النهار الاخبارية - وكالات
رغم وعوده لمصر بالالتزام بالتهدئة، وحذره التقليدي من التورّط بحرب واسعة في غزة تشل الحياة بإسرائيل، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بـ"اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة، وهو القرار الذي ترى فيه مصادر إسرائيلية غير محسوب، وقد يحمل له نتائج عكسية.
وبعد غتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة، اغتالت إسرائيل قيادين آخرين من الحركة، فيما ردت الحركة بإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
فهل كانت عملية اغتيال قادة الجهاد وسلسلة الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة فجر الثلاثاء، 9 مايو/أيار، عملية سياسية دبّرها بنيامين نتنياهو للحفاظ على دعم الجناح اليميني في ائتلافه الحاكم.
نتنياهو طالما تجنب مثل هذه العمليات
تقول صحيفة Haaretz إن عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي الثلاثة، كانت من بين الخيارات العسكرية المطروحة، التي قدمتها الأجهزة الأمنية في الأسبوع الماضي. وجرى التخطيط لتفاصيل العملية بدقةٍ مقدماً، وذلك على يد خبراء في الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك). كما جرى فحص الأهداف وتمت الموافقة عليها بواسطة المستشارين القانونيين، الذين أجازوا الاحتمالية المؤكدة لقتل مدنيين إلى جوار الأهداف المذكورة.
ومع ذلك، لا يمكن الفصل بين هذه عملية اغتيال قادة الجهاد الإسلامي وبين المأزق السياسي الذي يعيشه نتنياهو.
ولطالما كان خيار تنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة مطروحاً على الطاولة في ما يتعلّق بغزة. لكن نتنياهو كان يفضل عدم استخدام هذا الخيار كخطوة أولى خلال نحو 16 عاماً في السلطة، ولم يكن يختار هذه العمليات من بين سلسلة الخيارات التي كان رؤساء الأجهزة الأمنية يطرحونها عليه.
وفي السابق، أصدر نتنياهو أوامره باغتيال شخصيةٍ فلسطينية بارزة داخل غزة -كخطوةٍ أولى لشن عملية ضد القطاع- في مناسبتين فقط. فبعد سلسلة من الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وحماس على الحدود في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، أصدر نتنياهو أوامره باغتيال قائد الجناح العسكري لحركة حماس، أحمد الجعبري، مما أطلق شرارة عملية عمود السحاب التي استمرت لأسبوع.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقع الاختيار على قائد الجهاد الإسلامي في شمال غزة، بهاء أبو العطا. إذ كان أبو العطا يتصرف حسب رغبته بدرجةٍ كبيرة، ويخطط للهجمات الصاروخية ضد إسرائيل، وقد التزمت حركة حماس الحياد خلال تبادل إطلاق الصواريخ الذي دام ليومين بعدها، حسب الصحيفة.
قادة الجهاد التزموا بالتهدئة المتفق عليها مع الوساطة المصرية
ويحمل القادة الثلاثة الذين قتلتهم إسرائيل في عملية يوم الثلاثاء -التي يصفها الجيش الإسرائيلي بـ"الدرع والسهم"- رتباً مشابهةً لأبو العطا. لكن الثلاثة يختلفون عن أبو العطا في أنهم كانوا يلتزمون بقواعد الاشتباكات الغزاوية. حيث أطلقوا وابلاً من الصواريخ وقذائف الهاون قصيرة المدى بعد وفاة الناشط المضرب عن الطعام خضر عدنان، لكنهم وافقوا على الهدنة بوساطة مصرية بعد 24 ساعة.
ولم يتظاهر أحد في إسرائيل بأن الثلاثة كانوا عبارةً عن "قنابل موقوتة" على وشك شن هجوم قريبٍ آخر. أي إن نتنياهو اختار هنا أن يفعل ما كان يفضل اجتنابه في الماضي، وكسر الهدنة من أجل اغتيال قادة جهاديين من رتبةٍ متوسطة مع 10 مدنيين، لمجرد أنهم نفذوا هجوماً صاروخياً لم يقتل أي إسرائيليين.
