السبت 21 أيلول 2024

جامعة الكسليك احتفلت بذكرى تأسيس جامعة الدول العربية


 النهار الاخبا ريه 

أحيت جامعة الروح القدس في الكسليك، بدعوة من رئيسها الاب هادي محفوظ، يوم جامعة الدول العربية في ذكرى تأسيسها الخامسة والستين في قاعة البابا يوحنا بولس الثاني  برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. ومثل الرئيس سليمان وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي، ورئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري النائب نعمة الله ابي نصر، ورئيس الحكومة سعد الحريري وزير الإعلام الدكتور طارق متري  كذلك حضر الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، والوزيران منى عفيش وعدنان السيد 
 الوزير الشامي  
بعد النشيد الوطني، ألقى ممثل رئيس الجمهورية الوزير الشامي كلمة قال فيها
 شرفني فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بتمثيله في هذه الاحتفالية بمناسبة الذكرى ال65 لتأسيس جامعة الدول العربية، بعد أن كان من المفترض أن ألقي كلمة باسم وزارة الخارجية والمغتربين. إنها لمناسبة هامة أن يحتفى في لبنان بذكرى تأسيس الجامعة العربية بعد 65 سنة من اعلان ميثاقها. فلبنان عضو مؤسس لجامعة الدول العربية وكان حاضرا في كل مراحل عملها وشارك بفاعلية في لجانها وكان ممثلا لها في العديد من العواصم الكبرى في العالم ولا يزال 
اضاف كانت فكرة إنشاء جامعة الدول العربية في العام 1945 فكرة رائدة وواعدة تصب في اتجاه المنحى الحالي الذي يسيطر على العلاقات الدولية والذي أدى إلى تبلور قناعة لدى الدول التي تشعر بالتقارب الجغرافي أو الثقافي أو الحضاري إلى التكتل في مجموعات من أجل ايجاد مكانة لها في هذا العالم والمحافظة على ما حققته من مكاسب على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي وعلى ما تتمتع به من نفوذ على الساحة الدولية وتعزيزه. ويحسب لجامعة الدول العربية بالدرجة الأولى تحويلها العمل العربي المشترك إلى قيمة وإجماع عربيين وترسيخها الفكرة القومية بحيث لا تكون جدواها أو مضمونها موضع تشكيك لدى الجماهير والأنظمة العربية 
وتابع أما مؤسساتيا، فقد أصدرت عددا كبيرا من وثائق العمل المشترك التي جرى إقرارها، مثل وثيقة عمان الاقتصادية، وإستراتيجية العمل الاجتماعي العربي، وبروتوكول ضوابط العمل العربي المشترك  وعلى المستوى التنظيمي، فقد أنشئت مؤسسات دائمة ومتخصصة، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للاتصالات الفضائية، وصندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادي، واتحاد البريد العربي، ومنظمة المدن العربية  وأخيرا، وعلى المستوى الحركي  فقد ساعدت الدول العربية التي لم تكن مستقلة وقت إنشائها على تحقيق الاستقلال، وطرحت فكرة التضامن الجماعي العربي وجسدتها في اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي من خلال زيادة درجة الاعتماد المتبادل العربي البيني واردف لقد صدر عن الجامعة العربية خلال سلسلة من القمم بدأت مع قمة انشاص عام 1946 عدد من القرارات التي ساعدت على تظهير الإرادة السياسية لمجموع شعوب وأنظمة الدول المكونة لها  وبقراءة سريعة لتاريخ هذه القمم  يمكننا أن نستخلص جملة أمور أهمها سيطرة الصراع العربي - الإسرائيلي والممارسات الإسرائيلية التي تمعن اعتداء وتحديا لإرادة المجتمع الدولي والشرعية الدولية على كل أعمال القمم العربية  وليس آخر هذه الممارسات إقامة كنيس الخراب اليهودي على بعد أمتار من المسجد الأقصى والاستمرار في المشاريع الاستيطانية رغم الطلبات والتحذيرات المستمرة من التداعيات السلبية لهذا الأمر على الأوضاع في الأراضي المحتلة والمنطقة ككلإلا أننا وعلى الرغم من أهمية المتابعة ورد الفعل إزاء الأحداث الكبرى التي نشهدها، فإننا نطمح إلى أن يستمر السعي للارتقاء بالعمل العربي المشترك في إطار الجامعة إلى مستوى الفعل والتأثير عبر استباق الأزمات والأحداث الطارئة والتحسب لها في عالم تتبدل فيه الصورة والوقائع بشكل سريع ومستمر ما يفرض على العمل السياسي والدبلوماسي تحديا إضافيا لمواكبة هذه التغيرات والتبدلات. وقد أكدت القمة العربية الأخيرة في الدوحة على أن المبادرة العربية للسلام التي أقرها القادة العرب في بيروت 2002 لا يمكنها أن تستمر إلى ما لا نهاية، وأنه يبقى من الضروري بالتالي العمل على إلزام اسرائيل بتطبيق هذه المبادرة بكل مندرجاتها ضمن مدة محددة 
ولفت الى ان لبنان على وجه التحديد يعرف الدور الحاسم الذي لعبته الجامعة خلال الأزمات التي عرفها، وهو لا ينسى محطات محددة منها ما صدر عن قمة الاسكندرية عام 1964 بخصوص البدء بتنفيذ مشروعات استغلال مياه نهر الأردن وحمايتها عسكريا، حيث كلف مجلس الوزراء اللبناني على إثرها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بتنفيذ مشروع تحويل مجرى نهر الحاصباني وانشاء سد تحويلي وجمع وجر مياه الحاصباني والليطاني الاوسط الى سد خزان في بلدة ميفدون الجنوبية، فقامت اسرائيل وقتذاك بالإغارة على موقع العمل". 
