل غوتيريش البالغ حالياً 75 عاماً، منصب رئيس وزراء البرتغال من عام 1995 حتى عام 2002. ثم انتقل بطلاقة إلى حلبة الدبلوماسية الدولية، حيث أصبح مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين عام 2005.
رسم غوتيريش صورة مختلفة عما كان سائداً في نظر الكثيرين فيما يتعلق بأمين عام الأمم المتحدة، فقد جاء إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة حاملاً إرثاً سياسياً وفكرياً، ينبع من خلفيته السياسية والأخلاقية حين كان شاباً أيام "ثورة القرنفل" التي أطاحت بالنظام الديكتاتوري في البرتغال، ما جعله مناصراً قوياً لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها ومناهضاً للاستعمار بكافة أشكاله. 
كان غوتيريش واضحاً في إدانة سياسات إسرائيل الاستيطانية وممارساتها الاستعمارية في فلسطين أمام المجتمع الدولي، وكذا في إدانة القصف العشوائئ الذي يستهدف مدنيين في غزة.
قبل عدة أيام، أدان غوتيريش الهجوم الإسرائيلي على بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، الذي أدى إلى مجزرة مروعة قتل فيها عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين، بينهم أطفال ونساء.

وقبل عدة أسابيع، أصدر تقريراً أشار إلى زيادة مقلقة في المستوطنات الإسرائيلية داخل الأرض الفلسطينية المحتلة ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.
غير أن هذه المواقف الداعمة لحقوق الفلسطينيين قوبلت بعاصفة من ردود الفعل الغاضبة من قبل إسرائيل.
ففي بداية الشهر الماضي، قرر وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إعلان غوتيريش، "شخصاً غير مرغوب فيه" في إسرائيل، بعدما اعتبرت تل أبيب أن غوتيريش فشل في إدانة الهجوم الإيراني الذي استهدف مواقع عسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لم يكن قرار وزير الخارجية الإسرائيلي الحلقة الأولى في سلسلة الصدام بين إسرائيل وأمين عام الأمم المتحدة.
بعد عملية طوفان الأقصى، خاطب غوتيريش  مجلس الأمن الدولي برسالة واضحة أدانت الهجمات، لكنها وضعتها أيضاً في سياقها التاريخي. فتحدث بلهجة جريئة ومباشرة قائلاً: "من المهم أن ندرك أن هجمات حماس لم تحدث من فراغ".. فقد عانى الفلسطينيون من 56 عاماً من الاحتلال الخانق، ورأوا أراضيهم تُلتهم من أجل المستوطنات، وابتلوا بالعنف، واقتصادهم مخنوق، وشعبهم مشرد، ومنازلهم تُهدم."
وعلى الفور، أعربت إسرائيل عن غضبها تجاه المسئول الأممي. ولم تكتفي بطلب استقالته، بل وأعلنت أنها سترفض منح تأشيرات لموظفي الأمم المتحدة رداً على ذلك.
4- المحكمة الجنائية الدولية
ما أن أعلن مدع عام المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في مايو/أيار الماضي عن مطالبته هيئة المحكمة بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت،  حتى بادرت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة في الطعن باختصاص المحكمة.
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في العشرين من مايو/أيار إن إدارته ترفض "المساواة" بين حماس وإسرائيل في هذه القضية، وأن المحكمة ليس لديها ولاية قضائية. وقدمت الحكومة الإسرائيلية حججاً مماثلة.
في سبتمبر/أيلول 2024، قدمت إسرائيل مذكرتين قانونيتين إلى المحكمة الجنائية الدولية، تطعنا في شرعية طلبات مذكرة التوقيف ضد نتنياهو وغالانت، وكذلك في اختصاص المحكمة.ولم تتوقف حدة الهجوم على المحكمة الجنائية الدولية عند هذا الحد، حيث  بعث 12 من أعضاء الكونغرس الأمريكي رسالة تهديد للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "كريم خان"؛ لمنعه من اتخاذ القرار المنتظر باعتقال مسؤولين إسرائيليين. 
وجاء في الرسالة التي حملت نبرة تهديد أنذاك:" لن تتسامح الولايات المتحدة مع الهجمات المسيّسة التي تشنها المحكمة الجنائية الدولية على حلفائنا. إذا استهدفتم إسرائيل سنستهدفكم. وإذا مضيتم قُدماً في الإجراءات المشار إليها في التقرير، فسنتحرك لإنهاء كل الدعم الأمريكي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة موظفيكم وشركائكم، ومنعكم وعائلاتكم من دخول الولايات المتحدة".
برز استهداف إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية حتى قبل أن يطالب مدعيها العام بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.
كشفت تحقيقات نشرتها صحيفة الغارديان ومجلة +972 في 28 مايو/أيار أن المحكمة الجنائية الدولية تعرضت لحملة تجسس وتهديدات على مدى تسع سنوات من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وشملت الحملة اختراق هواتف خان والمدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بنسودا.

علق خبراء قانونيون على تقرير صحيفة الغارديان بقولهم إن الجهود التي تبذلها وكالات المخابرات الإسرائيلية لتقويض المحكمة الجنائية الدولية والتأثير عليها يمكن أن ترقى إلى مستوى "جرائم ضد إدارة العدالة".
وفي مقابلة سابقة مع صحيفة يوميوري شيمبون اليابانية، كشف كريم خان أن مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية تلقوا "تهديدات" شخصية من مؤيدي روسيا وإسرائيل.