الجمعة 13 حزيران 2025

"غزة... على حافة القيامة"


بقلم هيسم شملوني

لم يبق في غزة شيء لم يقصف.
لم يبقَ حجر لم يصرخ، ولم يبق جسد لم يبتر أو يحرق أو يفتت كأنه لم يكن.
السماء التي كانت تسجد للدعاء، أحرقت بصواريخ الكراهية،
والأرض التي كانت ترضع الحياة من شرايين الأمل، نُكلت بها المجازر حتى جف لبنها.
هنا، في غزة، لا تعد القبور،
فالناس يدفنون تحت البيوت، تحت المآذن، تحت المدارس والمستشفيات،
يدفنون أحياء في صمت العالم وصخب طائرات الفسفور.
الطفل هنا لا يعرف أسماء الألعاب، بل يحفظ ماركات القنابل،
ويشير إلى السماء كلما سئل عن الأمن.
لكنهم لا يموتون فقط بالصواريخ.
في غزة، يموتون جوعاً أيضاً.
يأكلون أوراق الشجر إن وجدت،
يمص الأطفال أناملهم اليابسة في حضن الأمهات الجائعات، واللواتي جف لبنهم،
ولا يصل الحليب إلا على هيئة حلم بعيد المنال..
في نوم متقطع تحت الجنازير والحصار.
فالاحتلال لا يقاتل جيشاً، بل يطارد الأرحام،
يفجر فيها المستقبل قبل أن يولد، أو يذبح الأحلام وهي بعد في مهدها.
عقيدته القذرة تقول: أن يفنى الفلسطيني في أرضه ليحيي مشروعه المزعوم،
وأن تمحى الذاكرة، ويبتر التاريخ، وتشوّه الجغرافيا لترسم نجمة الموت فوق التراب الفلسطيني.
فما يحدث في فلسطين ليس صراعاً، بل مسرح جريمة مفتوح على الهواء، وفي بث حي.
وهذا العالم الذي يتغنّى بالحرية، هو ذاته الذي يمنح القاتلَ سيفَ العدالة ويُصفّق له كلما سقط شهيد آخر.
أيها العالم، لا تمثل الدهشة! فدماء أطفالنا ليست زلة، بل نتيجة سياسة واضحة:
سياسة الإبادة والاستئصال، سياسة أن لا يبقى للفلسطيني من اسمه شيء.
ومع ذلك...
في العتمة، يظهر ضوء المتضامنين الأحرار.
من شوارع نيويورك حتى ضفاف نهر السين،
من الأزقة والساحات العربية، إلى الساحات والجامعات في جنوب أفريقيا،
من أصوات المهاجرين المقموعين إلى أنفاس الأحرار في قلب المستعمرات القديمة...
يرفعون علم فلسطين، ويصرخون: "أنقذوا غزة!"
يكسرون الصمت، ويبعثون الحياة في نبضنا المحاصر،
يكتبون على جدران العالم أن فلسطين ليست وحدها.
ورغم كل شيء،
رغم المجاعة،
رغم الجماجم الصغيرة المتناثرة تحت الحطام،
رغم الذاكرة المثقلة بالحريق والحنين،
لا تزال غزة تقاوم.
لا تزال غزة، رغم الموت، تنجب الحياة...
وتصرخ في وجه القاتل:
"أنا لست جرحاً عابراً سيمر، بل ذاكرة ولعنة سوف تلاحقك إلى أن تنهار."