وقال: "كذلك كان للجامعة دور لافت في رعاية الجهود التي أفضت إلى اتفاق الطائف، كما يذكر للجامعة دورها في التحضير لمؤتمر الدوحة مؤخرا، والمشاركة الفاعلة في أعماله، وتضامنها الدائم مع لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. على أن نشاط جامعة الدول العربية لا يقتصر على الجانب السياسي فحسب. فالمادة الثانية من ميثاقها وإن حددت لها أغراضا سياسية تتمثل بتوثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون في ما بينها وصيانة لاستقلال وسيادة كل منها حفاظا على السلم والأمن العربيين، وأخرى غير سياسية يتضمنها العمل اليومي الذي يشمل كل أوجه العلاقات بين الدول العربية من اقتصادية وتجارية ومالية واجتماعية وتنموية وبيئية وإدارية. فالاجتماعات الدورية التي تعقد من أجل التنسيق لرفع مستوى التقارب والتواصل وإعداد الخطط والمشاريع المشتركة تشكل إطارا لمناقشة قضايا الحاضر والتخطيط للمستقبل. وفي السنة الماضية، شارك لبنان بفعالية في القمة الاقتصادية الاجتماعية الأولى التي عقدت في دولة الكويت الشقيقة، ولم تقتصر مشاركة لبنان على المستوى الرسمي والحكومي وإنما شملت أيضا الجمعيات الاهلية التي تعنى بشؤون التنمية والبيئة وغيرها". 
واشار الى "ان هذه القمة الاقتصادية تشكل مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك الذي يفسح المجال امام إيجاد منطقة اقتصادية عربية تضم أكثر من ثلاثمائة مليون عربي يتوقون إلى التقدم والتنمية والازدهار. وإذا كان سجل الجامعة على المستوى الاقتصادي لا يحفل بالكثير من الإنجازات، إلا أننا نتطلع إلى اليوم الذي ينتهي العمل فيه على عدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى والواعدة كمشروع "خط الغاز العربي" إضافة لبدء تنفيذ مشروع إقامة "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، الذي إن قدر له أن يبصر النور، سيعفي أكثر من 95 في المئة من كل المنتجات العربية من الرسوم الجمركية ويزيد حجم التبادل التجاري العربي البيني بشكل ملحوظ. كما أننا نتطلع إلى مشاركة فعالة في الاعداد والتحضير للقمة الثقافية التي يمكن أن تكون حدثا فريدا يحشد الآراء والخطط من أجل البحث في دور الثقافة في عالم متغير ودور المفكرين في نهضة شعوبهم. ونحن نعتبر بأن المغتربين العرب هم شركاء في عملية التنمية في العالم العربي، كما أن لهم دور فاعل ومهم في الدفاع عن القضايا العربية في المحافل الدولية. وانطلاقا مما تقدم، فاننا نؤيد كل مسعى يهدف الى مأسسة العلاقة مع المغتربين العرب وعليه فإننا نرحب بتقرير وتوصيات اللجنة الدائمة للشؤون القانونية والقاضية بانشاء لجنة استشارية لشؤون المغتربين والجاليات العربية المقيمة في الخارج. كما نشجع انعقاد مؤتمر المغتربين العرب في ديسمبر القادم في الجامعة العربية". 
وختم: "لا بد من التنويه بالدور الذي يلعبه الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى الذي يضفي على عمل الجامعة الحيوية والنشاط والحضور المطلوب، إن حضور الأمين العام يعرفه لبنان في زياراته المتعددة خلال السنوات القليلة الماضية. كما أنه لا يسعني الا الاشادة بجهود سعادته حيث كان محركا لعملية اصلاح هيكلي شامل للجامعة، من خلال انشاء ذراع تشريعي ضمن مؤسسات العمل العربي المشترك، وتطوير مجلس السلم والامن العربي وتحديث الامانة العامة ورفع مستوى ادائها. وتعزيزا لحضور الجامعة ودورها أرسى عددا من منتديات التعاون العربي مع كل من الصين والاتحاد الأوروبي وتركيا وأميركا اللاتينية وهو بصدد إنشاء منتدى التعاون العربي الهندي. إن جامعة الدول العربية التي تعتبر من أولى المنظمات الإقليمية على المستوى الدولي تسعى إلى مواكبة التغيرات التي عرفها العالم العربي والمشكلات التي يواجهها، وقد نجحت حتى الآن في تجاوز الأزمات والانقسامات، وهي تؤكد دوما حضورها كإطار جامع في أدق المنعطفات وأخطر الأزمات، وذلك على الرغم من خضوع حركتها لعدد من المحددات القانونية والسياسية الذاتية والموضوعية كثنائية القومية والقطرية والمفارقة بين دوافع الوحدة وإنجاز المؤسسات، ومأزق الإدارة السياسية. وإذ نحتفل اليوم بذكرى تأسيسها في هذا الصرح العلمي اللبناني، فلأن لبنان يدرك دوره في العمل العربي المشترك ودوره في توطيد العلاقات بين أشقائه العرب من أجل مستقبل وازدهار الأجيال العربية القادمة". 
ثم تحدث مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في الجامعة عن "أهمية دور الجامعة العربية وبقائها على مسافة واحدة من الجميع وإيمانها بأن لبنان الموحد والمتجانس هو قوة لها وللأمة العربية"، مشددا على "ضرورة إزالة الحواجز في عالمنا العربي ولا سيما الإجتماعية والثقافية والإقتصادية". 
