الأحد 29 أيلول 2024

انتهاكات المستوطنين في الحرم القدسي باطنها أخطر من ظاهرها


النهار الاخباريه. وكالات .
تزامنا مع تصاعد اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة خاصة في منطقة الخليل، ومع عيد العرش اليهودي، شهد الحرم القدسي الشريف انتهاكات غير مسبوقة لحقوق البشر والمقدسات بلغت حد منع المسلمين من الصلاة لتمكين المستوطنين من الزيارة ومن إقامة شعائر دينية تكشف عن الدوافع الحقيقية خلف هذه الانتهاكات. وكإجراء احترازي لمنع توافد الفلسطينيين لصلاة الفجر في الأقصى، نصبت الشرطة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة حواجز عند الطرقات المؤدية للقدس، واعترضت حافلات من المثلث والجليل داخل أراضي 48 والتي كانت في طريقها للأقصى، وأوقفتها لفترة طويلة وأخضعت المسافرين لتحقيقات ميدانية. ومنعت شرطة الاحتلال الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى، بزعم «التحريض والتسبب بانعدام الهدوء» كما منعت شرطة الاحتلال الشبان من الدخول لأداء صلاة الفجر في المسجد. وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، في تصريح مقتضب، إن 92 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى أول أمس بحراسة الشرطة الإسرائيلية كما اقتحم أعداد كبيرة من المستوطنين المسجد في فترة ما بعد صلاة الظهر. وكانت جماعات إسرائيلية متشددة قد دعت إلى تكثيف الاقتحامات للمسجد، خلال فترة عيد «العُرش» اليهودي التي تنتهي اليوم. وأحصت «دائرة الأوقاف الإسلامية» في القدس اقتحام أكثر من ألف مستوطن يوميا للمسجد خلال الأيام الأخيرة بمناسبة عيد «العُرش». وقال شهود عيان إن شرطة الاحتلال منعت حافلات كانت تقل مصلين من الداخل الفلسطيني من الوصول إلى القدس. وتتم الاقتحامات على فترتين صباحية وبعد صلاة الظهر، عبر «باب المغاربة» في الجدار الغربي للمسجد، بتسهيلات ومرافقة من الشرطة الإسرائيلية.

وقالت الهيئة الإسلامية العليا في القدس إن ما يجري من استباحة اليهود للمسجد الأقصى، أمر عدواني غير مسبوق، وخاصة رفع العلم الإسرائيلي، ونفخ بالبوق، وأداء صلوات تلمودية في ساحات الأقصى بحجة الأعياد المتعددة والمتتابعة. ولمواجهة ممارسات شرطة الاحتلال واقتحامات المستوطنين، وضمن مبادرة رباط الحمائل دعت العديد من العائلات المقدسية أفرادها للتوجه إلى المسجد الأقصى والرباط فيه، كما دعت رابطة شباب آل إدريس كافة أبنائها للتجمهر والتجمع في ساحات الأقصى للرباط فيه إثر وتيرة انتهاكات الاحتلال المتصاعدة بحقه. وبخلاف الماضي وسنة بعد سنة يتزايد عدد المشاركين اليهود في انتهاك الحرم القدسي الشريف وسط دعوات متزايدة لتقاسم أمه على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل، كما يؤكد الباحث في شؤون القدس جمال عمرو لـ «القدس العربي». ويوضح عمرو أن هذه الجماعات من المستوطنين باتت كثيرة العدد وتقوم بزياراتها الاستفزازية بوتيرة أعلى منوها إلى ازدياد عدد الحاخامات ممن يحللون مثل هذه الزيارات والعبادات التي كانت تحظرها الشريعة اليهودية وتمنعها سلطات الاحتلال ضمن ما يعرف بـ اتفاق «الوضع الراهن» في الحرم القدسي.