اغتيال قادة الجهاد الثلاثة جاء بسبب ما فعله بن غفير
ولهذا يجب النظر إلى آلية اتخاذه للقرار في اغتيال قادة الجهاد الإسلامي، في ضوء ظروفه السياسية، فمنذ تبادل إطلاق الصواريخ مع غزة يوم الثلاثاء قبل الماضي، تعرض نتنياهو لضغوط علنية قوية من حزب عوتسما يهوديت (العظمة اليهودية) الخاص بإيتمار بن غفير، وذلك لأنه لم يرد على الهجمات الصاروخية بقوةٍ أكبر. ورفض بن غفير ورفاقه المشاركة في الاجتماعات الوزارية وجلسات الكنيست منذ ذلك الحين، كما هددوا الليكود بالاستقالة.
ولم يكن الأمر مؤذياً لنتنياهو على مستوى الائتلاف فقط، بل كان يمثل تحدياً مباشراً لصورته كـ"زعيم الأمان المخضرم" أمام الجمهور الإسرائيلي، وذلك إثر تعرُّضه لضربات كبيرة في استطلاعات الرأي بسبب الاحتجاجات.
وهناك اثنتان من الفوائد السياسية الفورية لشن عمليةٍ الآن بالنسبة لنتنياهو، وأولهما أنها هدّأت بن غفير وعصابته، حسب تعبير صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
فهم السبب في دفع نتنياهو إلى التحرك المباشر، ويعدون الآن بالعودة إلى المشاركة الكاملة في أعمال الائتلاف. أما الفائدة الثانية فهي أن انتباه العامة في إسرائيل قد تحوّل -مؤقتاً على الأقل- بعيداً عن الاحتجاجات، وطلبات الميزانية الجشعة من شركائه في الائتلاف، وأزمة غلاء المعيشة.
لكنها استراتيجية قصيرة الأجل
ولا شك أن هذه استراتيجية قصيرة الأجل على نحوٍ مقلق؛ إذ يعي نتنياهو القديم احتمالات تصاعد هذه الهجمات إلى حربٍ تدوم لأسابيع طويلة، مما سيشل الحياة المدنية والاقتصادية الإسرائيلية.
كما يُدرك أن أي أفضليةٍ تكتيكية تتحقق نتيجة اغتيال القادة الفلسطينيين ذوي الرتب المتوسطة، ستكون أفضليةً عابرة. ولهذا عزف نتنياهو عن مثل هذه العمليات عادةً عندما كانت تُطرح عليه في السابق.
لكن تقول الصحيفة الإسرائيلية نتنياهو الذي نقف أمامه اليوم هو شخص مختلف؛ إذ بدأ يتخلى بدرجةٍ متزايدة عن الحذر الذي كان علامته المميزة في يومٍ من الأيام، وسمح للسياسة بالتأثير على قراراته العسكرية تحت ضغط أكثر الشركاء تطرفاً واستهتاراً في مسيرته، نظراً لاعتماده الكامل عليهم لضمان الأغلبية في الكنيست.
لماذا انتظرت حركة الجهاد 35 ساعة للرد؟
استغرقت حركة الجهاد الإسلامي ما لا يقل عن 35 ساعة للرد على اغتيال إسرائيل لثلاثة من أعضائها البارزين في قطاع غزة. حيث أطلقت الحركة وابل صواريخ ضخم على الجنوب الإسرائيلي، مع وصول بعض الصواريخ إلى منطقة تل أبيب الكبرى.
وفي الوقت ذاته، تحظى إسرائيل بفرصةٍ لإنهاء جولة القتال الحالية متفوقةً بفضل عدم وقوع أي إصابات فعلية. لكن قادة الجهاد لن يوافقوا على وقفٍ سريع لإطلاق النار على الأرجح، لأنهم لم ينجحوا في إلحاق أي أضرار حقيقية بإسرائيل حتى الآن.