الاب محفوظ 
وقال رئيس الجامعة الأب محفوظ "إن حرم الجامعة هو المكان الأنسب لاقتراح التغيير السياسي والعلمي، ونحن في جامعة الروح القدس-الكسليك نعي أهمية الإنتماء الى هيئة جامعة ترعى الخطوات وتساهم في تحقيق التطلعات في إعداد شباب أفضل". 
وتناول أهمية تطوير مؤسسات جامعة الدول العربية ولا سيما التنفيذية منها "لتتسم إجراءاتها بالعملانية على الصعيد الإجتماعي والثقافي والإنساني على حد سواء". وشدد على "أن جامعة الروح القدس تحرص على أداء دورها في العالم العربي والمشرقي، بالانفتاح على قيم الثقافة ونمو الإنسان دون أي تفرقة أو تمييز". 
النائب الخازن 
بدوره عرض النائب الخازن تاريخ تأسيس الجامعة العربية منذ عام 1945 وإنجازاتها وإخفاقاتها"، ورأى أن "النظام الإقليمي العربي غارق في نزاعات يصعب إيجاد الحلول لها، كما يواجه تحديات من مصادر إقليمية أخرى، وتحديدا من إيران المنخرطة في سياسة المحاور الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق في تاريخ المنطقة الحديثة". 
وأشار الى "أن مصدر الخلل ليس في الجامعة العربية نفسها بقدر ما هو في عدم تظهير الدور العربي المشترك الذي يريده المنضوون تحت لوائها". 
الصلح 
أما نائبة رئيس مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية الوزيرة السابقة ليلى الصلح فاستذكرت عام 1958 "حين اندلع القتال بين اللبنانيين بأفكار ناصرية كونت منعطفا في تاريخ لبنان الحديث، إذ اهتزت فكرة الميثاق -الشراكة وبات هناك شريك عربي ملازم وصي على فئة، بدءا بعبدالناصر، ورثته منظمة التحرير الفلسطينية وأكملته سوريا، ومن يدري من شريك اليوم؟". 
أضافت: "سنة 1975 فجروها حربا، فطلبنا العون وهرعوا للاغاثة، ولكن هل من مروءة الأغاثة أن تستعبد من تغيث؟ وأخيرا أعطوك الطائف وأخذوا منك الميثاق". 
وسألت: "ما هذه أمة العرب؟ حكامها اختاروا السلامة وليس السلام، وشعوبها المراقبة وليس المشاركة. أضعف هذا أم صغر أم استسلام للأقدار أم خوف على أحادية الحكم؟". 
وختمت: "أيها اللبناني، أنت اليوم لقيط العروبة، وحيد في هذه الدنيا، لا حامي لك ولا جار، قم وارفع مستوى التعامل مع أوصيائك في البلدان العربية، من الولاء الى المحبة، من الطاعة الى المداولة، ومن التبعية الى الأخوة". 
موسى 
وكان الامين العام للجامعة العربية موسى آخر المتكلمين، وقال: "لم تمض أسابيع قليلة منذ زيارتي الأخيرة للبنان حتى عدت، عدت هذه المرة ضيفا على هذا الصرح الأكاديمي العريق للرهبانية المارونية اللبنانية، جامعة الروح القدس. وقد رحبت بهذه الدعوة فور أن قدمت إلي، تحية لهذا التاريخ الأكاديمي، وعرفانا بالإيماءة المقدرة في شأن الاحتفال بذكرى تأسيس جامعة الدول العربية، وقبل كل ذلك وبعده لإيماني بأن لبنان منبر حر للرأي، يطيب الحديث منه إلى الرأي العام العربي، كما أنه غني بالفكر، مرحب بالمبادرة، كما أنه ثري بالقلق. وما يفرزه القلق من آراء ونظريات وتحليلات، وما يخلقه من أدوار سياسية تؤدي أحيانا إلى أزمات ولكنها في النهاية تشيع جوا سياسيا نشطا متألقا. أن شعب لبنان يضرب مثالا للحيوية والإقدام، مع الإحاطة بفنون الحياة، وتحدي التحدي، والسير - رغم كل شيء- إلى الأمام. هذا جزء مما يجذبني إلى لبنان، ويجعلني أشعر بأنني أسير على أرض صديقة، وأتنسم هواء يتمشى مع مزاجي الشخصي، إذ أواجه القلق فيثري عزيمتي، وأواجه التحدي بتحد مثله. وإلا ما كنت صمدت كأمين عام للجامعة العربية منذ تسع سنوات من المشاكل والأزمات والانقسامات والمواجهات. اندلعت فيها الحرب الأميركية على الإرهاب، والحرب على العراق، والعدوان الإسرائيلي على لبنان، واجتياح قطاع غزة، وتعرضت فيها دولتان عربيتان أخريان لأخطار الانقسام والحروب الأهلية هما اليمن والسودان، وانهارت بالكامل دولة هي الصومال، وتفجرت مواجهات مذهبية وطائفية وعرقية بل وكروية. هل هناك ما هو أنكى من ذلك؟" 