الجامعة العربية

وأدانت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عدوان سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المسجد الأقصى المبارك وتصعيدها الممنهج بهدف الإسراع في التقسيم المكاني وتجسيد التقسيم الزماني للحرم القدسي. ونبهت الجامعة العربية – في بيان رسمي إلى تكثيف اقتحامات المستوطنين والسابقة الخطيرة برفع العلم الإسرائيلي داخل باحات المسجد الأقصى المبارك والمحاولات الحثيثة لإضفاء المزيد من الطابع الديني على الاقتحامات اليومية وأداء طقوس تلمودية جماعية وعلنية باللباس الديني وإدخال كتب دينية للصلاة وقراءتها بشكل علني من قبل عصابات المستوطنين والمتطرفين بحماية شرطة الاحتلال. كما استنكرت قيام السلطات الإسرائيلية بالتضييق ووضع القيود ومنع وصول المواطنين الفلسطينيين للصلاة في المسجد الأقصى، في استمرار للعدوان المتواصل على القدس والمقدسات لفرض وقائع جديدة على الأرض من خلال المشاريع التهويدية المستمرة وعمليات التطهير العرقي والتهجير القسري. وحذرت الجامعة العربية، من استمرار الإجراءات والانتهاكات الجسيمة لحرمة وقدسية وحرية العبادة والإمعان في انتهاك السيادة والحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، محذرة من تفاقم الوضع البالغ الخطورة في مدينة القدس، ومن العواقب الوخيمة الرامية لتنفيذ المخططات الإسرائيلية لتغيير الوضع القانوني والتاريخي القائم في المسجد الأقصى واستمرار ارتكاب الجرائم اليومية والقتل بدم بارد، كما حدث باستشهاد شابة فلسطينية (اليوم) في البلدة القديمة واستمرار المساس وتدنيس حرمة المسجد الأقصى المبارك. وطالبت المجتمع الدولي، بموقف حازم وإدانة واضحة لما تتعرض له مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك من انتهاكات جسيمة في مخالفة صريحة للقانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية والتدخل العاجل لتحمل مسؤولياته واتخاذ الإجراءات الضرورية لإلزام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوقف انتهاكاتها الجسيمة في المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس. هذا إلى جانب توفير الحماية اللازمة لها إعمالا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة التي تؤكد على وضعية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، وأهمية الحفاظ على مكانتها التاريخية والقانونية تفاديا لإشعال المنطقة بحرب دينية تتحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية عنها.

احتجاج الأردن

كذلك وجه الأردن مذكرة احتجاج إلى إسرائيل بعد هذه الانتهاكات لحق العبادة للمسلمين والمساس بمقدساتهم طالبها فيها بـ«الكف عن انتهاكاتها بحق المسجد الأقصى المبارك» وأكد أن إدارة أوقاف القدس هي الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة كافة شؤون الحرم وتنظيم الدخول والخروج منه. جاء ذلك وفق بيان لمتحدث وزارة الخارجية الأردنية، هيثم أبو الفول وقد أدان البيان دخول «المتطرفين للحرم القدسي الشريف بأعداد كبيرة وبحماية من الشرطة الإسرائيلية، في فترة الأعياد اليهودية الممتدة طيلة أيلول/سبتمبر والسماح لهؤلاء المتطرفين بالقيام بأعمال استفزازية مرفوضة ومُدانة». كما أدان «الاستمرار في إعاقة عمل موظفي إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك الأردنية». وقال أبو الفول إن «الوزارة وجهت اليوم مذكرة احتجاج رسمية طالبت فيها إسرائيل بالكف عن انتهاكاتها واستفزازاتها، واحترام الوضع القائم التاريخي والقانوني، واحترام حرمة المسجد، وسلطة إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك الأردنية». وأضاف أن «هذه الانتهاكات مرفوضة ومدانة، وتمثل استفزازا لمشاعر المسلمين، ولالتزامات إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال في القدس الشرقية، بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي». وشدد المسؤول الأردني على أن المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونما هو مكان عبادة خالص للمسلمين.