وكان تأخير الرد على اغتيال قادة الجهاد الإسلامي ليومٍ ونصف أمراً غير مألوف على الإطلاق، وأثار الكثير من التساؤلات داخل إسرائيل. إذ حاول الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية الزعم بأن التأخير كان نتيجة الصدمة التي سببتها العملية في أوساط قيادة الجهاد، التي تعرضت لضربةٍ قوية.
لكن إسرائيل تميل إلى المبالغة في أثر عملياتها العسكرية من ناحيةٍ أخرى. ومن المحتمل أن حركة الجهاد الإسلامي بدأت بالبحث عن الأهداف التي تصفها بالنوعية لدى الجانب الإسرائيلي، أملاً في الرد بفعاليةٍ أكبر.
وواجهت الحركة صعوبةً في تنسيق أنشطتها مع حماسٍ في البداية. وحينها اكتشفت ميزةً معينةً للانتظار الذي زاد من توتر إسرائيل. حيث أُصيبت الحياة اليومية للعديد من المستوطنات الجنوبية بالشلل أيضاً في صباح الأربعاء، 10 مايو/أيار، أثناء انتظار الرد الفلسطيني. أي إن الفلسطينيين اكتشفوا بالصدفة طريقةً لزيادة قلق الإسرائيليين دون أن يضغطوا على الزناد.
وبحلول الظهيرة، كانت عناصر الجهاد الإسلامي قد بدأت تحركاتها بالفعل. وشرعت الفرق في تسليح قاذفات الصواريخ داخل مواقع الإطلاق استعداداً لإطلاق النار. وفي تمام الـ1:30 ظهراً تقريباً، جاء رد الفعل الأول من الجهاد الإسلامي بإطلاق مئات الصواريخ شمالاً وصوب مستوطنات غلاف غزة.
الجهاد نسقت إطلاق الصواريخ مع حماس، ولكن الأخيرة تتريث في استخدام قوتها
ونسّقت حماس جهود إطلاق الصواريخ مع الجهاد الإسلامي مسبقاً، كما ارتفعت درجة التشدد في بياناتها منذ الأمس، لكن يبدو أنها تركت غالبية جهود إطلاق الصواريخ الفعلية للجهاد.
ومع ذلك، سنجد أن حماس هي التي تمتلك القوة النيرانية الحقيقية، مما يعني أن مشاركتها النشطة في إطلاق الصواريخ كانت ستزيد المخاطر بدرجةٍ كبيرة -وربما تسبب بعض الأضرار الأكثر خطورة وراء السياج.
وأكّدت البيانات الفلسطينية المشتركة على التنسيق الجاري بين الفصائل المسلحة طوال العملية، حيث كانت تصدر عن غرفة العمليات المشتركة في القطاع. كما شدّد مسؤول حماس حسام بدران على أن الاغتيالات المستهدفة لقادة الجهاد الإسلامي البارزين تُمثل هجوماً على الشعب الفلسطيني بأسره، ولهذا سيكون الرد مُمثِّلاً لكافة فصائله.
الرد قد يأتي من لبنان والضفة أيضاَ مما قد يهدد بإشعال حرب
وذكر متحدثون آخرون السيناريو الذي كان يقلق المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية بشدة خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو الرد من عدة مناطق مختلفة تشمل لبنان والضفة الغربية، مما قد يجر المنطقة إلى حافة الحرب.
وكانت جهود الوساطة في وقف إطلاق النار قد بدأت يوم الثلاثاء بالفعل، بعد عدة ساعات من بدء إسرائيل في قصف غزة. وطالبت إسرائيل في رسالتها، التي نقلتها مصر، بأن تظل حماس على الحياد وتمتنع عن التدخل في القتال.
ويُعَدُّ رد حماس على اغتيال قادة الجهاد الإسلامي مجرد ردٍ جزئي في الوقت الراهن. حيث إن حماس تدعم الجهاد الإسلامي على المستوى الرسمي وتُتيح لها العمل. لكن مشاركتها المباشرة في القتال تعتبر محدودة من الناحية العملية.
لكن حماس قد تضطر للمشاركة في هجمات الصواريخ بنفسها، وذلك في حال استمرار ارتفاع أعداد الضحايا من الفلسطينيين واستطالة حملة القصف الإسرائيلية.