أضاف: "أتحدث إليكم ولبنان يمر بمرحلة أخرى من عدم اليقين، والخشية أن يكون مجرد كرة في لعبة الأمم، وأن يتحمل هو - لبنان - قبل غيره نتائج الشد والجذب، والتهديد والوعيد على المستوى الإقليمي، وأن يعاني قبل غيره تقلصات المخاض لشرق أوسط ذي أبعاد غير تلك التي نعرفها، بل وربما لعالم عربي مختلف. أتحدث اليكم ولبنان هو العضو العربي في مجلس الأمن صاحب المسوؤلية في حفظ الأمن والسلم الدوليين مما يضع واجبات جساما على عاتقه. أتحدث إليكم والقمة العربية على الأبواب، والعالم العربي يمر بأزمة من أزماته الكبار هي تلك المتعلقة بقضية فلسطين وتطوراتها، وحدة التلاعب بمقدراتها، وانقسام قياداتها، وتصاعد المزايدة على شعبها، بل وخداعه وإيهامه بأن الحل ممكن، وأنه على الأبواب، وهو في الحقيقة بعيد بعيد. أتحدث إليكم في لحظة تراجع عربي واضح، ولست أقصد بالتراجع الخلافات الثنائية أو التردد السياسي فقط، أو الخضوع لتأثيرات ولتداعيات الاستراتيجيات العالمية أو خسارة الريادة الإقليمية، أو التعرض لنزوات المصالح الأجنبية فحسب. وإنما أقصد بصفة خاصة التراجع الحضاري والثقافي والعلمي، ومن ثم ضعف الإسهام العربي في مسيرة العالم نحو مستقبل جديد للبشرية ديدنه العلم والتكنولوجيا، ولحمته الفكر والخيال والتصور والابتكار وإعلاء حقوق الإنسان وديمقراطية الحكم. وعليه، دعوني أقول إنه بات حتميا أن نعيد النظر في النظام العربي الحالي، وأن نبحث عن إنطلاقة عصرية لحركة الحياة العربية، إنطلاقة تضع الأمور في نصابها، باعتبار أن المقصود والهدف من حياتنا السياسية هو تنظيم المصلحة العربية المشتركة التي تحقق التقدم والازدهار والأمن والمنعة، وأقترح في هذا ما يأتي: 
أولا- بما أنني أتحدث من موقع نمت فيه الأفكار المبكرة عن القومية العربية، ومداولاتها وأدبياتها، فاسمحوا لي أن أقول أن الحديث عن القومية ليس بالضرورة حديثا خارجا عن حدود الزمن، ولا هو حديث يعيدنا إلى فكر سلف، إن المشاعر القومية مشاعر سليمة صحيحة وصحية ما دانت تستند إلى أسس متينة من العقل والحساب ومنطق الأمور، وليس إلى أسس تستند إلى مجرد العاطفة أو الأحلام. 
ثانيا- إن العروبة ومسارها ليست بالضرورة موجة عاتية أو عاصفة هوجاء أو نظرية عدوانية كما يحلو للبعض أن يصورها، وكأنها تهدد باكتساح الكيانات الوطنية، وتحدى غيرها. وإنما هي، ويجب أن تكون، سياقا منتظما يؤلف بين هذه الكيانات ويضمن تفاعلها الإيجابي، وينهض بتناغم فكرها، وتشابك مصالحها وبناء العلاقات الطيبة مع جيرانها، وتتحرك سريعا لضبط الأمور إذا تفجرت أزمة أو فلتت سياسة. هكذا يجب أن تكون وعلينا أن نجعلها كذلك. 
ثالثا- إن المفهوم الجماعي العربي قائم لا شك. ولكن آن له أن يخرج من صالونات الثقافة ومحافل الاسترخاء الذهني، بل آن له أن يغادر شوارع العاطفة وميادين الشعر والخطابة، ليصبح مشروعا إقليميا شاملا وبناء يستند إلى الإصلاح المشترك لوضع المجتمعات العربية وفق خطط متناسقة، تطال العلم والتعليم والصحة والعمل، والتحديث والحفاظ على التراث، أي نظل عربا. ولكن نكون عربا يتناغمون مع القرن الحادي والعشرين، يستطيعون التعامل مع مشاكله، ومواجهة تحدياته، والتحدث بلغته، والإسهام في مسيرته، وأن يتمكنوا من الدخول في سباق التقدم نحو الدنيا الجديدة". 
ورأى "أن هذا المفهوم الجماعي العصري للعرب يجب أن ينقى من أي أعراض عرقية أو عنصرية، ليكون انتماء حضاريا وثقافيا منفتحا حيا متطورا، قادرا على الانطلاق نحو المعاصرة والحداثة، حريا بالاندماج في حركة العصر نحو التقدم، والرقي بالإنسان والمجتمع. وإن على الفكر العربي أن يتطور ليقبل أن الإطار العام للأمة هو إطار جامع. هو عالم عربي يشترك فيه العرب مع إخوان لهم في الماضي والحاضر والمستقبل. فالعالم العربي يضم العرب والأكراد والأمازيغ وأهل جنوب السودان. كلهم منا ونحن منهم، وأن تكون القاعدة هي أن الدين لله والوطن للجميع. 
رابعا: آن للمشروع العربي الشامل، وفق التصور الذي طرحته الآن، أن يكون له إطار إقليمي يرحب بالآخر، وهو أيضا شقيق، ويصر على أن مستقبل الشرق الأوسط على اتساعه، لا يمكن ولا يجب أن يكون محلا لمساومات توقع بين العرب وغيرهم من شركاء المنطقة، بل شركاء التاريخ والثقافة. نعم. أن مستقبل الشرق الأوسط سوف يتحدد بواسطتنا نحن العرب، فنحن الأغلبية الكبرى فيه، نحن قادته ورواده وأصحابه، ولكن بمشاركة فاعلة من الآخرين متفاهم عليها ومرحب بها، وهنا أقصد بالتحديد تركيا وإيران. 
خامسا: إن قيام السلام العادل في المنطقة وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي أصبح ضرورة ذات أهمية إستراتيجية كبرى، وهو ما يجب التوصل إليه على أسس استرداد الأراضي العربية المحتلة، وعدم التنازل عن حق تقرير المصير للفلسطينيين ليقيموا دولتهم ذات السيادة على مجمل أرضهم المحتلة في حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأيضا على أساس ما نصت عليه مبادرة السلام العربية في بيروت من التزامات متقابلة أساسها احترام القانون الدولي والحقوق التي يحميها. 