الهيكل الثالث

ولا يأتي هذا التصعيد في انتهاكات المستوطنين للحرم القدسي الشريف بمعزل عن المخطط الأخطر المتمثل بتقاسم الأقصى مكانيا وزمانيا بل التمهيد لإعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم على حساب الأقصى وقبة الصخرة وبدعم حكومي رسمي. ويشار هنا أن دراسات إسرائيلية صدرت تباعا منذ 2013 عن جمعية «عير عميم» الحقوقية الإسرائيلية تؤكد أن الجماعات اليهودية الفاعلة من أجل هدم الأقصى وقبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث المزعوم باتت منتشرة وقوية وتحظى بدعم حكومي، محذرة من انفجار «برميل بارود» ستطال تبعاته المنطقة والعالم. ومع استمرار التحذيرات هذه تصاعدات الاعتداءات المدعومة من سلطات الاحتلال وتحت حمايته. ومن أخطر هذه الدراسات تلك الصادرة بعنوان «العلاقة الخطيرة- ديناميكية تعاظم حركات الهيكل في إسرائيل ودلالاتها» والتي أكدت أن نحو 15 ألف يهودي كانوا قبل عقد يزورون الحرم القدسي كل عام وأن أوساطا دينية متزايدة ترى بضرورة بناء «الهيكل الثالث» المزعوم. وفعلا بادرت في السنوات الأخيرة جهات إسرائيلية خاصة كالمجمعات التجارية لبناء مجسمات ضخمة للقدس استبدلت قبة الصخرة بالهيكل كما في مجمعات «رامي ليفي» مثلا وهكذا في مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب تبدو جدارية للقدس بدون الأقصى وقبة الصخرة.

نقطة التحول

وتوضح جمعية «عير عميم» الإسرائيلية أن العام 2000 كان نقطة تحوّل لهذه الجماعات المختلفة التي يجمعها دمج الأساس الديني والقومي والغيبي عقب نشوب الانتفاضة الثانية المصادفة ذكراها السنوية هذه الأيام وبعدما صارت تحظى بدعم سلطات الدولة. وتشدّد الدراسة على خطورة هذه المسيرة التي توظّف الدين لأهداف قومية في مكان يعتبر بؤرة التوترات السياسية والدينية بمستوى عال وهي تحرص على القول إنها لن تعنى بالعلاقة التاريخية والدينية بين اليهود وبين الحرم القدسي الشريف وتؤكد أنها تلقي الضوء على عالم جماعات الهيكل بكل ما فيها وما يترتب عليها. ولذا برأيها فإن الدعم الحكومي الإسرائيلي لجماعات الهيكل من شأنه منح الشرعية للادعاء بأن إسرائيل تنوي المساس بقدس أقداس الإسلام وبالتالي تعزيز المركب الديني للصراع القومي بالأصل. الدراسة الشاملة وغير المسبوقة تشير أن الجماعات اليهودية تعمل عادة في إطار القانون لكن قسما غير قليل منها يتخطاه ويتجاوز ما تسمح به الديمقراطية وحرية التعبير ويقوم بالتحريض ضد المقدسات الإسلامية وبأفعال تعرض السلم للخطر. وتحمل الجمعية حكومة الاحتلال مسؤولية منع تغيير أنظمة العبادة في الحرم القدسي الشريف ومنع التحريض والمس بالمقدسات الإسلامية. وتوصي الدراسة بأن تتخذ إسرائيل عدة إجراءات أولها تطبيق القانون لمكافحة التحريض والعنصرية وملاحقة المربين والحاخامات وقادة حركات الهيكل الداعين لهدم المساجد في الحرم القدسي الشريف. كما توصي الدراسة بزيادة المراقبة على مضامين التعليم التي تنقل بواسطة هذه الجماعات وضمان تعددية الأفكار والروايات أمام الطلاب ولإشراك جهات دولية بهذه المسؤولية ولزيادة التعاون مع الأردن والسلطة الفلسطينية ومع مؤسسة الوقف. وشددت الدراسة على حيوية توقف القيادات السياسية والحاخامات عن أي دعم محاولات تغيير «الوضع الراهن» في الحرم وتضيف «يحظر على قادة الدولة الصمت لأسباب مختلفة على أفكار ومحاولات لتغيير الوضع الراهن في الحرم أو لهدم الأقصى وقبة الصخرة لأن ذلك سيقود لكارثة». ولذلك كشفت الدراسة الإسرائيلية عن وجود دعم منهجي مؤسساتي واسع ماديا، سياسيا ومعنويا لجماعات الهيكل رغم خطورة ذلك حتى لو كان بدوافع الحصول على مكاسب انتخابية مؤكدة مشاركة ست وزارات في العقد الأخير بدعم جماعات الهيكل. وتبرز وزارة التعليم الإسرائيلية في توفير الدعم لهذه الجماعات ماليا وبنشر مضامينها وأفكارها في مناهج التدريس وبرعايتها رغم تحريضها الواضح أحيانا على المسلمين ومقدساتهم.