لماذا تفضّل إسرائيل الاشتباك مع الجهاد بينما تغضّ النظر عن أي دور لحماس بالقتال؟
ويُمكن القول باختصارٍ إن استراتيجية إسرائيل ظلّت على حالها بنسبة كبيرة منذ نهاية عملية حارس الأسوار، التي بدأت قبل عامين بالضبط، ولم تتغير رغم التغييرات المتعددة التي طالت الحكومة.
إذ تفضل إسرائيل الاشتباك مع حركة الجهاد الإسلامي بدلاً من مواجهة حماس الأقوى مباشرةً، ، وفقاً لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ولهذا سنجد إسرائيل مستعدةً لتجاهل المساهمات المحدودة من المنظمة الأكبر والأخطر في المعارك، حتى تضمن بقاء حماس هادئة نسبياً. ولهذا أيضاً تسمح بدخول أموال المساعدات القطرية إلى قطاع غزة (نحو 30 مليون دولار شهرياً)، بالإضافة إلى منح 17,000 ترخيص عمل لعمال غزة (مما يُدر نحو 40 مليون دولار على القطاع).
النتيجة.. حماس تزداد قوة
لكن إسرائيل تدفع الثمن أيضاً بتفاديها للمواجهة الكبيرة؛ حيث تحصل حماس على ما يكفي من الوقت والمال للاستثمار في قواتها العسكرية، وفرض نفسها كقوةٍ منافسةٍ حقيقية للسلطة الفلسطينية في الضفة.
ولا شك أن العلاقة الإسرائيلية بالسلطة الفلسطينية صارت محدودة، وخاصةً في عهد الحكومة الحالية. بل ويبدو كأن إسرائيل تفضل إظهار تساهلها مع حماس، بدلاً من مساعدة قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله بأي شكل.
وعلى كل حال، من الواضح أن كل المواقف التي تزعم استرداد قدرة الردع الإسرائيلية ستظل مجرد شعارات خاوية في الواقع، طالما أن حماس لا تزال قويةً نسبياً ولا تخشى إسرائيل على وجه التحديد، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
والمقاومة تشترط إدراج حماية الأقصى ضمن اتفاق الهدنة
بينما يجب على المراقبين أن ينتبهوا إلى يومٍ وشيك آخر يقترب في الخلفية، وهو يوم القدس في الـ19 من مايو/أيار. إذ مثّل هذا اليوم تاريخاً شديد الحساسية في السنوات الأخيرة بسبب مسيرة الأعلام اليمينية في البلدة القديمة بالقدس، وبسبب محاولات الفلسطينيين لتعطيلها.
وقيل إن بين شروط حركات المقاومة لإبرام هدنة بوساطة مصرية التأكيد على عدم اقتحام الأقصى في هذا اليوم، حيث ذكرت وسائل إعلامية إسرائيلية أن "الجهاد الإسلامي وضع 3 شروط للهدنة، الأول هو إعادة جثمان الأسير خضر عدنان، ثانيا وقف سياسة الاغتيالات، والشرط الثالث هو إلغاء مسيرة الأعلام للمستوطنين المقررة الأسبوع القادم في القدس، والتي تستهدف المسجد الأقصى عادة.
ولقد بدأت التقارير الإعلامية الفلسطينية في إثارة حالة ترقب لمسيرة الأعلام بالفعل. ومن المحتمل أن البعض في غزة يرغبون في إطالة أمد هذه الجولة من القتال حتى يوم القدس.
إذ تصر فصائل المقاومة على إدخال الأقصى في المعادلة.
ويبدو أن حماس أصبحت تعمل على إدخار قوتها لاستخدامها كأداة لحماية الأقصى مثلما فعلت في مايو/أيار 2021، حين ردت على مسيرة الأعلام والانتهاكات بحق الأقصى بإطلاق صاروخ نحو المسيرة بما أدى إلى فضها ليهتف المقدسيون مسلمون ومسيحيون باسم قائد الجناح العسكري لحماس محمد ضيف.