سادسا: إن الأمن الإقليمي موضوع لا يقل أهمية عن موضوع السلام العادل، بل إنه مرتبط به ارتباطا عضويا. ومن هنا فإن اللحظة التي يجب أن نعد فيها المسرح للنقاش الجدي حول مشروع للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، قد حانت. وأن تكون نواته إخلاء المنطقة من السلاح النووي، بدءا بالترسانة النووية الإسرائيلية، والعمل على خفض التسلح دون استثناء لأي دولة وضمان الأمن للجميع. 
سابعا: أكرر ضرورة أن يكون بند الإصلاح والتحديث، وتكريس مسيرة الديموقراطية وحقوق الإنسان بندا رئيسيا على جدول أعمال كل عمل عربي مستقبلي". 
تركيا وإيران 
وقال: "أنتقل الآن الى نقطة ترتبط ارتباطا وثيقا بما ذكرته آنفا، وهو العلاقة العربية الإقليمية مع تركيا وإيران، ثم يكون لي كلمة عن إسرائيل. إني أرى أن الوقت الآن أكثر من مناسب كي يكون لنا نظرة وخطة للتعامل مع الوضع البازغ في الشرق الأوسط والمتعلق بوجود قوى نشطة غير عربية، أولاها تركيا ذات الديبلوماسية المقدامة والمقاربات الهادئة، وثانيتها إيران ذات الديبلوماسية الجريئة والمقاربات العاصفة، وثالثتها إسرائيل التي تذكرنا كل يوم بأنها قوة معادية تحاول أن تفرض وجودها بالقوة وليس بالسلام، وأن أمنها واستقرارها ربما يسير في خط عكسي مع أمن و استقرار المنطقة العربية بل لا يتحقق إلا على حسابها". 
وطرح "عددا من النقاط اقترحها غذاء للفكر، على الأقل في المرحلة الحالية: 
- إن الظروف تتطلب سرعة طرح مقاربة عربية مقدامة للاحاطة بالتشرذم الواضح في الصفوف العربية، ولإنهاء السلبية الكامنة في الموقف العربي العام، وهو ما نحن على وشك القيام به. 
- أقترح الدعوة إلى تبني سياسة جوار عربية، تقودها وتكون بؤرتها جامعة الدول العربية، وترتكز على التجمع العربي وتحيط به، ويكون أول المرشحين للانضمام اليها تركيا، التي أعتقد أن على تقبلها وقبولها إجماعا عربيا، والتفصيل يكمن في أن الجوار العربي من شأنه أن يضم دولا آسيوية وافريقية ومتوسطية وربما أوروبية، أقترح أن نجمعها جميعا حول الجامعة العربية في إطار سياسة الجوار العربية التي أشرت إليها. وتبقى الجامعة مؤسسة متطورة مستقلة بذاتها، تجتمع بدول الجوار في دورات محددة وعلى مستويات سياسية وفنية ووفق برامج تحقق التنسيق والتعاون والتفاهم، وربما نشكل لها في ما بعد هيكلية بعينها". 
وأشار إلى أمرين مهمين: "1- في ما يتعلق بإيران، أرى أن الموقف يتطلب أولا حوارا عربيا إيرانيا عاجلا تطرح على مائدته مجمل المشاكل التي تسبب الإضطراب والالتباس في العلاقة العربية الإيرانية، وأن تكون الصراحة والشمول الأساس الذي يقوم عليه هذا الحوار، والذي يجب ألا يطول، ولكن يجب أن نعجل به، وسوف تسهم مسيرة هذا الحوار ونتائجه، والجو الذي سوف يخلقه، كما نأمل في الدفع نحو علاقة عربية إيرانية ايجابية تسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وفي الاتفاق على مسار للأمن الإقليمي والعمل على التوصل إلى سلام عادل. 
2- أما في ما يتعلق بإسرائيل فالطريق واضح. إذ لا يمكن أن يكون لها مقعد على مائدة النقاش حول حاضر المنطقة أو حول مستقبلها وأمنها دون أن تقبل أولا بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وأن يكون قبولها بذلك رسميا وواضحا وقانونيا ومعتمدا من الأمم المتحدة، وأن تقوم الدولة فعلا، أو دون أن تنسحب إسرائيل من الجولان العربي السوري ومن ما تبقى من أراض لبنانية محتلة، أو دون أن يجري تفاوض جدي ينتج حلا منصفا لموضوع اللاجئين على أساس حقي العودة والتعويض. وفي كل الأحوال فإن حل الصراع العربي الإسرائيلي يقوم في عرفنا على قبولها بالمبادرة العربية في نصها وروحها المتوازنة والخلاقة". 
أضاف: "لقد دعيت للحديث من فوق هذا المنبر، وفي هذه الجامعة العتيدة في ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية، ولا أدري من أطلق على هذه الجامعة وصف "بيت العرب"، وهي في الحقيقة أكثر من ذلك. إنها منظمة إقليمية تشكل مركز القرار الجماعي العربي، ومنتدى لمناقشات جادة حول الأوضاع في المنطقة، وتعتبر آلية التنسيق والتعاون في مجالات التنمية فيها. وبعد سنوات عملي الطوال مع هذه الجامعة وفيها، أصبحت من المدركين تماما لأهمية هذه المنظومة وضرورة وجودها، بل انني أؤمن باستعصائها على الزوال والاندثار. وأؤمن في الوقت نفسه بالإمكانات الواسعة لتطويرها وتحديث مسارها. إن استمرارية الجامعة وقدرتها على تأكيد حضورها ودورها، إنما يستند إلى ما تفرضه الضرورة على شعوب هذه المنطقة وحكوماتها في أن يكون لهم منظمة ترعى شئونهم، وتدافع عن حقوقهم، وتسير معهم وبهم نحو مستقبل أفضل. 