بقرة حمراء

ونوهت الدراسة أن سياسة الحفاظ على «الوضع الراهن» في الحرم القدسي والذي تحظر صلاة اليهود فيه قد صادقت عليها المحكمة العليا عام 1980 لدوافع أمنية، لكن شهادات متزايدة تفيد بأن شرطة الاحتلال صارت تسمح بصلوات صامتة. وبحسب فتاوى يهودية معينة تحظر زيارة اليهود للحرم القدسي ليس لأنها ملك للمسلمين بل لأنهم عاجزون اليوم عن تطهير أنفسهم وتعتبر هذه الفتاوى أن اليهود اليوم أنجاس نتيجة احتكاكهم بموتى، أما عملية تطهرهم فهي غير ممكنة في أيامنا لأنها تحتاج لطقس خاص تستخدم فيها رماد بقرة حمراء غير موجودة رغم محاولات متكررة للعثور على مثلها. ومع ذلك قالت الدراسة تشهد السنوات الأخيرة عملية تغيير في تعريف الحظر الديني المذكور إذ يتيح عدد متزايد من الحاخامات زيارة بعض الأماكن المحددة في الحرم الشريف والواقعة خارج موضع الهيكل الثالث المزعوم. وفعلا في نظرة للخلف وإلى الواقع اليوم فقد صدقت توقعات الجمعية في قرائتها وتحذيراتها. وكشفت الدراسة وقتها أن التغيير في الرؤية الدينية بدأ غداة توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 والخوف من إنجاز تسوية مع العالم الإسلامي تشمل تنازلا عن «جبل الهيكل». وفي رد على ذلك زاد أعضاء «الحركة من أجل بناء الهيكل» كمية ووتيرة زياراتهم للحرم ووجدوا بحاخامات المستوطنين حلفاء لهم الذين أفتوا بجواز الزيارة للمرة الأولى عام 1996. واليوم يدعو حاخامات صهاينة كثر وبوضوح لزيارة الحرم فيما يدعو بعضهم لبناء الهيكل المزعوم مقابل تحفظات آخرين لدواع دينية وسياسية، لكن بعض المتحفظين يدعون لتغيير أنظمة العبادة في المكان بواسطة فعاليات تربوية، ثقافية وسياسية من أجل تمكين اليهود من الصلاة.

افتتاح القنصلية

ويؤكد جمال عمرو أن الطريق الأجدى للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس والحرم القدسي يكمن بالأساس في رباطهم في الحرم على مدار العام، مشككا بجدوى الاحتجاجات والإدانات رغم أهميتها، داعيا فلسطينيي الضفة الغربية والداخل لإسناد مثابر للقدس في هذه المواجهة الخطيرة. يشار أن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية قال لصحافيين فلسطينيين من أراضي 48 يوم الخميس الفائت، إن الولايات المتحدة تنطق بكلام ناعم لكن ما تقوم به على الأرض يساوي صفرا من الأعمال منوها أن الأمر الوحيد الذي تتجه على ما يبدو للقيام به هو افتتاح قنصليتها مجددا في الشطر الشرقي من القدس مشددا على أن ذلك أهم من افتتاح مكتب لمنظمة التحرير في واشنطن، معللا ذلك بالقول إن هذه القنصلية ستكون نواة سفارة للولايات المتحدة في القدس عاصمة فلسطين.