ثم أن الشرعية التي تتبادلها الجامعة مع أعضائها ومع شعوبها إنما تحترم السيادة الوطنية، وتسهم في رسم السياسة الإقليمية، وتتبلور في إطارها الخطط القادرة على مواجهة التحديات الضخمة التي تواجهها دولها وشعوبها. وهنا فلا أدعي أننا نجحنا غالبا، ولكن أؤكد أننا حاولنا، ونحاول، دائما. 
وإذا كانت الكيانات المتنافرة، والتي لا يربطها من الوشائج ما يربطنا، تتجمع الآن وتتكتل في كيانات كبيرة سياسية واقتصادية وثقافية لتحافظ على حضورها ولتعزز من قدراتها، فماذا عنا نحن العرب، حكومات وشعوبا في تعاملنا الجماعي مع العالم المائج من حولنا، وفيه من التيارات ما يجعلنا نحذر ونتحسب جماعة لما يوجه إلينا أو ضدنا من سياسات ونظريات مثل تلك القائلة بصراع الحضارات. وبالتالي يثور السؤال: إذا كان الأمر كذلك فأين هي جامعتنا العربية اليوم، وبعد خمسة وستين عاما على تأسيسها؟ وهل نجحت؟ وما هو حال العمل العربي المشترك؟ دعوني، قبل الإجابة عن هذه التساؤلات المشروعة والملحة، أحدد منطلقين أساسيين: 
أولا: إن جامعة الدول العربية، وكما تدل تسميتها، هي بالأصل جامعة للدول، وليس في ميثاقها ولا أنظمتها ما يمنحها سلطات فوق سلطات الدول الأعضاء، وهي بهذا نظام تعاون تعاهدي. إلا أن الجامعة أصبحت، وفي فترة مبكرة من وجودها، المرآة العاكسة لتفاعلات الإرادات العربية، وما تمثله من مصالح مشتركة أحيانا ومتنازع عليها أحيانا أخرى. ومن هنا لا تزال الجامعة تعاني من إشكالية كبيرة في آليات عملها نجمت عن التأرجح بين تنازع الإرادات العربية وبين ما تفرضه التحديات والضرورات في أن تكون هناك إرادة عربية جامعة معبرة عن المصالح الجماعية يجب أن تأخذ أولوية على ما عداها من الاعتبارات. ولقد أمكن بالرغم من كل ذلك إعطاء آليات العمل واتخاذ القرار في جامعة الدول العربية دفعة كبيرة في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين بعد استقرار آلية الانعقاد الدوري للقمة العربية، وتعديل قواعد اتخاذ القرارات ليكون التصويت عليها بالأغلبية البسيطة أو الموصوفة وليس بالإجماع، وإقرار علانية القرارات وليس سريتها، وإتاحة المجال أمام منظمات المجتمع المدني العربية للانخراط في العمل العربي داخل أروقة الجامعة وفي اجتماعاتها ومنتدياتها، إضافة إلى إشراك هيئات القطاع الخاص والغرف التجارية واتحادات رجال الأعمال والمرأة والشباب وغيرها في أنشطة الجامعة وبرامج عملها، كما تم في السنوات القليلة الماضية استحداث البرلمان العربي الإنتقالي، ليكون النواة المؤسسة لبرلمان عربي دائم ومنتخب من الشعوب العربية. وكذلك قام مجلس السلم والأمن العربي والذي ما زال في بداية خطواته ليكون آلية فاعلة في تسوية المنازعات والوقاية منها، وفي هذا السياق، يجري الآن تفعيل دور هذا المجلس ومنحه الصلاحيات اللازمة، وأن يبدأ بتنظيم إنشاء قوات حفظ سلام عربية. أما المنطلق الثاني: فهو إن جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية تتعرض مثل اغلب المنظمات المتعددة الأطراف الدولية والإقليمية وعلى رأسها الأمم المتحدة لأوجه قصور عديدة في أدائها وفي إمكانيات تحقيق الأهداف المرسومة لها، ومع ذلك فلا يزال النظام الدولي يعتمد على وجود هذه المنظمات ودورها في مسيرة العلاقات الدولية والإقليمية وفي هذا، دعوني أسترسل قليلا لأقول: رغم خيبات الأمل الكبيرة التي أشاطركم إياها، والغضب الذي يعتورنا من عجز الأداء العربي الجماعي عن التعامل مع القضايا المصيرية المطروحة بالمستوى الذي نتطلع إليه، فإن تجربة العمل الجماعي الديبلوماسي والسياسي والفني داخل جامعة الدول العربية، استطاعت وفي أكثر من منعطف أن تسجل نجاحات لا يستهان بها، ولن أعود في التاريخ بعيدا لاستشهد على ذلك، فهنا في لبنان كانت الجامعة على الدوام ناشطة فاعلة. ولنتذكر إتفاق الطائف والذي كان ثمرة عمل عربي مشترك وعلى أعلى المستويات، وكذلك كان اتفاق الدوحة أخيرا، وما سبق من عمل مضن هنا في بيروت، هنا في لبنان لتمهيد الطريق نحو هذا الاتفاق، كما كان العمل الدبلوماسي الراقي للجنة الوزارية العربية في مجلس الأمن إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وكذلك أثناء اجتياح غزة، بحضوره الفعال والمؤثر في مجريات المفاوضات المضنية داخل أروقة مجلس الأمن وخارجها، وفي تكليف القاضي جولدستون والقاضي دورجاد في التحقيق في جرائم إسرائيل في غزة، وتقريرهما منشوران وموجودان الان على أكثر من مكتب من مكاتب مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان". 
وذكر بأن "الديبلوماسية العربية الجماعية التي قادتها الجامعة العربية استطاعت بعد 18 عاما من المحاولات الفاشلة، أن تستصدر قرارا صعبا بشأن القدرات النووية الإسرائيلية من المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم تكتل المجموعة الغربية وأصدقائها إلى جانب إسرائيل وتصويتها ضد هذا القرار. وقبل ذلك أيضا استطاعت الجامعة العربية أن تنجح في استصدار الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الفصل العنصري الإسرائيلي والمستوطنات، وفي السياق نفسه أيضا كان لها الدور في استصدار قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن تقرير جولدستون رغم ما صاحب ذلك من لغط". 
وأشار الى "أن دور الجامعة العربية في العراق مسجل ومعروف من الدقيقة الأولى لغزو العراق، إذ عارضته صراحة وبقوة، ثم انتقلت بالنقاش الى العنصر الأخطر وهو الاسفين الذي دق بين شيعة العراق وسنته، وبين عربه وأكراده، فدعوتهم جميعا الى الاجتماع في الجامعة العربية عام 2005، ورفعت راية المصالحة الوطنية قبل كل شيء وكمفتاح لحل الموقف المعقد في العراق والذي أصبح معضلة في ذاته. ولولا أصابع أجنبية رفضت وخربت "الحل العربي" لأمكن منذ عام 2005 أن نطلق مصالحة وطنية من شأنها أن تحقن الكثير من الدماء وتوفر الكثير من الوقت. ولا يفوتني في هذا السياق، أن أذكر بدور الجامعة في التعامل مع أزمة دارفور وجهود تحقيق السلام الشامل في السودان، وكذلك في التوقيع على اتفاق جيبوتي لتحقيق المصالحة الوطنية في الصومال، وهي جهود بذلت فيها الجامعة طاقات كبيرة ولا زالت محاولاتها مستمرة وصامدة و فاعلة رغم الصعاب والعقبات الكثيرة. وأود في هذا الصدد أن أشير أيضا إلى بعض النبضات التي تحيي الأمل بإمكانيات تطوير العمل العربي ودفعه نحو تحقيق الطموحات المأمولة منه". 
وتناول الشأن الاقتصادي، مشددا على الأمور الآتية: 
"أولا: تحقق تقدم لا بأس به على صعيد التمهيد لإنشاء اتحاد جمركي عربي، والعبرة هنا هي بحرية انتقال عنصري العمل ورأس المال في النطاق العربي الشامل، وليس فقط في أجزاء منه، وهو ما نعمل حاليا على تنظيمه. 
ثانيا: ان رأس المال العربي أصبح يتمتع بحرية حركة لا بأس بها في سائر أرجاء الوطن العربي، بل أن نسبه فاقت في حالات عدة رأس المال الأجنبي العامل في الوطن العربي، ولكن قدرا من رأس المال هذا لا زال يذهب إلى مجالات لا تسهم في إنشاء البنى التحتية اللازمة للنهوض بالاقتصادات العربية، وهذا أيضا رهن نقاش ودراسات كثيرة لإعادة تنظيمه. 
ثالثا: تم في عام 2009 إنشاء صندوق لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي، برأسمال وقدره مليارا دولار، وذلك بمبادرة كويتية لقيت استجابة فورية، وهي تدخل حيز النفاذ في الوقت الحالي، وهي استجابة تدفعنا إلى الدعوة إلى إنشاء صندوق مناظر يختص بالمشروعات الكبرى المشتركة في قطاعات الصناعة والزراعة تعزز من قدرتنا على حل مشاكل البطالة المتزايدة لدينا وتنشئ لنا فيما تنشئ زراعة محصولية واسعة قادرة على وأد معاناتنا من أزمة غذاء لم نعد ننتج منه إلا القليل. 
رابعا: بدأت دراسات الجدوى لإنشاء الطرق السريعة للربط بين الدول العربية، وكذلك لإنشاء خطوط السكك الحديدية العربية بالإضافة إلى مشروعات السماوات العربية المفتوحة والخطوط البحرية المقترحة. 
خامسا: لا ننسى شبكات الربط الكهربائي، وشبكات ربط الغاز. وكلها أعمال جماعية تقوم بها صناديق التمويل التي تدعم النظام العربي الذي تقوده جامعة الدول العربية. 
أما على الصعيد الاجتماعي للعمل العربي المشترك فهناك نبضات مهمة أوجزها بما يأتي: 
أولا: تمضي مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي، والتي أقرت مبادئها الأساسية القمة العربية في تونس قدما، لكننا بحاجة إلى الإسراع بخطاها، وضبط إيقاعها لإرساء قواعد الديموقراطية وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، والنهوض بحقوق المرأة وتمكينها في إدارة الشأن العام. 
ثانيا: إن الميثاق العربي لحقوق الإنسان، رغم أنه قد دخل دور النفاذ، إلا أنه يحتاج إلى تطوير آلياته بما يتسق مع توفير الضمانات الكافية للأفراد من أجل الدفاع عن حقوقهم، وتوفير سبل التقاضي الملائمة لهم، دون إعاقة أو تكبيل. 
ثالثا: لا يزال العمل العربي مقصرا في مجال محاربة الفقر وسوء التغذية وتوفير الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية والحفاظ على البيئة، وكذلك في تحسين نوعية التعليم، ولكن بدأت مجتمعاتنا تستيقظ لضرورة تحقيق كل ذلك، وقد بدأت الدراسات والتجهيزات فعلا لرفع مستوى العمل نحو بلوغ هذه الأهداف. 
رابعا: تعلمون بالوجود العربي تحت علم الجامعة في معارض الكتب الدولية، وبالمشاركة الفاعلة للكثير من أدبائنا وشعرائنا وكتابنا في منتديات الكتاب والأدباء على مستوى العالم في ظل تدخل نشط من الجامعة العربية". 
وأشار في هذا السياق إلى "أن العمل جار لعقد قمة عربية تهتم بالشأن الثقافي، نأمل أن تفتح الأبواب أمام انطلاقة ثقافية تكون انعكاسا لإرادة سياسية ناهضة في هذا المجال، كما نأمل أن تشكل قراراتها مرجعية للعمل العربي المشترك في المجال الثقافي، تعظم من درجة تعاملنا مع كل المؤسسات الثقافية الدولية، بما في ذلك تلك المعنية بحوار الحضارات، لدرء ما سببته هذه النظرية وممارساتها من خلل في العلاقات الدولية ونتطلع إلى أن تفتح هذه القمة آليات نحو معالم نهضة شاملة في كافة مجالات الحياة الثقافية في الوطن العربي". 
وختم: "تمر القضية الفلسطينية حاليا بعنق زجاجة، أما أن تسقط داخلها فتختنق، وإما أن تنطلق خارجها فتقوم دولة فلسطين مستقلة ناهضة يبدأ بها عهد السلام الإقليمي. وفي يقين عدد كبير من المتابعين لهذه التطورات عن قرب، وأنا منهم، فإن السياسة الإسرائيلية التي تتعدى كونها سياسة حكومة بعينها لتنتهي بإقالتها أو استقالتها، ولتكون سياسة كل الحكومات الإسرائيلية، بأن لا سلام مع العرب ولا دولة فلسطينية ذات جوهر ومبنى وسيادة ولا برنامج سلام إقليمي، إلا طبقا لما تقرره المصالح الإسرائيلية أولا، وتبعا للأولويات التي تراها. 
وإن إخضاع الشرق الأوسط للنزعات والنزوات الإسرائيلية أمر لا يصح قبوله وتتعين مقاومته. إن للعرب مصالح يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها حين تتعارض مع مصالح أي كان، فما بالكم بالمصالح الإسرائيلية الأنانية والتي تقوم أساسا على إنكار حق شعب فلسطين في الحياة مثل باقي شعوب الأرض، وتحدي إرادة المسلمين والمسيحيين وحقوقهم في القدس، وعلى الجشع في الاستيلاء على الأرض، والسيطرة العسكرية النووية على الشرق الأوسط كله. هذا كله يجب عدم السماح به تحت أي ظرف. والسياسة العربية تقوم في الواقع على تحدي هذه الخطط والاستراتيجيات، ويجب أن تستمر في ذلك، فالهدف هو السلام العادل وليس غير ذلك. فإن كان لإسرائيل مطالب في الأمن فللفلسطينيين حق أصيل فيه، وإن كان للاسرائيليين دولة، فللفلسطينيين الحق الكامل في دولتهم المستقلة ذات السيادة. وإن كانت إسرائيل تدعي أن عاصمتها القدس، فإن للفلسطينيين الحق الأصيل في القدس عاصمة لدولتهم، كما أن للمسلمين والمسحيين حقوقهم غير القابلة للتنازل في المدينة المقدسة. فإذا رفضت إسرائيل حقوقنا، فيتعين علينا أن نرفض دعاواهم.. أما التراجع الذي أصبح البعض يدعو إليه تحت وصف الواقعية فليس إلا وصفة للهزيمة ومدخلا إلى عصر اضطراب كبير، وخراب لا يقدر. 
وأخيرا كلمة عن لبنان. إن لبنان هو قرة عين العالم العربي كله، والجامعة العربية بمواثيقها وتعهداتها تقف إلى جانبه وتدافع عن سيادته، وتسعد حيث ترى شعبه يتجه نحو التفاهم والتوافق، فعزة لبنان ومنعته تنبعان في الأساس من حيوية شعبه وقدرات أبنائه، وخصوصا حين تجتمع إراداتهم إخلاصا للبنان الوطن، وإعلاء للبنان الدولة، ودعما للبنان العروبة، وموقفا واحدا في مواجهة أعدائه وإصرارا على إستعادة كل شبر من أرضه المحتلة. ونحن العرب، نحن الجامعة العربية وراء لبنان في كل ذلك. 
وأقولها عن اقتناع راسخ ويقين لا يتزعزع: إن مقدرات أبناء هذا الوطن العربي كبيرة والتزامنا إزاء الأجيال العربية الصاعدة مسؤولية لا يقدر عليها إلا أصحاب القامة والهامة، وتحتاج كي نحققها إلى الديموقراطية، الى القيادة الحكيمة الواعية، والمثقفة. كما أن علينا أن نطور المفهوم القومي ليرتكز على خلق المصالح المشتركة، وعلى تطوير جيل جديد من شباب العرب قابض على ناصية العلم، جيد التعليم، صلب النشأة. هذا هو واجب الجامعة العربية والتزامها، وهي تدخل بالعرب إلى العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين". 
وفي الختام قدمت دروع تذكارية من الاب محفوظ الى كل من ممثل رئيس الجمهورية والامين العام للجامعة العربية والوزيرة السابقة الصلح والنائب الخازن وسفير جامعة الدول العربية في لبنان عبدالرحمن الصلح.